تقود الابتكارات التكنولوجية المتسارعة تحولاً غير مسبوق في أساليب التعليم وتنمية القدرات. من بين هذه الابتكارات التي استحوذت على اهتمام كبير في السنوات الأخيرة ما يُعرف بـ«الواقع الافتراضي» (Virtual Reality) أو (VR)، والذي لم يعد مجرد أداة للترفيه، بل تحوّل إلى بوابة لتعليم مبتكر وشامل، بغض النظر عمّا يُثار حوله بشأن التكلفة والوصول العادل.
قدّرت شركة «تكنافيو» (Technavio) العالمية لأبحاث السوق، ومقرها في لندن، نمو سوق الواقع الافتراضي في قطاع التعليم، خصوصاً تطبيقات الواقع الافتراضي في التعليم العالي، بـ67.6% خلال عام 2024، كما توقعت أن ينمو حجمه بواقع 47.3 مليار دولار بين 2023 و2028، أي بمعدل نمو مركب يصل إلى 84.3%. وبدورها توقعت شركة الأبحاث الأميركية «غارتنر» (Gartner) أن تستخدم 70% من المدارس في الاقتصادات المتقدمة، تقنيات الواقع الافتراضي بحلول عام 2030. هذه التقنية تتيح للطلاب استكشاف مواضيع معقدة، مثل التاريخ أو العلوم، بطرق تفاعلية. على سبيل المثال، يمكن للطالب زيارة مصر القديمة افتراضياً، أو محاكاة تجارب كيميائية دون مخاطر. لكن الفوائد لا تقتصر على المدارس. ففي مجال التدريب المهني، تُظهر دراسة لشركة الاستشارات العالمية «برايس ووترهاوس كوبرز» (PwC) أن التدريب باستخدام الواقع الافتراضي يمكن أن يكون أسرع بأربع مرات من التدريب التقليدي. لذلك، نرى أن العديد من الشركات تستخدم الواقع الافتراضي للتدريب المهني في الطب والهندسة؛ إذ يساعدها على توفير سيناريوهات واقعية للمتدربين، تعزز الكفاءة وتقلل الأخطاء.
يُحدث الواقع الافتراضي ثورة في التعليم عن بُعد، خصوصا في المناطق النائية. ففي دول مثل الهند وجنوب إفريقيا، حيث يصعب الوصول إلى معلمين مؤهلين، تتزايد فوائد الواقع الافتراضي في التعليم عن بعد عبر إتاحته دروساً غامرة بتكلفة أقل من بناء مدارس تقليدية. لكن التكاليف الأولية للأجهزة والبرمجيات تظل عائقاً؛ إذ يُشير تقرير «غارتنر» إلى أن 60% من الدول النامية تفتقر إلى البنية التحتية اللازمة.
علاوة على ذلك، يُثير الاستخدام المطول للواقع الافتراضي مخاوف صحية، مثل إجهاد العين أو الإدمان الرقمي لدى الأطفال. هذه التحديات تتطلب سياسات واضحة لضمان الاستخدام الآمن والمتوازن.
قد يُؤدي الواقع الافتراضي إلى تفاقم عدم المساواة إذا لم يُدر بحكمة. فالطلاب في المدن الكبرى أو الدول الغنية سيحصلون على تجارب تعليمية متطورة، بينما قد يُحرم آخرون في المناطق الريفية من هذه الفرص. كذلك، قد تُفضل الشركات توظيف من تلقوا تدريباً متقدماً عبر الواقع الافتراضي؛ ما يحدّ من فرص العاملين غير المؤهلين. ولمعالجة هذه المشكلة، يُوصي الخبراء بإنشاء مبادرات تمويل لتوزيع أجهزة الواقع الافتراضي في المدارس الفقيرة، مع برامج تدريب للمعلمين على استخدام التقنية بفعالية.
من دون أدنى شك، بات الواقع الافتراضي ركيزة أساسية في مستقبل التعليم، بما يقدّمه من تجارب غامرة وتدريب عملي فعّال. لكن، لضمان استفادة شاملة، لا بد من تدخلات ذكية تعالج التكاليف، والبنية التحتية، والفجوة الرقمية. للاستفادة من إمكانات الواقع الافتراضي، ويجب على الحكومات الاستثمار في البنية التحتية الرقمية ودعم الشراكات مع شركات التكنولوجيا. وفي هذا الإطار، يُبرز تقرير «غارتنر» أهمية وضع معايير أخلاقية للحد من المخاطر الصحية وتعزيز الوصول العادل، كما أن هناك من يقترح إنشاء منصات مفتوحة، توفر محتوى تعليميا مجانيا بالواقع الافتراضي.