في ظل الثورة الرقمية المتسارعة، تشهد صناعة الذكاء الاصطناعي طفرة هائلة في بناء مراكز البيانات، لدعم أنظمة الحوسبة الفائقة، لكن يظل أثرها في سوق العمل محدوداً، إذ تعتمد هذه المراكز بشكل أساس على الأتمتة، ما يقلل الحاجة إلى البشر.
ويجري بناء مركز بيانات ضخم في مدينة أبيلين، حيث يعمل حوالي 1,500 عامل على تشييد أول منشأة لمشروع «ستارغيت»، وهو مشروع ذكاء اصطناعي بقيادة شركة «أوبن إيه آي» (OpenAI).
وأطلق الرئيس الأميركي دونالد ترامب مشروع «ستارغيت»، وهو مبادرة ضخمة بقيمة 500 مليار دولار تهدف إلى بناء بنية تحتية متقدمة للذكاء الاصطناعي على مدار السنوات الـ4 المقبلة.
ووفقاً لوكالة التنمية الاقتصادية في أبيلين، بمجرد اكتمال البناء، سينخفض عدد الوظائف بشكل كبير، إذ من المتوقع أن يوفر الموقع نحو 100 وظيفة بدوام كامل فقط.
يُعد هذا الرقم أقل بكثير مما قد تتطلبه منشأة صناعية بالحجم نفسه، فعلى سبيل المثال، كان من المتوقع أن يوفر مصنعاً لتعبئة الجبن تبلغ مساحته 286,500 قدم مربع، وبدأ تشييده في أبيلين العام 2021، حوالي 500 وظيفة، وفقاً لتقرير صحيفة «وول ستريت جورنال».
ويرى جون جونسون، الرئيس التنفيذي لشركة (Patmos Hosting) المتخصصة في تشغيل مراكز البيانات أن مراكز البيانات اكتسبت سمعة سيئة بسبب قلة الوظائف التي توفرها داخل منشآتها.
أدى الطلب المتزايد على أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة إلى موجة من الاستثمارات في بناء مراكز بيانات عملاقة لاستيعاب الرقائق المتطورة التي تدعم هذه التكنولوجيا.
وتدير شركات كبرى، مثل: «أمازون» و«غوغل» و«مايكروسوفت» ما يقرب من 445 مركز بيانات في الولايات المتحدة، مع 249 منشأة أخرى قيد الإنشاء، وفقاً لشركة (Synergy Research Group).
ومن جانبها، تخطط «ستارغيت» لإنشاء 20 مركز بيانات على الأقل ضمن استثمارات تبلغ مئات المليارات من الدولارات سنوياً، حيث قال ترامب، خلال مؤتمر صحفي للإعلان عن مشروع «ستارغيت»، إن المشروع سيوفر «أكثر من 100 ألف وظيفة جديدة على الفور».
لكن الخبراء في هذا القطاع يقدمون وجهة نظر مختلفة. فعلى الرغم من أن مراكز البيانات قد توظف آلاف العمال خلال مرحلة البناء، التي قد تستغرق عدة سنوات، إلا أن عدد الوظائف التشغيلية بعد افتتاحها يكون عادة بالمئات فقط.
واعتبر جيم غرايس، وهو محامٍ مختص في العقارات وتمويل المشاريع المتعلقة بمراكز البيانات أن مراكز البيانات تحتاج إلى الكثير من العمالة في أثناء البناء، لكنها لا تحتاج إلى العدد نفسه لتشغيلها لاحقاً».
عند التجول داخل مركز بيانات حديث، سيكون المشهد الأساس عبارة عن صفوف ضخمة من أجهزة الحاسوب المتطورة تمتد على مئات الأمتار، متصلة ببعضها عبر شبكات معقدة من الكابلات.
وتشمل الوظائف الأخرى في هذه المراكز محللي البيانات، ومهندسي البرمجيات والأجهزة، وحراس الأمن.
وفي محاولة لتعزيز الفوائد الاقتصادية لمشاريعها، تسعى بعض الشركات إلى إنشاء مساحات عمل إضافية داخل مجمعات مراكز البيانات الخاصة بها.
في الماضي، كانت مراكز البيانات تُبنى بالقرب من المدن الكبرى لضمان سرعة الاتصال بين المستخدمين والشركات.
وتغيرت هذه الحاجة، مع تطور الذكاء الاصطناعي، حيث يُسْتَخْدَم العديد من مراكز البيانات الجديدة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، وهي عملية لا تتطلب وصولاً فورياً من قبل المستخدمين.
وبالتالي، أصبحت الشركات تفضل بناء مراكز البيانات في المناطق الريفية، حيث تتوافر مساحات واسعة، وتكاليف الكهرباء أقل، وتأثير توفير مئات الوظائف يكون أكثر أهمية.
من جانبه، قال تشيس لوكميلر، الرئيس التنفيذي لشركة (Crusoe)، المسؤولة عن تطوير مركز بيانات «ستارغيت» في أبيلين: «ليس من المنطقي بناء هذه المراكز في نيويورك، حيث يمكن استخدام الكهرباء لتشغيل ناطحات السحاب أو المجمعات السكنية، ولكن في ولاية مثل تكساس الغربية، حيث الأرض متاحة والكهرباء أرخص، فإنها تكون موقعاً مثالياً».
لا يزال الجدل قائماً حول تأثير مراكز البيانات على التوظيف، حيث تختلف آراء الخبراء حول كيفية قياس مساهمتها الاقتصادية.
يرى غرايس أن وظائف البناء لا ينبغي اعتبارها قصيرة الأجل، نظراً لأن بعض المشاريع قد تستغرق نحو 10 سنوات لإكمالها.
لكن دينسديل أشار إلى أن العديد من العمال في هذا المجال لديهم خبرة متخصصة، وينتقلون من مشروع إلى آخر، ما يعني أن إنشاء مراكز جديدة لا يترجم دائماً إلى زيادة فعلية في عدد الوظائف.
وشدد التقرير على أنه رغم أن مركز بيانات «ستارغيت» في أبيلين يمثل استثماراً هائلاً في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، إلا أن تأثيره في فرص العمل يظل محدوداً.
ويعكس المشروع اتجاهاً واسعاً في صناعة التكنولوجيا واستثمارات ضخمة في تطوير الذكاء الاصطناعي، لكن بعدد وظائف أقل مما قد يتوقعه البعض.