تحقق السلطات الأميركية فيما إذا كانت أجهزة التوجيه الصينية «تي بي-لينك» (TP-Link)، التي تُستخدم على نطاق واسع في ملايين المنازل الأميركية والوكالات الحكومية، تشكل تهديداً للأمن القومي.
وبحسب تقرير لصحيفة «وول ستريت جورنال»، فإن «تي بي- لينك»، التي تُعد لاعباً رئيسياً في سوق أجهزة توجيه البيانات، تواجه تدقيقاً متزايداً بسبب ارتباطها بهجمات إلكترونية وثغرات أمنية قد تعرض البيانات الحساسة للخطر.
أُسست شركة «تي بي-لينك» في الصين عام 1996، وأصبحت أكبر مصنع لأجهزة التوجيه في الولايات المتحدة، حيث تمتلك نحو 65% من سوق أجهزة توجيه الإنترنت للمنازل والشركات الصغيرة.
التوسع في السوق الأميركية
وسعت الشركة وجودها في العمليات الحكومية الفيدرالية، بما في ذلك توفير أجهزة التوجيه للوكالات مثل وزارة الدفاع و«الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء» (NASA) وإدارة مكافحة المخدرات. وتعد الشركة أيضاً العلامة التجارية الأكثر مبيعاً لأجهزة التوجيه على «أمازون».
ومع ذلك، بدأت وكالات حكومية أميركية، بما في ذلك وزارات التجارة والدفاع والعدل، تحقيقات في المخاطر الأمنية التي تشكلها منتجات «تي بي-لينك». وأشارت مصادر مطلعة إلى أن الحظر المحتمل لأجهزة التوجيه «تي بي-لينك» في الولايات المتحدة قد يُنَفَّذ في وقت مبكر من العام المقبل.
تأتي هذا التحقيقات بعد تقرير نشرته «مايكروسوفت» (Microsoft) في أكتوبر، الذي أشار إلى أن مجموعة قراصنة صينية استغلت شبكة من أجهزة التوجيه «تي بي-لينك» المخترقة لتنفيذ هجمات إلكترونية. واستهدفت هذه الهجمات مجموعة واسعة من المنظمات الغربية، بما في ذلك مراكز الفكر والكيانات الحكومية والمنظمات غير الحكومية وموردو وزارة الدفاع الأميركية.
رغم المخاوف المتزايدة، أشار التقرير إلى رد «تي بي-لينك» بتأكيد التزامها بأمن الولايات المتحدة، إذ قالت المتحدثة باسم عمليات «تي بي-لينك» في الولايات المتحدة إن الشركة تعمل بجد لمعالجة الثغرات الأمنية المعروفة، وهي منفتحة على التعاون مع الحكومة الأميركية لإثبات أن ممارساتها الأمنية تتماشى مع معايير الصناعة.
كما سعت شركة «تي بي-لينك» الفرعية في الولايات المتحدة إلى التباعد عن جذورها الصينية، إذ أعلنت عن خطط لنقل مقرها إلى كاليفورنيا في محاولة لتعزيز وجودها في السوق الأميركية.
من جانبها، رفضت الحكومة الصينية هذه الاتهامات، ووصفت إجراءات الحكومة الأميركية بأنها جزء من جهد أوسع لقمع شركات التكنولوجيا الصينية. وقال المتحدث باسم السفارة الصينية في واشنطن، ليو بينغيو، إن الولايات المتحدة تستخدم مخاوف الأمن القومي كذريعة للإضرار بالشركات الصينية، مؤكداً أن بكين ستدافع «بإصرار» عن حقوق شركاتها.
تتزامن التحقيقات في «تي بي-لينك» مع مخاوف أوسع بشأن التأثير الصيني على بنية الاتصالات في الولايات المتحدة. ورغم عدم وجود دليل مباشر على أن الشركة المدعومة من الدولة الصينية، تسهل الهجمات الإلكترونية، فإن المسؤولين الأميركيين أصبحوا أكثر قلقاً من احتمال أن تكون أجهزة التوجيه المصنوعة في الخارج قناة للتجسس والهجمات الإلكترونية.
ويأتي تدقيق إدارة بايدن في «تي بي-لينك» في إطار جهود أوسع لمعالجة الثغرات الأمنية المرتبطة بالصين. وإلى جانب التحقيق في «تي بي-لينك»، يعمل المسؤولون الأميركيون على طرد فرع شركة «سينو تيليكوم» (Sino Telecom) من بنية الاتصالات في الولايات المتحدة.
كما تحقق وزارة العدل الأميركية فيما إذا كانت استراتيجية تسعير «تي بي-لينك»، التي تقلل الأسعار مقارنة بالمنافسين، تنتهك قوانين مكافحة الاحتكار. ويفترض بعض المحللين أن التسعير قد يُعد محاولة لاحتكار السوق، رغم أن الشركة تنفي هذه الادعاءات، وتؤكد أنها تلتزم بجميع قوانين الولايات المتحدة، بما في ذلك قوانين مكافحة الاحتكار.
رغم هذه المخاوف، فإن أجهزة التوجيه المصنوعة في أميركا تعرضت أيضاً للتدقيق بسبب الثغرات الأمنية. ففي الأشهر الأخيرة، ربط المحققون الأميركيون بعض الهجمات الإلكترونية على البنية التحتية الحيوية بأجهزة توجيه قديمة من شركات وادي السيليكون مثل «سيسكو سيستمز» (Cisco Systems) و«نتغير» (Netgear).
وفي وقت سابق من هذا العام، وفقاً للتقرير، بدأت وزارة الدفاع الأميركية تحقيقاً خاصاً في المخاطر الأمنية الوطنية التي قد تشكلها أجهزة التوجيه الصينية. رداً على هذه المخاوف، حثت لجنة الكونغرس الخاصة بالحزب الشيوعي الصيني وزير التجارة على التحقيق في ممارسات «تي بي-لينك» الأمنية، مشيرة إلى «درجة غير عادية من الثغرات».
كما يجري مكتب تكنولوجيا المعلومات والخدمات بوزارة التجارة مراجعة للملف، ولديه السلطة لمنع الشركات الأجنبية من بيع المنتجات في الولايات المتحدة لأسباب أمنية. وإذا قررت الحكومة الأميركية حظر «تي بي-لينك»، أكد التقرير أن ذلك تصعيداً كبيراً في المنافسة التكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين.
وقد شهدت «تي بي-لينك» نمواً سريعاً في السوق الأميركية، خاصة خلال جائحة كوفيد-19، إذ ارتفعت حصة الشركة في السوق من نحو 20% في 2019 إلى 65% هذا العام، ويرجع ذلك جزئياً إلى زيادة الطلب على حلول الإنترنت المنزلية الموثوقة.
أشار التقرير إلى أن الحظر المحتمل على منتجات «تي بي-لينك» قد يسبب اضطراباً كبيراً في سوق أجهزة التوجيه الأميركية، ما يُضطر المستهلكون والشركات إلى البحث عن بدائل. وسيشبه ذلك قرار إدارة ترامب في 2019 بإزالة «هواوي» من البنية التحتية الأميركية، ما يزيد التوترات بين الولايات المتحدة والصين.
وعلى الرغم من محاولات «تي بي-لينك» الابتعاد عن جذورها الصينية، فإن علاقاتها المستمرة مع الكيانات الحكومية الصينية تثير تساؤلات حول نفوذ الصين في عملياتها. إذ يرتبط مؤسس الشركة، تشاو جيانجون، ارتباطاً وثيقاً بجامعة شانغهاي جياوتونغ، التي تشارك في البحث السيبراني لصالح الجيش الصيني.
واختتم التقرير بالتأكيد أن نتائج التحقيقات بشأن «تي بي-لينك» ستؤثر كثيراً في سوق أجهزة التوجيه العالمي وعلاقات الولايات المتحدة بالصين، مع تصاعد الضغوط على الشركات الأجنبية لإثبات امتثالها للمعايير الأمنية الوطنية.