يقضي معظم قادة الأعمال حياتهم دون التسبب أو التدخل في أي حادثة على المستوى الدولي، أما إيلون ماسك فقد فعلها مرتين هذا الشهر.
أولاً، أثار حفيظة أوكرانيا بسبب ما كشف عنه كتاب السيرة الذاتية لوالتر إيزاكسون عن رفضه تفعيل خدمة ستارلينك الفضائية فوق شبه جزيرة القرم، وبالتالي إحباط هجوم أوكراني على البحرية الروسية.
وبعد أيام، انتقدته تايوان لقوله إن الصين تنظر إلى الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي بنفس الطريقة التي تنظر بها الولايات المتحدة إلى هاواي، وقالت وزارة خارجيتها على حساب "إكس" المملوك لإيلون ماسك نفسه، والمعروف سابقاً باسم "تويتر" : "تايوان ليست جزءاً من جمهورية الصين الشعبية، وبالتأكيد ليست للبيع!".
كانت تلك مجرد أمثلة قليلة من البنود المدرجة على جدول أعمال ماسك الدبلوماسي هذا الشهر، والتي تضمنت اجتماعات مع قادة إسرائيل وتركيا والمجر.
نفوذ ماسك ونظرة أميركا
يشكل نفوذ ماسك الدولي مشكلة مثيرة للاهتمام بالنسبة للولايات المتحدة، ففي عالم تعتمد فيه القيادة الجيوسياسية بشكل متزايد على التكنولوجيا، يجب أن يكون ماسك أحد أهم الأصول التي تمتلكها الولايات المتحدة، ومع ذلك فهو ممثل مستقل بحكم الأمر الواقع.
لا شك أن التجارة اختلطت بالحنكة السياسة لعدة قرون. في القرن الثامن عشر، أصبحت شركة الهند الشرقية دولة في حد ذاتها، تستعمر الهند سعياً وراء الربح. قال روبرت كلايف الذي كان يقود القوات في رسالة إلى البرلمان البريطاني «كان الأمير العظيم يشرف على إسعادي، مدينة فخمة تقع تحت رحمتي".
وبالقرب من الوطن، دفع ويليام راندولف هيرست الولايات المتحدة إلى الحرب مع إسبانيا جزئياً لبيع الصحف. وحاول هنري فورد، الانعزالي المتحمس، إبعاد الولايات المتحدة عن الحربين العالميتين. وفي عام 1940، استخدم فورد حق النقض ضد عقد لبناء محركات للطائرات المقاتلة التي كانت بريطانيا بحاجة إليها لمحاربة ألمانيا النازية.
وخلال الحرب الباردة، استخدم أرماند هامر مكانته في شركة أوكسيدنتال بتروليوم لتحقيق الانفراج بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة. واستخدم جورج سوروس الثروة المكتسبة من المراهنة ضد عملات بعض البلدان للضغط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في بلدان أخرى.
نقطة القوة
ولا يدين ماسك بنفوذه بسبب النفط أو رأس المال أو الجيوش الخاصة، بل للتكنولوجيات الحيوية وقدرتها التنافسية الاقتصادية والأمن القومي وتأثيرها بالرأي العام.
تعتمد وكالة ناسا والبنتاغون بشكل كبير على شركة سبيس إكس المملوكة لماسك للوصول إلى الفضاء. وكما لاحظ غريغوري ألين من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، فإن سبيس إكس ليست مثل مقاول دفاع تقليدي يعتمد بشكل كامل تقريباً على المبيعات التي توافق عليها الحكومة الأميركية، مما يعني أن ماسك يشعر بالتزام أقل لمواءمة وجهات نظره مع آراء واشنطن.
وبعد أن قامت روسيا بتعطيل خدمة الأقمار الصناعية الأخرى لأوكرانيا في الساعات الأولى من غزوها في فبراير 2022، ينسب الأوكرانيون الفضل إلى توفير ماسك لمحطات ستارلينك في استعادة الاتصال في ساحة المعركة ومساعدة أوكرانيا على تجنب الهزيمة. (قال ماسك إن ستارلينك لم يتم تفعيله فوق شبه جزيرة القرم، لتجنب "التواطؤ الصريح في عمل كبير من أعمال الحرب وتصعيد الصراع").
تسلا والصين
تسلا ليست الشركة المصنعة الوحيدة للسيارات الكهربائية في العالم، لكنها الأكثر تقدماً وشهرة. من المفهوم أن يرى القادة الوطنيون أن استضافة مصنع تسلا يوفر موطئ قدم لمستقبل الصناعة. ولهذا السبب سمحت الصين لها بافتتاح شركة فرعية مملوكة لها بالكامل، وهي الأولى من نوعها لشركة تصنيع سيارات أجنبية، في شنغهاي في عام 2019، مراهنة بشكل صحيح على أن وجود تسلا من شأنه أن ينشط العلامات التجارية المحلية. ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن هناك محادثات بين تسلا والسعودية بشأن الاستثمار أيضاً، لكن وصف ماسك التقرير بأنه غير صحيح.
أخيراً، في حين أثبت استحواذ ماسك على منصة "إكس" أنه مخفف للغاية من الناحية المالية، فقد كان تراكمياً على المستوى السياسي، مما منحه حق القول في تحديد من يتم الاستماع إليه، أو تضخيمه، أو حظره على منصة التواصل الاجتماعي الأكثر نفوذاً في العالم.
الولايات المتحدة وحدها هي القادرة على إنتاج رجل أعمال مثل ماسك، الذي هاجر من جنوب أفريقيا إلى كندا عندما كان مراهقاً ثم إلى الولايات المتحدة. وقال ماسك لإيزاكسون: "إن الولايات المتحدة هي حرفياً خلاصة روح الاستكشاف الإنسانية".
وربما فقط في الولايات المتحدة يستطيع أن يتمتع بهذا القدر من الاستقلال السياسي. إن ماسك في صراع مستمر تقريباً مع الدولة، بدءاً من لجنة التجارة الفيدرالية وحتى وزارة العدل. وفي الصين أو روسيا، حيث تتدفق السلطة من رجل واحد، فإن ذلك من شأنه أن يكلفك عملك، أو حريتك، أو كليهما. وفي الولايات المتحدة، حيث تتوزع السلطة بين مختلف الفروع والأحزاب، يزدهر "ماسك".
أثار تأثير ماسك في السياسة الخارجية الكثير من الذعر؛ ومع ذلك، تهتم الشركات بانتظام بمثل هذه الأمور، ولكن دون نفس رد الفعل الذي استقبل به ماسك، الشخصية الاستقطابية.
الأمر الأكثر أهمية من استقلال ماسك عن حكومة الولايات المتحدة هو ضعفه أمام الصين.
يكتب إيزاكسون أن إغلاق المصانع الذي أمرت به الصين ثم كاليفورنيا لاحتواء فيروس كورونا "أدى إلى تأجيج خطه المناهض للسلطة". ومع ذلك، كانت كاليفورنيا وحدها هي التي أثارت غضب ماسك العام؛ ووصف عمليات الإغلاق بالفاشية والمسؤول عن الإغلاق بالجاهل. ولكنه لم يقل شيئاً مماثلاً علناً عن الصين، حتى عندما تم إغلاق مصنع تسلا في شنغهاي لمدة 22 يوماً في العام الماضي.
يمتد احترام ماسك للصين إلى تويتر، ويكتب إيزاكسون أنه بعد وقت قصير من شرائه، أخبر ماسك الصحفي باري فايس أن المنصة يجب أن تكون حذرة بشأن "الكلمات التي تستخدمها فيما يتعلق بالصين، لأن أعمال تسلا قد تكون مهددة".
ولا ينبغي للمرء أن يسلط الضوء على ماسك لأنه تشاجر مع السياسيين الأميركيين بينما كان يخضع لبكين؛ ويفعل الرؤساء التنفيذيون للعديد من الشركات الشيء نفسه، من والت ديزني إلى جيه بي مورغان تشيس.
الفرق، بطبيعة الحال، هو أن مصير الدول يعتمد على أي منها يمتلك أفضل التقنيات أكثر من اعتماده على أفضل قرض مصرفي أو فيلم رسوم متحركة.
سوف يضعف تأثير ماسك على العلاقات الدولية إذا تراجع تأثيره على التكنولوجيا. ويبذل المنافسون قصارى جهدهم في محاولة إضعاف حصة سبيس إكس في السوق، وحصة إكس في وسائل التواصل الاجتماعي.
أما بالنسبة للسيارات الكهربائية، والآن بعد أن لحقت العلامات التجارية الصينية بالركب، فمن المتوقع أن يتم إخراج تسلا من السوق الصينية مثلما حدث مع الشركات الأجنبية الأخرى، بمجرد أن ترى بكين أنها لم تعد مفيدة.
وقد يكون وقتها ماسك أكثر جرأة تجاه الصين عندما لا تكون له مبيعات هناك ليحميها.
