logo
تكنولوجيا

«ديب سيك» تعيد تشكيل التنافس بين القوى الكبرى

«ديب سيك» تعيد تشكيل التنافس بين القوى الكبرى
هولوغرام خاص بروبوت الذكاء الاصطناعي يظهر من كود ثنائي.المصدر: غيتي إيمجز
تاريخ النشر:28 يناير 2025, 11:36 ص

أحدثت منصة «ديب سيك» هذا الأسبوع زلزالاً في المشهد التقني العالمي، بعدما تجاوزت تطبيق «شات جي بي تي» في متجر تطبيقات «أبل»، هذا الصعود الصاروخي أعاد تشكيل ديناميكيات التنافس بين الولايات المتحدة والصين في مجال التكنولوجيا، وصدم تقييمات الأسهم التقنية العالمية، ورسم ملامح جديدة لمستقبل تطوير الذكاء الاصطناعي.

في خضم الزخم الذي أثارته «ديب سيك»، يطرح سؤال رئيس نفسه: ماذا يعني هذا الإنجاز لاستراتيجية المملكة المتحدة، ثالث أكبر قوة عالمية في تطوير الذكاء الاصطناعي؟

لحظة حاسمة في الذكاء الاصطناعي

بدأ عصر الذكاء الاصطناعي التوليدي مع إطلاق «شات جي بي تي» في 30 نوفمبر 2022، عندما دخلت النماذج اللغوية الكبيرة إلى الوعي العام، وبدأت في تغيير الصناعات وأساليب العمل، واليوم نشهد ما يمكن وصفه بـ«لحظة ديب سيك»، التي تعكس تحولاً محورياً يثبت إمكانية اتباع نهج أكثر كفاءة وأقل تكلفة في تطوير الذكاء الاصطناعي.

منصة «ديب سيك» ليست مجرد أداة ذكاء اصطناعي أخرى، بل تمثل تطوراً مهماً في كيفية تصميم وتدريب النماذج، على حين تعتمد معظم النماذج الحالية على قوة حوسبة ضخمة وبيانات واسعة النطاق، ما يحد من التطوير على عدد قليل من الشركات الكبرى ذات الموارد الهائلة، تقدم «ديب سيك» نموذجاً أرخص وأكثر كفاءة، مرخصاً بنظام «MIT» مفتوح المصدر، ما يتيح للمستخدمين تطويره ونشره بحرية.

ديمقراطية الذكاء الاصطناعي

هذا الانفتاح يعيد روح الديمقراطية إلى الذكاء الاصطناعي، مستلهماً من شركة «أوبن إيه آي» التي كانت تسعى إلى تطوير ذكاء اصطناعي عام يخدم البشرية جمعاء، بفضل «ديب سيك»، أصبح بإمكان اللاعبين الصغار دخول الساحة والابتكار خارج حدود الشركات الكبرى والبلدان ذات الموارد الضخمة.

كما حددت المنصة معياراً جديداً للكفاءة من خلال تدريب نماذجها بتكاليف أقل بكثير، مع تحقيق أداء يعادل أو يتفوق على النماذج الحالية، وبفضل خوارزميات وهياكل مبتكرة، تقلل «ديب سيك» من الطلب على الموارد الحاسوبية والأثر البيئي، ما يعزز استدامة تطوير الذكاء الاصطناعي.

دروس مستفادة للمملكة المتحدة

تم تطوير «ديب سيك» على يد مجموعة من خبراء التداول الكمي في الصين، ما يعكس أصولاً غير تقليدية تقدم دروساً مهمة للولايات المتحدة والمملكة المتحدة، ففي المملكة المتحدة، على الرغم من جذبها الدائم للمواهب العلمية، يختار العديد من الخريجين المتميزين وظائف في قطاع التمويل على حساب الابتكار في مجالات حيوية مثل الذكاء الاصطناعي، تنويع المسارات المهنية لخبراء العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات يمكن أن يكون له آثار تحولية.

رغم خطة العمل الحكومية البريطانية المكونة من 50 نقطة في مجال الذكاء الاصطناعي، فإنها تفتقر إلى الجرأة اللازمة لإحداث تغيير حقيقي، تحتاج المملكة المتحدة إلى استراتيجية جديدة تستغل نقاط قوتها الفريدة، وتعالج أوجه القصور الحالية.

نقاط القوة والفرص

تمتلك المملكة المتحدة ميزة تنافسية في الخبرات متعددة التخصصات، حيث توفر جامعاتها العالمية وقطاعاتها الإبداعية والخدمات المهنية أرضية خصبة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجالات مثل التمويل والقانون والصناعات الإبداعية والطب.

لكن أنظمة التمويل والتنظيم تحتاج إلى إصلاح شامل، توضح تجربة «ديب سيك» أهمية وجود منظومات مرنة وممولة جيداً لدعم مشاريع طموحة، لذلك يمكن أن تمثل تبسيط طلبات المنح وتقديم حوافز ضريبية موجهة للشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي بداية واعدة.

مواجهة نزيف المواهب

يواجه قطاع الذكاء الاصطناعي في المملكة المتحدة تحدي هجرة الأدمغة، حيث يتجه أبرز المواهب نحو الفرص الأفضل تمويلاً في الولايات المتحدة والصين. لذلك، يمكن أن تلعب الشراكات بين القطاعين العام والخاص دوراً محورياً في دعم الأبحاث والاحتفاظ بالمواهب.

طموحات تتجاوز الحدود

يمثل نجاح «ديب سيك» نموذجاً للرؤية الاستراتيجية والتنفيذ الفعال، فهو لا يسعى فقط إلى تحسين النماذج الحالية، بل يعيد تعريف حدود تطوير ونشر الذكاء الاصطناعي، ما يبرز أهمية الطموح والابتكار.

على المملكة المتحدة تبني عقلية مشابهة، مع التركيز على المجالات التي يمكنها أن تحدد فيها المعايير العالمية بدلاً من الاكتفاء بمحاولة اللحاق بالركب.

كما لا يمكن تجاهل الجوانب الجيوسياسية للذكاء الاصطناعي، ومع احتدام المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، يمكن للمملكة المتحدة أن تؤدي دور الوسيط الموثوق والقيادي الأخلاقي في حوكمة الذكاء الاصطناعي، عبر دعم معايير شفافة وتشجيع التعاون الدولي.

دعوة إلى التحرك

يجب أن يشكل نجاح «ديب سيك» جرس إنذار، تمتلك بريطانيا المواهب والمؤسسات وروح المبادرة التي تؤهلها لتكون لاعباً رئيساً في مجال الذكاء الاصطناعي، ولكن عليها أن تتحرك بحزم الآن.

وحان الوقت لتجاوز الإجراءات الرمزية وتبني استراتيجيات جريئة تضع المملكة المتحدة في طليعة المستقبل المدفوع بالذكاء الاصطناعي، منصة «ديب سيك» رفعت سقف الطموح، ويبقى على بريطانيا أن تثبت جدارتها بالوصول إليه.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
تحميل تطبيق الهاتف
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC