logo
اقتصاد

جولة جديدة من الحرب التجارية على الأبواب.. زر التشغيل بيد ترامب

جولة جديدة من الحرب التجارية على الأبواب.. زر التشغيل بيد ترامب
سيارات معدة للتصدير على رصيف في ميناء ليانيونغانغ، الصين، يوم 8 نوفمبر 2024المصدر: (أ ف ب)
تاريخ النشر:14 نوفمبر 2024, 02:00 م

بعد فوزه في الانتخابات الأميركية الأخيرة، لم يظفر دونالد ترامب بمفاتيح البيت الأبيض فحسب، بل أيضًا بمفاتيح اقتصاد الصين واقتصادات أخرى قائمة على التصدير. ويمكن للتعريفات الجمركية التي يراها الرئيس الأميركي المنتخب «أجمل كلمة في القاموس»، أن تؤثر بشكل سلبي في الاقتصاد العالمي ككل، وتكبح نموه.

لن تكون التعريفات الجمركية الأميركية نبأ سيئاً بالنسبة إلى الصين وحدها التي تتطلع إلى الخروج من تباطؤ «ما بعد كوفيد»، بل سيكون لها تأثير في تعافي الاقتصاد العالمي، باعتبار أن الصين هي المحرك الرئيس لنموه، إذ تشير التقديرات إلى أن الصين ستمثل وحدها نحو 21% من النشاط الاقتصادي الجديد في العالم بحلول عام 2029، أي ما يفوق مساهمة دول «مجموعة السبع» بأكملها والبالغة 20%، ويشكل نحو ضعف مساهمة الولايات المتحدة (12%)، وفقاً لحسابات «بلومبرغ» المستندة إلى توقعات «صندوق النقد الدولي».

وإلى جانب التداعيات المحتملة لبقية أجندة ترامب الاقتصادية، أشار «صندوق النقد» إلى أن مزيدًا من الرسوم الجمركية سيمحو 0.8% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في العام المقبل، و1.3% في عام 2026.

عجز تجاري مقلق لواشنطن

على مدى عقود، ظل الميزان التجاري الأميركي متوازناً، لكن العجز بدأ يتزايد خلال السنوات الماضية، ليسجّل مستوى قياسياً عند 945 مليار دولار في العام 2022، قبل أن ينخفض بشكل كبير إلى 784 مليار دولار في 2023. أما الجزء الأكبر من هذا العجز، فكان في التجارة مع الصين.

أخبار ذات صلة

الصين تتحضر لمواجهة سياسات ترامب الحمائية وحرب تجارية ثانية

الصين تتحضر لمواجهة سياسات ترامب الحمائية وحرب تجارية ثانية

بلغت تجارة الولايات المتحدة مع الصين -أو كما يُطلق عليها «مصنع العالم»- 575 مليار دولار خلال العام الماضي، وبعجز أميركي تجاوز 279 مليار دولار. هذا العجز الثقيل الذي يثير قلق واشنطن، كان أكثر وطأة بكثير، لكنّه تقلص على مدى السنوات الماضية من نحو 347 ملياراً العام 2016، بعد إعادة توجيه أحجام التجارة إلى دول أخرى، مثل: فيتنام، والمكسيك، وإندونيسيا، وتايوان، في أعقاب التعريفات الجمركية التي وضعتها إدارة ترامب الأولى موضع التنفيذ.

في ذلك الوقت، أُطلقت جولات عدة من الرسوم الجمركية على نحو 350 مليار دولار من المنتجات الصينية، فيما أبقى الرئيس جو بايدن على الجزء الأكبر من هذه الإجراءات، قائماً.

وإجمالاً، يُتوقع أن يسجل الفائض التجاري للصين رقماً قياسياً جديداً، خلال العام الجاري. وفقاً لحسابات «بلومبرغ»، سيصل الفارق بين الصادرات والواردات الصينية إلى ما يقرب من تريليون دولار، إذا استمر توسّع هذا الفارق بالوتيرة ذاتها التي كان عليها منذ بداية العام. وقد ارتفع فائض تجارة السلع الصينية إلى 785 مليار دولار، خلال الأشهر العشرة الأولى من 2024، ما يمثل زيادة بنحو 16% مقارنة بالعام 2023.

وتشير أحدث البيانات إلى أن الصين تصدّر، حالياً، سلعاً إلى ما يقرب من 170دولة أكثر مما تشتري منها. وارتفع فائضها التجاري مع الولايات المتحدة حتى الآن 4.4% مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، فيما زاد هذا الفائض مع الاتحاد الأوروبي 9.6%، ومع دول جنوب شرق آسيا نحو 36%.

تأثير أكبر على الاقتصاد الصيني

عملاق الخدمات المصرفية الاستثمارية الأميركي «غولدمان ساكس»، توقع في مذكرة حديثة أن ينمو ثاني أكبر اقتصاد في العالم خلال 2025 بمعدل 4.5%، وهي أبطأ وتيرة نمو له منذ 2020. كما رجّح أن تؤدي الجولة الجديدة من تعريفات ترامب، إلى تعطيل هذا الاقتصاد المدفوع بشكل رئيس بالتصدير.

ووفقاً لـ«غولدمان ساكس»، فإن تعريفات جمركية بنسبة 20% على المنتجات الصينية، يمكن أن تخفّض نمو اقتصاد الصين بما لا يقل عن 70 نقطة أساس أو 0.7%. لكن سقف تعريفات ترامب أعلى بكثير من هذا الرقم، إذ هدّد بفرض رسوم تصل إلى 60% على البضائع الصينية، ما ينذر بتأثير أكبر على أداء الاقتصاد الصيني الذي ينتج، حالياً، 17% من الصادرات العالمية، وفقاً لشركة الاستشارات الاقتصادية «تي إس لومبارد» (TS Lombard)، ومقرها في لندن.

كان اقتصاد الصين قد عانى في السنوات الأخيرة من معوقات استمرت لما بعد جائحة «كوفيد-19»، وأعلنت بكين عن سلسلة من التدابير لاستعادة الزخم الاقتصادي، بما في ذلك حزمة أخيرة بقيمة 1.4 تريليون دولار. غير أن الواقع الجديد الذي أفرزته نتائج الانتخابات الأميركية، ربما يفرض ضخ المزيد من قبل الحكومة التي تملك بالفعل موارد هائلة لتعزيز الاقتصاد الوطني.

أخبار ذات صلة

الصين وأوروبا.. رسمياً حرب «السيارات» تبدأ اليوم

الصين وأوروبا.. رسمياً حرب «السيارات» تبدأ اليوم

لقد جعلت إستراتيجية تعزيز البراعة الصناعية من الصين، المورد المهيمن لمنتجات، على رأسها السيارات الكهربائية وتكنولوجيات الطاقة النظيفة. وهذا يسمح للشركات الصينية بالوصول إلى الأسواق سريعة النمو، بغض النظر عن التعريفات الأميركية. فبينما فرضت أميركا وأوروبا تعريفاتهما الجمركية الخاصة على السيارات الكهربائية المصنوعة في الصين، سرّعت الأخيرة مساعيها لتوسيع مبيعاتها في مناطق أخرى، ولجأت إلى «الجنوب العالمي» لتعويض خسارة الحصة السوقية في أسواق دول الغرب.

أجراس إنذار في آسيا

إلا أن عودة ترامب كرئيس للولايات المتحدة، بدأت تثير مخاوف دول آسيوية أخرى، وفق ما أشار إليه «غولدمان ساكس». فإلى جانب التعريفات المخطّط لها تجاه الصين، تتضمن خطط التعريفات الجمركية للرئيس المنتخب، رسوماً شاملة تتراوح بين 10% و20% على جميع الواردات من الدول الأخرى، بعدما كان متوسط ​​التعريفة الجمركية التي تفرضها الولايات المتحدة على المنتجات الأجنبية عند 3.4%، بحسب بيانات منظمة التجارة العالمية، مع وجود بعض الفوارق، اعتماداً على بلد المنشأ، والمنتجات التي تخلق المزيد من المنافسة.

وقال أندرو تيلتون، كبير خبراء الاقتصاد لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في «غولدمان ساكس»، إنه «رغم انخفاض العجز التجاري للولايات المتحدة مع الصين بشكل طفيف خلال إدارة ترامب، فإن العجز مع المصدرين الآسيويين الآخرين سجّل زيادة كبيرة، وقد يواجه تدقيقاً متزايداً».

وأشار تيلتون إلى أن كوريا الجنوبية، وتايوان، وفيتنام، حققت مكاسب تجارية كبيرة مع الولايات المتحدة. على سبيل المثال، سجّلت كوريا الجنوبية فائضاً تجارياً قياسياً بلغ 44.4 مليار دولار في العام 2023، مدفوعاً بشكل أساس بصادرات السيارات. كما بلغت صادرات تايوان إلى الولايات المتحدة في الربع الأول من العام الجاري، أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 24.6 مليار دولار، بزيادة قدرها 57.9% مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، وذلك بدفع من أكبر نمو في صادرات تكنولوجيا المعلومات والمنتجات السمعية والبصرية. وقد برزت فيتنام أيضاً بشكل ملحوظ بفائض تجاري مع الولايات المتحدة بلغ 90 مليار دولار بين يناير وسبتمبر الماضيين.

