logo
مقالات الرأي

إبداعات بلا مؤلف.. كيف يتعامل القانون مع إنتاج الذكاء الاصطناعي؟

إبداعات بلا مؤلف.. كيف يتعامل القانون مع إنتاج الذكاء الاصطناعي؟
لافتة مكتوب عليها الذكاء الاصطناعي الآمن، خلال معرض الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة 2025 في أولمبيا، بريطانيا، 5 فبراير 2025. المصدر: رويترز
تاريخ النشر:11 فبراير 2025, 12:24 م

استخدام الذكاء الاصطناعي لمهام بسيطة كإعادة صياغة الرسائل الإلكترونية، وكتابة المنشورات، هو أمر بشكل عام قانوني، ولكن يجب مراعاة بعض الاعتبارات الأخلاقية.

فمثلاً يجب على المستخدمين الإفصاح عن استخدام الذكاء الاصطناعي كبيان للمصدر، كما يجب تجنب مشاركة المعلومات السرية، بالإضافة إلى الالتزام بالقوانين المعمول بها.

يوفر الذكاء الاصطناعي فرصاً كبيرة في مجال القانون، وفي مجال حقوق الملكية الفكرية على وجه الخصوص، إذ على سبيل المثال تُسْتَخْدَم أدوات الذكاء الاصطناعي المتقدمة للكشف عن انتهاكات حقوق الملكية الفكرية والعلامات التجارية وحقوق البث ومنعها، ما يضمن الالتزام بالقوانين وحماية الأعمال الإبداعية وحقوق الملكية الفكرية.

إلا أنه، وعلى الرغم من الفوائد العديدة له، يطرح الذكاء الاصطناعي أيضاً تحديات، إذ تقوم القوانين في دول العالم بإصدار تشريعات خاصة بالذكاء الاصطناعي مثل الاتحاد الأوروبي وقانون المبادرة الأميركية للذكاء الاصطناعي، وتلقي هذه القوانين الضوء على بعض التعقيدات القانونية المواجهة، وتحاول إيجاد الحلول لها، إلا أن مسائل رئيسة مثل الملكية، والاستخدام العادل، والمسؤولية لا تزال عالقة دون حل واضح لها.

أخبار ذات صلة

في ظل منافسة شرسة.. هل تستطيع أوروبا البقاء في سباق الذكاء الاصطناعي؟

في ظل منافسة شرسة.. هل تستطيع أوروبا البقاء في سباق الذكاء الاصطناعي؟

التحديات القانونية في الذكاء الاصطناعي

1. عائدية الملكية لمحتوى الذكاء الاصطناعي (Ownership)

السؤال الأساسي هنا: من يملك حقوق الأعمال الإبداعية التي يصنعها الذكاء الاصطناعي مثل الموسيقى والفن أو الاختراعات؟ لا تتبع الدول جميعها نهجاً واحداً لهذا السؤال، فمثلاً العديد من الدول مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا تشترط أن يكون هناك مبتكر بشري.

سُلِّط الضوء على هذا في قضية «ثالر ضد مفوض براءات الاختراع»، حيث ادعى ستيفن ثالر بأن نظامه للذكاء الاصطناعي، (DABUS)، يجب أن يُعترف به كمخترع، إلا أن المحاكم رفضت هذا الادعاء، مشيرة إلى أنه يجب أن يكون المبتكر بشرياً.

على النقيض من ذلك، أظهرت الصين مرونة أكثر، ففي قضية «شينزين ضد شنغهاي ينغشون»، حكمت المحكمة بأن المحتوى الذي يتم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون محمياً بحقوق الطبع والنشر إذا استوفى معايير الحماية.

وأكد القرار أن الإضافات البشرية، مثل تحديد المعايير أو اتخاذ القرارات الإبداعية، تشكل حق المؤلف، وعلى الرغم من أن العمل أُنْشِئ بمساعدة الذكاء الاصطناعي، إلا أنه كان لا يزال مؤهلاً للحصول على حقوق الطبع والنشر بموجب القانون الصيني.

2. الاستخدام العادل (Fair Use)

في سياق الذكاء الاصطناعي، يثار سؤال حول استخدام قاعدة بيانات لتدريب الذكاء الاصطناعي، هل يدخل ضمن الاستخدام العادل، أم أنه انتهاك لحقوق الملكية الفكرية؟ الإجابة هي: على حسب، مثال بارز على ذلك هو قضية «جمعية المؤلفين ضد غوغل»، حيث مسحت غوغل ملايين الكتب لإنشاء مكتبة قابلة للبحث، ما أدى إلى دعوى قضائية؛ بسبب انتهاك حقوق الطبع والنشر.

وحكمت المحكمة لصالح غوغل، قائلة إن المشروع كان تحويلياً وأفاد المجتمع، وتبرز هذه القضية صعوبة إيجاد المعيار الحقيقي للتمييز بين تشجيع الابتكار وحماية حقوق المبدعين.

3. مسؤولية إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي

لا تزال قضية تحديد المسؤول عن انتهاكات حقوق الملكية الفكرية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، سواء كان المطور أم المستخدم أم الذكاء الاصطناعي نفسه مثار جدل، وتتناولها البلدان بطرق مختلفة.

في الهند، أقامت قضية بارزة تتعلق بالممثل البوليوودي أنيل كابور سابقة لحماية حقوق المشاهير، إذ قاضى كابور 16 مدعى عليه، بما في ذلك المواقع الإلكترونية ومنصات الوسائط الاجتماعية والتطبيقات، لاستخدام صورته عبر الذكاء الاصطناعي دون إذن.

وأصدرت المحكمة أمراً لمسجلي النطاقات مثل GoDaddy.com وDynadot بحظر وتعليق النطاقات مثل Anilkapoor.com.

بالمقابل، تسلط قضية (Waymo) ضد شركة (Uber) في الولايات المتحدة الضوء على تعقيدات المسؤولية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، إذ اتهمت (Waymo) شركة (Uber) بإساءة استخدام أسرار تجارية في تكنولوجيا القيادة الذاتية، وسُوِّيَت القضية مقابل 245 مليون دولار.

أخبار ذات صلة

«ديب سيك» يعطي دفعة لشركات شرائح الذكاء الاصطناعي الصغيرة

«ديب سيك» يعطي دفعة لشركات شرائح الذكاء الاصطناعي الصغيرة

النقاشات العالمية وقيادة الإمارات

يعمل المجتمع العالمي لحقوق الملكية الفكرية بنشاط على معالجة التحديات التي يطرحها الذكاء الاصطناعي وتأثيره في قوانين الملكية الفكرية.

في العام الماضي، حضرت مؤتمر «أعمال الذكاء الاصطناعي» في نيويورك، واجتماع «إنتا السنوي 2024» في أتلانتا. إذ تناولت هذه الفعاليات قضايا رئيسة مثل قدرة الذكاء الاصطناعي على توليد بيانات غير دقيقة، والمخاوف الأخلاقية مثل التحيز في تزويد المعلومات وخصوصية البيانات، وأهمية الشفافية في عمليات الذكاء الاصطناعي.

مؤخراً، شاركت في «القمة العالمية للملكية الفكرية، الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا 2025» و «جوائز WIPF دبي 2025»، والتي أبرزت دور دبي المتنامي كمركز إقليمي للذكاء الاصطناعي.

وشملت المناقشات استراتيجيات الملكية الفكرية في عصر التحول التكنولوجي، وفرص عقود التراخيص في الأسواق الناشئة، واستخدام الوساطة والتحكيم في المنازعات المتعلقة بالملكية الفكرية الخاصة بالذكاء الاصطناعي.

ومع ذلك، كانت هذه الفعاليات تفتقر إلى تركيز محدد على القضايا القانونية وحقوق الملكية الفكرية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي.

إذ لم تكن قد بدأت تحدث بالفعل، أتوقع أن تشهد المحاكم الإماراتية قريباً قضايا تتعلق بنزاعات الملكية الفكرية في الذكاء الاصطناعي، نظراً لريادة دولة الإمارات في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة، إذ إن التزام الدولة بتطوير الذكاء الاصطناعي يتجلى في مبادرات مثل استثمار مايكروسوفت بمبلغ 1.5 مليار دولار في G42، ما يعزز التقدم في قطاعات مثل الرعاية الصحية والتعليم والطاقة.

ومع الأهداف الطموحة للنمو الاقتصادي بحلول 2031، تقوم الإمارات بدمج الذكاء الاصطناعي في الصناعات الرئيسة لتعزيز الاستدامة والابتكار.

 وجدير بالذكر أن ميثاق دولة الإمارات لتطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي، الذي صدر في 10 يونيو 2024، يوضح رؤية الدولة لتصبح مركزاً عالمياً للابتكار في الذكاء الاصطناعي.

الميثاق يركز على تطوير الذكاء الاصطناعي بشكل أخلاقي ومسؤول وشامل، بما يتماشى مع استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي من خلال التأكيد على استعداد البنية التحتية، والثقة العامة، والامتثال للمعايير المتعلقة بالسلامة والخصوصية والقوانين.

بينما لا يتناول الميثاق بشكل محدد قضايا الملكية الفكرية، تنص المادة 12 منه على ما يلي: «الالتزام بالمعاهدات والقوانين المعمول بها» أهمية الالتزام بالمعاهدات الدولية والقوانين المحلية في تطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي.

في رأيي، ستشكل هذه المادة أساساً لحل النزاعات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي في الإمارات، إذ غالباً ما تعتمد هذه القضايا على القوانين المحلية مثل قوانين العلامات التجارية وحقوق المؤلف، والقانون التجاري، ومبادئ المنافسة غير المشروعة من القانون المدني والتجاري، بالإضافة إلى اتفاقية باريس التي اعتمدتها الإمارات من خلال المرسوم الاتحادي رقم 20 لعام 1996.

الإجراءات الاحترازية في قضايا الملكية الفكرية

كما وُضِّح أعلاه، تظل نزاعات الملكية الفكرية والذكاء الاصطناعي معقدة وغير واضحة، ما يجعل من الضروري تبني استراتيجيات استباقية واحترازية للتعامل مع هذه التحديات بفعالية، ويُنصح الحكومات والشركات والأفراد باتخاذ الخطوات التالية:

1. تسجيل حقوق الملكية الفكرية: تسجيل حقوق الطبع والنشر والعلامات التجارية وبراءات الاختراع رسمياً لضمان الحماية.

2. استخدام أدوات كشف الذكاء الاصطناعي: استخدام منصات مثل Content ID (لـ YouTube) أو أدوات التعرف على الصور للكشف عن الاستخدام غير المصرح به للملكية الفكرية.

3. تثقيف أصحاب الشأن: رفع الوعي بين الموظفين والمبدعين والمتعاونين حول حقوق الملكية الفكرية وآليات التنفيذ لتعزيز الامتثال والابتكار.

4. متابعة التحديثات القانونية: مراقبة التغييرات في القوانين واللوائح المتعلقة بالأعمال التي تُنْشَأ باستخدام الذكاء الاصطناعي، مع التركيز على الملكية والمسؤولية والانتهاكات.

5. تشجيع القيام بإصدار تراخيص: إنشاء أنظمة ترخيص لتدريب الذكاء الاصطناعي على المواد المحمية بحقوق الطبع والنشر لتحقيق توازن بين الابتكار وحقوق المبدعين.

6. ضمان الشفافية: تشجيع الشركات على الإفصاح عن مصادر البيانات وطرق تدريب الذكاء الاصطناعي لتقليل مخاطر الانتهاك.

يقدم الذكاء الاصطناعي فرصاً كبيرة للابتكار، ولكن طبيعته المعقدة والمتغيرة تخلق تحديات لخبراء الملكية الفكرية والمشرعين لإدارة هذه التحديات، من المهم متابعة التحديثات، واتخاذ خطوات استباقية، والعمل معاً عبر الصناعات المختلفة.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
تحميل تطبيق الهاتف
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC