مع تصاعد الضغوط الاقتصادية العالمية والمحلية، يجد الاقتصاد الصيني نفسه أمام تحديات غير مسبوقة تهدد تحقيق الأهداف الاقتصادية الطموحة التي وضعها الرئيس شي جينبينغ منذ أكثر من عقد. فبين مخاوف الانكماش الاقتصادي وتصاعد خطر دخول الصين في دوامة انكماشية «حلزونية»، تبدو الأمور أكثر تعقيداً مع ظهور مستجدات جديدة على الساحة الدولية، أهمها عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
في السنوات الأخيرة، تأثر المواطن الصيني العادي بأزمة ركود عقاري أثرت بشدة في ثروات الأفراد، حيث انهارت أسعار العقارات في مناطق عدة بنسبة تصل إلى 30%. وقد تفاقمت هذه الأزمة مع توقف العديد من الحكومات المحلية، المحرك الأساسي للنشاط الاقتصادي في البلاد، عن دفع رواتب الموظفين وسداد مستحقات الموردين، ما أدى إلى أزمة ثقة حادة لدى المستهلكين والمستثمرين على حد سواء.
في 24 سبتمبر 2024، أعلنت بكين عن حزمة تحفيز مالي ونقدي ضخمة، أدت إلى انتعاش مفاجئ في الأسواق الصينية. ارتفعت مؤشرات الأسهم بشكل غير مسبوق، حيث سجل مؤشر «سي إس آي 300» (CSI 300)، وهو المؤشر الرئيسي للأسهم الصينية، أكبر مكاسب أسبوعية منذ 16 عاماً بنسبة بلغت حوالي 24%. وأدى هذا الإعلان إلى تدفق ملايين المستثمرين الأفراد إلى السوق، في مشهد لم تشهده الصين منذ سنوات.
تمثل هذه الحزمة التحفيزية أول محاولة كبيرة من الصين لمعالجة الركود منذ جائحة كوفيد-19. على الرغم من الأمل الذي ولّدته في الأوساط الاقتصادية، فإن نجاحها يعتمد على ما إذا كانت ستتمكن من إعادة الزخم إلى الاقتصاد ومنع البلاد من الانزلاق إلى دوامة الانكماش.
بينما تواجه الصين تحديات داخلية، تلوح في الأفق تهديدات خارجية تتمثل في عودة دونالد ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة كعامل ضغط إضافي على الاقتصاد الصيني. تعهد ترامب بفرض تعريفات جمركية تصل إلى 60% على الواردات الصينية، وهو ما قد يؤدي إلى فقدان الصين عدة نقاط مئوية من نموها الاقتصادي. هذه التحديات تجعل تحقيق أهداف الصين الاقتصادية لعام 2035 أكثر صعوبة.
لطالما اعتمدت الصين على ضخ استثمارات هائلة في البنية التحتية والصناعات لتحفيز النمو الاقتصادي. في السنوات الأخيرة، تم تعديل هذا النهج ليركز بشكل أكبر على دعم الصناعات عالية التقنية، بهدف تقليل الاعتماد على الخارج وتعزيز قدرة الصين التنافسية. ومع ذلك، فإن تأثير هذه الإستراتيجية على المدى القصير لا يزال محدوداً، خصوصاً مع تفاقم أزمة المستهلكين الذين تأثرت ثرواتهم بانهيار القطاع العقاري.
الضغوط التي خلفها انهيار سوق العقارات أدت إلى ما يُعرف بـ «ركود الميزانية العمومية»، حيث يركز الأفراد على سداد ديونهم بدلاً من الاستثمار أو الاستهلاك. هذا النمط من الركود يزيد من خطر حدوث دوامة انكماشية، حيث يؤدي تراجع الاستهلاك إلى تقليص أرباح الشركات، وبالتالي تخفيض الرواتب وزيادة البطالة.
مع تزايد الإشارات السلبية خلال الصيف الماضي، مثل ضعف مبيعات التجزئة وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، باتت أهداف الرئيس شي جينبينغ لعام 2035 بعيدة المنال. ورغم الرواية الرسمية المتفائلة التي تروجها الحكومة، فإن البيانات الاقتصادية السلبية تجعل من الصعب تجاهل الواقع القاتم.
يواجه الاقتصاد الصيني مستقبلاً غامضاً وسط تحديات داخلية وخارجية متزايدة. من ناحية، يتعين على بكين التعامل مع الأزمات المحلية مثل الركود العقاري وضعف الطلب الداخلي، ومن ناحية أخرى، يتعين عليها الاستعداد لمواجهة تداعيات السياسة الأميركية الناتجة عن عودة ترامب. ويبقى السؤال: هل ستنجح السياسات التحفيزية الجديدة في إعادة الصين إلى مسار النمو؟ وهل ستنجح في عقد صفقة مع إدارة ترامب لتجنب تأثر صادراتها أم أن البلاد ستظل عالقة في دوامة التحديات الاقتصادية؟