مع تزايد الطلب على الحوسبة في مجالات الذكاء الاصطناعي المتنامية، يراهن المستثمرون على ظهور سوق منظمة لتداول القدرات الحاسوبية، شبيهة بسوق النفط.
وتسعى منصة «كومبيوت إكسشينج» (Compute Exchange)، التي أُطْلِقَت حديثاً، إلى تسهيل هذا التحول من خلال تنظيم مزادات تتيح لمشغلي مراكز البيانات ومزودي الحوسبة السحابية بيع قدرتهم الحاسوبية، أو ما يُعرف بـ«الحوسبة» في مصطلحات القطاع التقني.
في هذه المزادات، يمكن لشركات الذكاء الاصطناعي وغيرها من المشترين شراء فترات زمنية؛ لاستخدام شرائح متقدمة التي توفر قدرة معالجة عالية، مثل أنظمة «إنفيديا» H100 وH200 (بحيث يتم الدفع مقابل عدد الساعات أو الدقائق التي يتم استخدام الموارد الحاسوبية فيها).
ويُعتبر دونالد ويلسون جونيور، المؤسس المشارك للمنصة والمستثمر الرئيس فيها، ومؤسس شركة التداول عالي التردد «دي آر دبليو هولدينغز» (DRW Holdings)، من أبرز الداعمين لهذا المفهوم.
وقال ويلسون إن «إجمالي الإنفاق على الحوسبة سيتجاوز خلال السنوات العشر المقبلة الإنفاق العالمي على النفط»، وفقاً لما نقلته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية.
وتعتزم «كومبيوت إكسشينج» تنظيم أول مزاد عام لها في 25 فبراير المقبل، بعد أن أجرت مزادين تجريبيين العام الماضي، بمشاركة حوالي 12 بائعاً.
يأتي إطلاق المنصة في وقت يشهد فيه القطاع تحولات كبيرة، أبرزها التأثير الذي أحدثته شركة «ديب سيك» الصينية، التي أعلنت مؤخراً عن نموذج ذكاء اصطناعي متطور دُرِّب باستخدام شرائح أقل تقدماً وبتكلفة أقل من منافسيها في وادي السيليكون، ما أحدث موجة بيع واسعة في أسهم الشركات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي.
ورغم الاهتمام المتزايد بسوق الحوسبة، إلا أن هناك تحديات تعيق تطوره. إذ لم ينضم مزودو الخدمات السحابية الكبرى مثل «أمازون ويب سيرفيسز» (Amazon Web Services) و«غوغل كلاود» (Google Cloud) و«مايكروسوفت أزور» (Microsoft Azure)، حتى الآن إلى منصات التداول الناشئة، مفضلين إبرام عقود ضخمة مباشرة مع العملاء.
وبالمثل، تلجأ شركات الذكاء الاصطناعي الكبرى مثل «أوبن إيه آي» إلى تأمين قدرات حوسبية هائلة عبر عقود طويلة الأجل، بدلاً من شراء كميات صغيرة من خلال السوق المفتوحة.
كما يشكك البعض في إمكانية اعتبار الحوسبة سلعة قابلة للتداول بنفس طريقة النفط، فعلى عكس النفط الخام، الذي يمكن استخراجه من عدة مناطق وتكريره وفق معايير صناعية موحدة، فإن الحوسبة تعتمد على تكوينات شرائح مختلفة ومستويات أداء متباينة.
وقالت ميلتم ديميرورز، مؤسس صندوق الاستثمار المبكر «كروسيبل كابيتال» (Crucible Capital): «ساعة الحوسبة في منشأة معينة باستخدام نوع معين من الشرائح ليست مكافئة لساعة الحوسبة في منشأة أخرى تستخدم نوعاً مختلفاً من الشرائح».
إلى جانب «كومبيوت إكستشينج»، استثمر ويلسون في شركة «سيليكون داتا» (Silicon Data)، وهي شركة ناشئة تعمل على تحليل سوق الحوسبة، وتهدف إلى تطوير مؤشرات أسعار قد تشكل الأساس لعقود مستقبلية مرتبطة بأسعار الحوسبة، ويمكن لمشغلي مراكز البيانات استخدام هذه العقود للتحوط ضد تقلبات الأسعار، على غرار استراتيجيات إدارة المخاطر في قطاع الطاقة.
وتسعى شركات أخرى إلى إنشاء سوق منظمة للحوسبة، من بينها «إس إف كومبيوت» (SF Compute)، التي تأسست عام 2023، ونجحت في بيع عقود حوسبة بقيمة تجاوزت 50 مليون دولار خلال العام الماضي.
وعلى عكس «كومبيوت إكستشينج» التي تعتمد على المزادات الدورية، تقدم «إس إف كومبيوت» نموذج تداول مستمر، يتيح لشركات الذكاء الاصطناعي شراء الموارد الحوسبية لمدة قصيرة تصل إلى ساعة واحدة فقط.
كما طورت الشركة برنامجاً يتيح للمشترين الاتصال بمجموعات من شرائح «إنفيديا H100» ونقل أحمال العمل بين مواقع مختلفة بسهولة.
في البداية، كان مؤسسو «إس إف كومبيوت» يهدفون إلى تدريب نموذج ذكاء اصطناعي صوتي، إلا أنهم واجهوا صعوبة في الحصول على موارد حوسبية بكميات صغيرة.
بدوره، رأى الرئيس التنفيذي لـ«كومبيوت إكستشينج»، سيميون بوتشيف، أن سوق الحوسبة لا يزال يفتقر إلى الشفافية، إذ تضطر الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي إلى البحث عن أفضل الأسعار في عملية تستغرق وقتاً طويلاً، وغالباً ما تجد نفسها ملزمة بعقود أطول مما تحتاج.
وبينما يرى بعض المستثمرين فرصاً واعدة في سوق الحوسبة القابلة للتداول، لا يزال آخرون مترددين.