رغم ما رافق وعود الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من تفاؤل بتحقيق نهضة اقتصادية كبرى، مدفوعة بتوسيع إنتاج النفط والغاز، فإن سياساته التجارية، لا سيما تلك المتعلقة بالرسوم الجمركية، باتت تهدد هذه الطموحات جدياً.
فبينما كانت الإدارة تروّج لما سمته بـ«هيمنة الطاقة الأميركية»، أسهمت الإجراءات الحمائية وتصاعد التوترات التجارية في زعزعة استقرار قطاعٍ يُفترض أنه حجر الزاوية في الاستراتيجية الاقتصادية لترامب.
العولمة أدت دوراً رئيساً في جعل الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط والغاز عالمياً، ووفقا لصحيفة «وول ستريت جورنال»، فإن تزايد صادرات الخام والغاز الطبيعي المسال (LNG) مكّن أميركا من تجاوز السعودية وروسيا، ما أسهم في تقليص العجز التجاري الأميركي.
وفي عام 2023، شكّل قطاع الطاقة 15% من إجمالي الصادرات الأميركية، حيث استورد الاتحاد الأوروبي وحده ما قيمته 79 مليار دولار من منتجات الطاقة الأميركية. ومع ذلك، فإن استراتيجية ترامب التجارية القائمة على الرسوم الجمركية الشاملة، ورغم استثناء تدفقات الطاقة منها رسمياً، أثارت مخاوف من ركود اقتصادي عالمي.
تصاعد القلق انعكس مباشرة على أسعار النفط، فقد تراجعت أسعار الخام الأميركي بنحو 17% منذ الإعلان عن الرسوم الأخيرة، لتنخفض إلى أقل من 60 دولاراً للبرميل، وهو مستوى غير مستدام للعديد من شركات النفط الصخري، التي تحتاج إلى أسعار أعلى لضمان استمرار استثماراتها.
دان يرغن، نائب رئيس (S&P Global)، أكد أن «صناعة النفط بطبيعتها صناعة عالمية»، مشيرا إلى ضرورة البحث عن «خطة بديلة» لمواجهة التغيرات الاقتصادية العالمية. ويشير تقرير صادر عن «ريستاد إنرجي» إلى أن شركات الحفر الأميركية تحتاج إلى سعر يتجاوز 62 دولاراً للبرميل لتغطية تكاليفها التشغيلية وتحقيق أرباح مستدامة. وإذا انخفضت الأسعار إلى نطاق 50 دولاراً، فقد يتراجع الإنتاج الأميركي بنسبة تصل إلى 8% خلال عام واحد، وفقاً لتحليلات (S&P Global).
التحدي الأكبر يتركز في حوض «برميان»، أكبر حقل نفطي في الولايات المتحدة، حيث باتت الشركات تواجه ضغوطاً مالية متزايدة، مع استنزاف معظم مواقع الحفر عالية الجودة. وقد يؤدي ذلك إلى اندماج الشركات الصغيرة أو خروجها من السوق.
أما قطاع الغاز الطبيعي المسال، فيواجه تحديات مماثلة، خاصة مع توسع الولايات المتحدة في بناء مرافق تصدير جديدة. الرسوم الانتقامية، مثل تلك التي فرضتها الصين، بدأت تؤثر في الطلب على الغاز الأميركي. ورغم أن الصين لم تعتمد إلا على 6% من وارداتها من الغاز الأميركي في 2024، فإن العقود الموقعة مؤخراً تشير إلى نية لتعزيز هذا الاعتماد، ما يجعل هذه المشاريع عرضة لمخاطر إضافية.
ورغم التحديات، لا يزال بعض المستثمرين متفائلين. مايك أوستمان، رجل أعمال في مجال النفط في غربي تكساس، يرى أن «الحقول لا تزال نشطة وحركة الشاحنات مستمرة»، مشيراً إلى إمكانية تغير الأوضاع بسرعة.
لكن عموماً، تبدو السياسات التجارية للإدارة الأميركية متناقضة مع مفهوم «الهيمنة في مجال الطاقة» الذي روّج له ترامب في بداية ولايته، فقد كانت أوامره التنفيذية الأولى تسهيل إنشاء خطوط أنابيب وتوسيع صادرات الوقود الأحفوري إلا أن الرسوم الجمركية الحالية قد تضعف هذا التوجه.
روبرت يوغر، مدير قسم العقود الآجلة في «بنك ميزوهو» (Mizuho Bank)، علّق على الوضع قائلاً: «تدّعي أن قطاع الطاقة هو حجر الزاوية في خطتك الاقتصادية، ثم تجعل حياته أكثر صعوبة».
وفي حال استمرار هذا التراجع، فقد تجد الدول المنتجة التقليدية، وعلى رأسها أعضاء أوبك، فرصة لاستعادة حصصها السوقية التي فقدتها خلال طفرة النفط الصخري الأميركي، وهو ما قد يعيد تشكيل خريطة الطاقة العالمية.