تجري السلطات الأميركية تحقيقاً موسعاً، بشأن احتمالية التفاف شركة الذكاء الاصطناعي الصينية «ديب سيك» (Deep Seek) حول القيود الأميركية المفروضة على بيع رقائق «إنفيديا» (Nvidia) المتقدمة، عبر شرائها من وسطاء في سنغافورة.
ويشارك البيت الأبيض ومكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) في التحقيق، الذي يهدف إلى تحديد ما إذا كانت «ديب سيك» قد استخدمت أطرافاً ثالثة في سنغافورة للحصول على رقائق «إنفيديا» المحظورة من البيع المباشر إلى الصين، وفقاً لمصادر مطلعة على القضية.
تأتي هذه الخطوة بعد إطلاق «ديب سيك» لروبوت الدردشة (R1)، الذي أظهر أداءً يضاهي أفضل نماذج الذكاء الاصطناعي الأميركية، ما أثار مخاوف بشأن تقدم الصين في هذا المجال بشكل أسرع مما كان متوقعاً.
من جهتها، أكدت متحدثة باسم «إنفيديا» أن الشركة «تُصرّ على امتثال شركائها لجميع القوانين المعمول بها، وتتخذ الإجراءات المناسبة إذا تبين وجود انتهاكات».
كما أوضحت الشركة في وقت سابق أنها لا تعتقد أن «ديب سيك» قد انتهكت القيود الأميركية.
من جهته، امتنع متحدث باسم مكتب التحقيقات «الفيدرالي» عن التعليق، فيما لم يرد البيت الأبيض على طلبات الاستفسار.
كما تعذر التواصل مع السفارة السنغافورية في واشنطن خارج ساعات العمل.
إلى ذلك، أشار هوارد لوتنيك، المرشح السابق للرئيس دونالد ترامب لرئاسة وزارة التجارة، إلى أن «ديب سيك» ربما تجاوزت ضوابط التصدير الأميركية، وفقاً لوكالة «بلومبرغ» الأميركية.
وقال لوتنيك خلال جلسة استماع بمجلس الشيوخ لمناقشة ترشيحه: «لقد اشتروا كميات هائلة من رقائق إنفيديا، ووجدوا طرقاً للالتفاف على القيود لاستخدامها في تطوير نموذج ديب سيك».
وأضاف: «يجب أن يتوقف ذلك... إذا كانوا سينافسوننا، فليتنافسوا، لكن ليس باستخدام تقنيتنا ضدنا».
وكانت «ديب سيك»، التي تتخذ من مدينة هانغتشو مقراً لها، قد أطلقت روبوت الدردشة «آر 1» في وقت سابق من هذا الشهر، إذ أظهر قدرة على محاكاة التفكير البشري، ما أثار قلق المسؤولين الأميركيين وقادة قطاع التكنولوجيا.
وتسبب الإعلان عن «R1» في اضطراب السوق، ما أدى إلى خسائر تجاوزت تريليون دولار في قطاع الذكاء الاصطناعي.
أعادت قضية «ديب سيك» إشعال الجدل حول فعالية القيود التجارية الأميركية التي تهدف إلى منع الصين من الوصول إلى أشباه الموصلات المتطورة.
وتشمل هذه القيود حظر تصدير الرقائق وأدوات تصنيعها، في محاولة لإبطاء تقدم الصين في مجال الذكاء الاصطناعي ومنع استخدامها لأغراض عسكرية.
ورغم أن «ديب سيك» لم تكشف عن الرقائق التي استخدمتها في تطوير نموذج «R1»، فقد أشار باحثوها في ورقة علمية إلى أن النموذج V3، الذي أُصْدِر الشهر الماضي، دُرِّب على 2,048 من رقائق «إنفيديا» H800.
وكانت «إنفيديا» قد طورت هذه الرقائق خصيصاً للسوق الصينية بعد أن حظرت إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، وصول الصين إلى النسخ الأكثر تقدماً منها.
إلا أن الولايات المتحدة حظرت بيع رقائق H800 إلى الصين في شهر أكتوبر 2023، الأمر الذي دفع «إنفيديا» إلى تصميم شريحة أقل كفاءة باسم H20 خصيصاً لهذا السوق.
وبحسب «بلومبرغ»، تبحث إدارة ترامب حالياً في فرض قيود جديدة على هذه الشريحة، ما يعكس استمرار الجدل حول سياسة القيود التجارية منذ نهاية ولاية بايدن.
تلعب سنغافورة دوراً محورياً في عمليات «إنفيديا» التجارية، إذ تمثل نحو 20% من إيرادات الشركة، وفقاً للملفات التنظيمية.
إلا أن الوثائق نفسها تشير إلى أن معظم هذه الإيرادات تعود إلى شحنات موجهة إلى وجهات أخرى.
من جانبه، أوضح متحدث باسم «إنفيديا»، في بيان، أن الإيرادات المسجلة تحت سنغافورة لا تعني تحويل الشحنات إلى الصين، وفقاً لما نقلته وكالة «بلومبرغ».
وأضاف: «ملفاتنا المالية توثق فقط مواقع الدفع، وليس مواقع الشحن».
وأوضح أن العديد من عملاء شركته لديهم كيانات تجارية في سنغافورة، ويستخدمونها لتوريد المنتجات إلى الولايات المتحدة والغرب.
ووسّعت إدارة بايدن في عام 2023 قيود تصدير الرقائق لتشمل أكثر من 40 دولة، بما في ذلك معظم دول الشرق الأوسط وبعض دول جنوب شرق آسيا، لكنها لم تفرض قيوداً مماثلة على سنغافورة.
وفي وقت سابق من هذا العام، شددت الولايات المتحدة هذه القواعد أكثر، لتشمل معظم دول العالم، باستثناء عدد قليل من الحلفاء الأميركيين.
وباتت عمليات شحن كميات كبيرة من الرقائق إلى سنغافورة تتطلب تراخيص خاصة، في حين أن الشحنات الصغيرة التي تقل عن 1,700 وحدة تخضع فقط لشرط الإبلاغ المسبق.
أثارت التحقيقات الجارية قلق المشرعين الأميركيين، ولا سيما أعضاء اللجنة المعنية بمراقبة تطورات الذكاء الاصطناعي في الصين.
وفي خطاب موجه إلى مستشار الأمن القومي مايك والتز، دعا النائبان جون مولينار وراجا كريشنامورثي، وهما من أبرز الديمقراطيين والجمهوريين في اللجنة، إلى تشديد الرقابة على عمليات التصدير عبر سنغافورة.
وجاء في رسالتهما: «يجب أن تخضع دول مثل سنغافورة لمتطلبات ترخيص صارمة، ما لم تكن مستعدة لاتخاذ إجراءات صارمة لمنع تحويل الشحنات إلى الصين»، وفقاً لـ«بلومبرغ».
يعكس هذا التحقيق المتواصل المخاوف المتزايدة في الولايات المتحدة من قدرة بكين على الوصول إلى أشباه الموصلات المتقدمة رغم العقوبات المفروضة.