لفت «غولدمان ساكس» أيضاً إلى أن تجارة الهند واليابان، إلى جانب دول آسيوية أخرى، مع الولايات المتحدة، تنطوي أيضاً على فوائض تجارية ليست في مصلحة الأخيرة.

وتوقع كبير خبراء الاقتصاد لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في «غولدمان ساكس»، أن يسعى هؤلاء الشركاء التجاريون الآسيويون إلى تحويل انتباه واشنطن، عبر إيجاد طرق لتقليل فوائضهم التجارية معها بتعديل الواردات من السوق الأميركية.

أوروبا في مرمى ترامب

بالنسبة إلى الدول الأوروبية ذات الاقتصادات القائمة على التصدير، وعلى رأسها ألمانيا صاحبة أكبر اقتصاد في المنطقة، فهي معرّضة بالمثل وبشكل كبير لقيود ترامب التجارية.

في هذه المعركة التي تلوح في الأفق، تبدو أوروبا ضعيفة للغاية. فقد تلقّت الولايات المتحدة نحو خُمس إجمالي صادرات الكتلة خلال العام الماضي، وفقاً لبيانات «يوروستات». وبقيمة تفوق 500 مليار يورو، كانت صادرات الاتحاد الأوروبي إلى أميركا أكبر بنسبة 30% من وارداتها منها.

وضع «صندوق النقد الدولي» توقعات حول التأثير المفترض للتعريفات الجمركية على منتجات الاتحاد الأوروبي، أشار فيها إلى أن تشديد السياسة التجارية سيقضم 0.4 نقطة مئوية من نمو الناتج المحلي الإجمالي للتكتل في العام 2025، و0.6 نقطة مئوية في العام 2026.

هل الشرق الأوسط بمنأى؟

رجحت شركة الأبحاث «كابيتال إيكونوميست» أن تكون منطقة الشرق الأوسط محصّنة من التأثير المباشر لخطة ترامب التجارية. وأوضحت أن حصة صادرات السلع من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المتجهة إلى الولايات المتحدة، تراجعت من أكثر من 11% في تسعينيات القرن الماضي، إلى 3.5% فقط خلال العقد الحالي، ومعظمها صادرات نفطية خارج نطاق حرب التعريفات الجمركية.

كما أشارت إلى أن الأردن الذي ذهب أكثر من خُمس صادراته من السلع إلى الولايات المتحدة في العام 2023، قد يكون أكثر عرضة لتقييد السياسات التجارية الأميركية.

لكن «كابيتال إيكونوميست» لفتت في المقابل إلى أن المنطقة قد تشهد تأثيرات من الجولة الثانية للحرب التجارية في حال أدت التعريفات الجمركية المفروضة على دول أخرى كالصين مثلاً، إلى إضعاف الطلب في اقتصاداتها، إذ قد يؤدي ذلك إلى انخفاض الطلب على الواردات من الشرق الأوسط.

تأثير مرتد.. وتكلفة يدفعها المستهلك

رغم التحولات التي شهدتها سلاسل التوريد الأميركية، إلا أنه لا يزال هناك حضور للمكونات الصينية داخلها، ما سيضع عراقيل أمام السياسات التجارية لترامب. ويتوقع «غولدمان ساكس» فرض ضغوط مستمرة لنقل مزيد من سلاسل التوريد من الصين إلى مناطق أخرى، مثل جنوب شرق آسيا أو الهند أو المكسيك التي بلغ العجز التجاري الأميركي معها مستوى قياسياً عند 152 مليار دولار في عام 2023.

يحاجج ترامب بأن التعريفات الجديدة، إلى جانب تعزيزها للصناعة المحلية، ستساعد في تمويل التخفيضات الضريبية التي تم الإعلان عنها خلال حملته الانتخابية، والتي ستضيف جنباً إلى جنب مع التوسع في الإنفاق، نحو 7.5 تريليون دولار إلى عجز الموازنة الأميركية. مع ذلك، تبرز التحذيرات من التأثير «المرتد» الذي يمكن أن يحدثه ذلك على الاقتصاد الأميركي، مع احتمال إحياء حرب تجارية لها عواقب لا يمكن التنبؤ بها، في وقت لن تقف دول آسيا وأوروبا موقف المتفرج، فضلاً عن الآثار التضخمية التي ستنجم عن تمرير الرسوم الجمركية إلى المستهلك النهائي.

وتشير تقديرات معهد «بيترسون للاقتصاد الدولي»، وهو مجموعة بحثية مقرها واشنطن، إلى أن ذهاب الجمهوريين بحرب التعريفات الجمركية إلى أقصى الحدود، قد يكلف كل أسرة أميركية ما متوسطه 2600 دولار سنوياً.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC