وزارة للذكاء الاصطناعي.. هذا أكثر ما كان لافتاً في الحكومة اللبنانية الجديدة التي أبصرت النور السبت بعد مخاض طويل، خصوصاً أن لبنان المنهك اقتصادياً بسبب الحرب والأزمات المتتالية يفتقر إلى أبسط البنى التحتية الموجودة في الدول المتقدمة. أما الهدف من الوزارة الجديدة، فهو تحويل لبنان من مجرد مستهلك للتكنولوجيا إلى فاعل رئيس في هذا المجال بحسب ما قاله لـ«إرم بزنس» الوزير المكلف بهذه الحقيبة، كمال شحادة.
شحادة الذي تولى أيضاً وزارة المهجرين ضمن حكومة نواف سلام التي تتألف من 24 وزيراً، قال إن وزارة الذكاء الاصطناعي سيناط بها كل ما يتعلق بهذا المجال وبالتكنولوجيا عموماً، وجذب وتشجيع الاستثمارات، من دون أن يشمل ذلك الحكومة الإلكترونية، باعتبار أن هذه الأخيرة «تعد من مهام وزارة الإصلاح الإداري» على حد قول الوزير.
ومع كل الأهداف الطموحة، تظل الأسئلة مفتوحة حول قدرة الوزارة الجديدة على مواجهة التحديات البيروقراطية والمشكلات الهيكلية العميقة التي تعوق تقدم لبنان في هذا المسار.
شحادة أكد أن الوزارة ستعمل على رفع قدرات لبنان في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، من خلال الاستفادة من خبرات الدول العربية، كالإمارات والسعودية، إضافة إلى تدريب الكوادر المؤهلة، وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص، وهو ما قد يساهم في تسريع تحول لبنان الرقمي.
وفيما يخص استراتيجية التحول الرقمي في الحكومة السابقة، أفاد شحادة بأن مستوى الإنجاز كان «جيّداً»، إلا أن الأولوية ستكون الآن لتسريع هذه الإنجازات عبر شراكات استراتيجية مبنية على القدرات والخبرات في العمل المشترك مع الدول العربية والصديقة.
هذه الإشارة تعكس رغبة لبنان في تعزيز كفاءاته المحلية مع الاستفادة من تجارب الآخرين، ما يمكن أن يساهم في تقليص الفجوات الرقمية التي يعاني منها.
لكن هذه القدرة تحتاج إلى دعم من استثمارات جديدة، لا سيما في حل بعض الإشكاليات الأساسية مثل ملف الكهرباء اللبناني الذي يعد من أكبر المعوقات الحالية. في هذا السياق، يعتبر تحسين البنية التحتية للطاقة جزءاً أساسياً من أي خطة للتحول الرقمي، حيث إن استقرار الكهرباء يعد ركيزة أساسية لإنجاح أي تحول تقني.
تعود الرحلة الطموحة لتأسيس البنية التحتية الرقمية العامة في لبنان إلى عام 2022 عندما أطلق مكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية اللبناني في ذلك الوقت، استراتيجية التحول الرقمي للبنان 2020-2023، وأقرها مجلس الوزراء اللبناني بهدف تسهيل المعاملات بين الأفراد والحكومة والحد من الفساد. بالرغم من التحديات التي تواجه التنفيذ، تبقى هذه الاستراتيجية بمثابة خارطة الطريق التي تُوجه جهود الحكومة في هذا المجال.
ومع أن الاستراتيجية ركزت على ضرورة توثيق الهوية الرقمية والتوقيع الإلكتروني، إلا أن هناك العديد من العقبات التي قد تؤثر في تنفيذها على أرض الواقع، مثل تبدل الاستراتيجيات مع التغيرات الحكومية، وهو ما يخلق حالة من عدم الاستقرار في تنفيذ المشاريع الرقمية. كما أن ضعف الحوكمة وتعديل القوانين بشكل بطيء يشكلان تهديدًا حقيقيًا لتحقق نتائج ملموسة في التحول الرقمي.
من أبرز الصعوبات التي تناولتها الاستراتيجية هي الحوكمة الضعيفة، النقص في المهارات الرقمية، فضلاً عن القوانين المتقادمة. ولكن ما يثير القلق بشكل خاص هو العجز عن سن القوانين الفعالة في الوقت المناسب، وهو ما قد يعوق تطوير بيئة رقمية متكاملة في لبنان. هذه التحديات تفرض ضرورة تحديث البنية القانونية والتنظيمية لتواكب متطلبات العصر الرقمي.
إن استثمار لبنان في التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي لن يساهم فقط في تحسين الخدمات الحكومية، بل قد يفتح أبواباً جديدة للنمو الاقتصادي، ويعزز مكانة لبنان كداعم للابتكار في منطقة الشرق الأوسط.
وفي الختام، إذا استطاع لبنان تجاوز التحديات المتعلقة بالبنية التحتية والسياسات، فإنه سيحظى بفرصة ليتصدر المنطقة في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية، مما يعزز من دوره الإقليمي والدولي، ويمنح الدولة فرصة لإعادة بناء مكانتها الاقتصادية من خلال الابتكار التقني.