تخطط السعودية لسداد ديون سوريا لدى البنك الدولي والتي تقدر بـ15 مليون دولار، وفقا لتقرير وكالة رويترز للأنباء.
ويعود هذا الدين إلى قروض تنموية قدمها البنك الدولي لسوريا قبل عام 2011، أي قبل اندلاع الحرب وتجميد علاقة سوريا مع المؤسسات المالية الدولية وفقا لبيانات البنك الدولي.
تعود هذه الديون إلى قروض تنموية ميسّرة كان البنك الدولي قدّمها للحكومة السورية قبل اندلاع الحرب، وذلك لتمويل مشاريع في البنية التحتية والخدمات العامة.
وبحسب بيانات البنك، فإن مبلغ الدين صغير نسبياً، لكنه ظل يُمثّل متأخرات تعيق أي تعاون مالي جديد بين البنك وسوريا.
وتشير تحليلات اقتصادية إلى أن هذه القروض كانت تستهدف تحسين جودة الحياة للمواطن السوري، ومُنِحَت بشروط تفضيلية، نظراً لكون سوريا حينها مصنفة ضمن الدول ذات الدخل المتوسط.
أوضح رئيس مركز قاضي للاستشارات الاقتصادية أسامة القاضي، في تصريحات خاصة لـ إرم بزنس أن سوريا لا تُعتبر مدينة رسميا سوى للبنك الدولي، ولا تعترف بأي التزامات مالية تجاه إيران.
وأوضح أن سوريا لا تنطبق عليها اتفاقية فيينا لعام 1983 الخاصة بخلافة الدول في الالتزامات الدولية، باعتبار أن المرحلة الانتقالية الحالية جاءت بعد فراغ سياسي حقيقي، وأن الحكومة الجديدة «لم تستلم دولة متكاملة، بل تعيد اليوم تأسيس الوزارات والمؤسسات من الصفر».
قال رئيس البنك الدولي السابق ديفيد مالباس، في اجتماع لمجموعة العشرين، إن البنك يناقش إعادة هيكلة ديون دول متعثرة من بينها سوريا، وأنه لا يمكن منح قروض أو معونات لتلك الدول دون حل مشكلة المتأخرات.
هذا التصريح يوحي بأن سداد المتأخرات قد يعقبه عمليات دعم أوسع، سواء عبر إعادة جدولة ديون أخرى على سوريا أو تقديم تسهيلات تمويلية جديدة.
وأوضح القاضي أن هذه الخطوة ستُفهم في واشنطن كـمؤشر إيجابي نحو رفع العقوبات الاقتصادية الأميركية عن سوريا، خصوصا أن المنح المقدّمة من البنك الدولي لم تكن لتُمرر لولا وجود إرادة أميركية.
وأضاف أن هذا التحرك يمهد الطريق لعودة سوريا إلى المنظومة التجارية والمصرفية العالمية، أي إلى منظومة «سويفت» للتحويلات المالية، مؤكدا أن أحد أبرز العوائق أمام إعادة دمج سوريا ماليا هو العقوبات المفروضة على مصرفها المركزي، والتي أدّت إلى خروجه من نظام «سويفت».
وكشف أنه كان اقترح سابقا على الحكومة الجديدة العمل على إقناع الأوروبيين بضم سوريا إلى منظومة «سيبا» الأوروبية، على نحو مؤقت، بحيث تتم التحويلات باليورو عبر أوروبا بدلا من الدولار.
وأوضح أن ذلك ممكن إذا وافق الأوروبيون، وخصوصا الألمان والفرنسيين؛ ما قد يسهم في فتح قنوات تحويل مالية جديدة تتيح لسوريا فتح بنوك أوروبية تتعامل باليورو إلى حين رفع العقوبات الأميركية بشكل كامل، لتصبح سوريا جزءا من نظامَي «سويفت» و«سيبا» معاً.
قد يفتح سداد السعودية للديون نيابة عن سوريا، الباب أمام دخول مساعدات ومنح جديدة، ويخفف الضغط على البنك المركزي السوري الذي لن يضطر لاستخدام احتياطاته المحدودة لتسوية هذا الملف.
لكن الأثر الحقيقي، بحسب الخبير الاقتصادي أسامة القاضي، يكمن في كون هذه الخطوة قد تعيد الثقة تدريجيا بالمناخ الاستثماري في سوريا، وتشكّل إشارة أولى لانفتاح مالي أوسع.
فمع دخول الاستثمارات وتحريك عجلة الاقتصاد، سيصبح بالإمكان تحديد «السعر العادل» لليرة السورية، وهو أمر لا يمكن تحقيقه حاليا بسبب غياب التدفقات المالية الكبيرة وانكماش السوق.
ويقدّر القاضي أن السعر العادل لليرة قد يتراوح، في حال دوران عجلة الاقتصاد، ما بين 5000 - 6000 ليرة مقابل الدولار الواحد، وهو ما قد يفتح المجال لاحقاً لإجراءات نقدية أوسع مثل إلغاء صفر أو صفرين من العملة، شرط توفر بيئة اقتصادية مستقرة وتخفيف العقوبات الدولية.
توقّع القاضي أن تكون زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المرتقبة إلى السعودية فرصة لطلب واضح من الرياض برفع العقوبات الأميركية عن سوريا بشكل كامل، بما يسمح بعودة الشركات العربية والدولية للاستثمار، وإنهاء حالة الحصار الاقتصادي المفروض، ودفع عجلة الاستقرار في المنطقة، بما في ذلك تأمين عودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى بلادهم بأسرع وقت.
لا يُمكن اعتبار هذه الخطوة معزولة؛ إذ تبيّن المؤشرات أنها قد تكون مقدمة لبرنامج تمويل أوسع.
بحسب تقارير إعلامية، بدأ النقاش فعليا حول منح جديدة لدعم البنى التحتية السورية ورواتب القطاع العام.
كذلك، كانت قطر طرحت مبادرة لتزويد سوريا بالغاز وتمويل الرواتب، لكن تنفيذها أُجّل بسبب قيود العقوبات.
ووفقا لمصادر في البنك الدولي، فإن تسوية المتأخرات تفتح الطريق قانونيا لإطلاق برامج دعم مباشر لسوريا، تشمل مشاريع في الكهرباء والصحة والمياه.
من الناحية الإجرائية، لا يمكن للبنك الدولي تنفيذ أي مشروع داخل دولة عليها متأخرات.
ومن ثم، فإن سداد هذا الدين يفتح الباب أمام البنك للعودة رسميا إلى سوريا للمرة الأولى منذ عام 2011.
وأجرى وفد تقني من البنك زيارة إلى دمشق مؤخرا، والتقى بوزير المالية؛ ما يعزز التكهنات بقرب تفعيل برامج دعم جديدة.
ووفقا لتحليلات نشرتها (Syrian Observer)، فإن البنك الدولي أعد مسبقا خططا لدعم مشاريع البنية التحتية الأساسية، وقد يستعين بصناديق مخصصة للدول الخارجة من النزاعات لتمويل هذه المشاريع.