logo
عقارات

الإيجار بـ800 دولار والراتب 20 فقط.. من يستطيع العيش في دمشق؟

الإيجار بـ800 دولار والراتب 20 فقط.. من يستطيع العيش في دمشق؟
يبيع البالونات في أحد شوارع حي جرمانا دمشق - سوريا يوم 4 مارس 2025المصدر: رويترز
تاريخ النشر:18 أبريل 2025, 03:21 ص

تشهد العاصمة السورية دمشق واحدة من أعنف موجات الغلاء في سوق الإيجارات منذ سنوات، حيث تحوّلت أزمة السكن إلى كابوس يثقل كاهل السكان، وتدفع بكثير من العائلات إلى خيارات غير منطقية للهروب من الإيجارات الباهظة.

وتحوّلت منصات التواصل الاجتماعي إلى ساحة شكوى مفتوحة، معبّرة عن حجم الاستياء الشعبي المتزايد في ظل صمت رسمي مطبق.

تفاوت الأسعار بين أحياء دمشق واضح، لكن المشترك الوحيد بينها هو التصاعد المستمر. ففي المناطق الشعبية لم يعد بالإمكان العثور على منزل للإيجار بأقل من 1000 إلى 2000 دولار سنوياً، وهو رقم مرتفع جداً بالنسبة لذوي الدخل المحدود، حيث لا يناهز متوسط دخل الموظفين الحكوميين 20 دولاراً شهرياً «120 دولاراً في العام»، ما يجعل استئجار منزل بسيط في العاصمة أقرب إلى رفاهية يصعب بلوغها بالنسبة لغالبية السكان.

أما في الأحياء الراقية مثل المالكي، وأبو رمانة، والمزة، فالوضع أكثر حدة، إذ تتجاوز الإيجارات هناك حاجز 400 إلى 500 دولار شهرياً، ما يعادل نحو 6000 دولار سنوياً، بحسب ما أفاد المدير التنفيذي لشركة «عقار برايم» عبد الرحمن الطقش، في تصريحات خاصة لـ«إرم بزنس».

لكنّ هذا لا يمثل السقف الأعلى، إذ تشير تقديرات نقلتها مواقع إخبارية محلية إلى أن بعض الإيجارات في الأحياء الأكثر فخامة داخل دمشق وصلت إلى 100 مليون ليرة سورية سنوياً، تعادل نحو 10 آلاف دولار، تُدفع مقدماً، يضاف إليها عمولة شهر كامل لصالح السمسار، وتأمين قد يصل أيضاً إلى 10 آلاف دولار في بعض الحالات.

أخبار ذات صلة

الدعم العربي للطاقة في سوريا.. هل يكفي لتلبية احتياجاتها الفورية؟

الدعم العربي للطاقة في سوريا.. هل يكفي لتلبية احتياجاتها الفورية؟

فوضى بلا سقف

هذا التفاوت الصارخ في الأسعار لا يعكس فقط الفجوة بين الأحياء، بل يكشف أيضاً غياب أي إطار قانوني أو تنظيمي يضبط حركة سوق الإيجارات.

وفي حديث خاص لـ«إرم بزنس»، قال الخبير الاقتصادي السوري محمود الطرن، إن سوق الإيجارات في دمشق لا يخضع لأي قواعد أو ضوابط، والأسعار متباينة بطريقة غير منطقية بين الأحياء، فمعظم الملاك يطلبون إيجار سنة مسبقاً لعدم الثقة بالقدرة على سداد الأقساط، ولا يمكن التنبؤ بالقدرة على ضبط السوق أو سن قوانين ناظمة جديدة، ما لا ينبئ بتوقف الفوضى والتذبذب قريباً.

تصريحات الطرن تنسجم مع واقع يعيشه السكان يومياً، حيث تتحوّل عملية البحث عن سكن إلى رحلة محفوفة بالقلق، تبدأ من تصفح العروض الشحيحة، وتنتهي غالباً بقبول خيارات لا تتناسب مع أي من المعايير المعيشية.

فالعائلات الصغيرة باتت تكتفي بغرفتين في أحياء بعيدة تفتقر إلى البنى التحتية والخدمات، بينما تلجأ بعض الأسر إلى تقاسم شقة واحدة مع عائلة أخرى لتخفيف العبء المالي.

وفي حين تفتقد السوق لأي تسعير منطقي أو مرجعية واضحة، تستمر الإيجارات بالصعود، مدفوعة بعوامل عدة، من بينها قلة العرض مقابل الطلب المرتفع، لا سيما مع عودة بعض العائلات من الخارج، واحتكار شريحة صغيرة من المستثمرين العقاريين لمعظم الشقق الفارغة.

كما أن الظروف الاقتصادية السيئة دفعت أصحاب العقارات لربط الإيجار بالدولار أو باشتراطات مسبقة، خشية من فقدان قيمة الليرة السورية المتدهورة.

تجارب الجيران

تتضح الصورة بشكل أكبر عندما نقارن سوق الإيجارات في دمشق مع ما يحدث في دول قريبة مثل لبنان، التي شهدت تحديات مماثلة على مدار السنوات الأخيرة.

ففي لبنان، أُطلقت بعض المبادرات من أجل تنظيم سوق الإيجارات، أبرزها إعادة تأهيل القطاعات السكنية القديمة وإعادة تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر عبر فرض قواعد واضحة تحكم أسعار الإيجارات، وتحمي حقوق الطرفين.

تجربة لبنان يمكن أن تُقدّم بعض الحلول المحتملة لسوريا في حال وجود إرادة حقيقية للتغيير.

في هذا السياق، يرى الكثير من الخبراء أن أفضل الحلول لسوق الإيجارات في دمشق تتمثل في إعادة فرض بعض الضوابط على الأسعار عبر وضع سقوف لإيجارات المنازل وتحديد نسب زيادات سنوية، إضافة إلى تشجيع الاستثمار في قطاع الإسكان عبر تقديم حوافز للمستثمرين الذين يلتزمون بتأجير الشقق بأسعار معقولة.

أخبار ذات صلة

هل تبدأ السعودية فك العزلة المالية عن سوريا؟

هل تبدأ السعودية فك العزلة المالية عن سوريا؟

منازل لأثرياء الخارج 

في ظل هذا الواقع، يبدو أن سوق الإيجارات في دمشق لم يعد يستهدف المواطن السوري، بل فئة ضيقة من المستأجرين القادرين على الدفع بالدولار، سواء كانوا موظفين في منظمات أجنبية، أم متعاقدين مع شركات خاصة، أم من العائدين من الخارج والمغتربين.

أما المواطن الذي يعتمد على راتبه المحلي، فليس أمامه سوى خيارات هامشية، لا تتعدى السكن في ضواحي المدينة، أو اللجوء إلى «سكن مشترك» مع أقرباء أو أصدقاء.

ويلاحظ العاملون في القطاع العقاري أن عدداً من الشقق التي تُعرض للإيجار تبقى شاغرة لشهور طويلة بسبب الشروط التعجيزية، ما يفاقم شعور الغبن في الأوساط الشعبية التي ترى أن السكن أصبح امتيازاً طبقياً بامتياز، وليس حقاً أساسياً.

من جهة أخرى، تغيب أي مؤشرات رسمية على نية السلطات في التدخل، سواء عبر وضع تسعيرة عادلة، أم طرح مشاريع إسكان بديلة، أم حتى تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر.

وفي ظل هذا التجاهل، تتسع الفجوة يوماً بعد يوم بين واقع المعيشة والدخل، دون أي أفق لحل قريب.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
تحميل تطبيق الهاتف
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC