عندما افتتح الرئيس التنفيذي لشركة الغاز الروسية العملاقة «غازبروم» أليكسي ميلر، مبنى فاخراً على الطراز الإيطالي في وسط سانت بطرسبرغ قبل 11 عاماً ليكون مقراً لفرع التصدير، كان ذلك إيذاناً بمستقبل مزدهر تموله المبيعات الأوروبية، بحسب رويترز.
لكن بدلاً من ذلك، أصبحت هذه المكاتب الفاخرة اليوم رمزاً لانحدار «غازبروم» السريع، بعدما خسرت الشركة الأسواق الأوروبية بشكل شبه كامل إثر اندلاع الحرب في أوكرانيا، وقطع العلاقات بين روسيا والغرب.
وفي ظل خسائر بمليارات الدولارات ومساع لتوفير التكاليف، تفكر الشركة الآن في بيع المبنى الفاخر إلى جانب عقارات أخرى تمتلكها، وفقاً لمسؤول في «غازبروم» ومصدر آخر مطلع على المناقشات الداخلية في الشركة.
وتعد «غازبروم» بلا شك الشركة الروسية الأكثر تضرراً من العقوبات الدولية المفروضة عقب الحرب في أوكرانيا قبل ثلاث سنوات.
ورغم صمود الاقتصاد الروسي، برزت مؤشرات متزايدة على الضغوط التي تعانيها عدة قطاعات.
كانت «رويترز» أفادت سابقاً بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يشعر بالقلق من أن الإنفاق العسكري الكبير يشوه الاقتصاد ككل.
تقلّص عدد موظفي «غازبروم إكسبورت»، التي كانت الوحدة الأكثر ربحية في الشركة وأشرفت على مبيعات الغاز السوفييتي والروسي إلى أوروبا لأكثر من نصف قرن، إلى بضع عشرات فقط من الموظفين، وفقاً للمصدرين أنفسهما.
وقبل خمس سنوات، كانت الوحدة تضم 600 موظف، لكن خطط بيع المبنى وتقليص الوظائف داخلها لم يتم الإبلاغ عنها سابقاً.
ولم ترد «غازبروم» أو وزارة الطاقة الروسية على طلبات التعليق بشأن هذه المعلومات.
ومع توقف المبيعات الأوروبية، يركز الموظفون المتبقون بشكل أساسي على النزاعات القانونية مع المشترين السابقين في الاتحاد الأوروبي، حيث وصف أحد المصادر الوحدة بأنها مجرد هيكل فارغ.
قال أليكسي غريفاتش، من مؤسسة الأمن القومي للطاقة المؤيدة للكرملين، إن الدور الجديد الأقل أهمية لـ«غازبروم» سيكون توفير الغاز للمزيد من المنازل الروسية.
وأشار إلى تكليف «غازبروم» بمهمة اجتماعية تتمثل في توسيع شبكة الغاز المحلية وتزويد الاقتصاد والسكان بالغاز بأسعار منخفضة ومنظمة.
وتحدثت «رويترز» مع ثلاثة مسؤولين ونحو ستة موظفين حاليين وسابقين في «غازبروم»، وجميعهم طلبوا عدم الكشف عن هويتهم خوفاً من تداعيات مهنية.
وتشير المحادثات مع الموظفين إلى أن مشاكل «غازبروم» تمتد إلى ما هو أبعد من وحدة التصدير.
وذكر مصدران أن ميلر وافق على خطط لتسريح 1500 موظف في المقر الرئيس للشركة بروسيا، ومركز «لاختا» في سانت بطرسبرغ، وهو أطول ناطحة سحاب في أوروبا.
لم يتم الإعلان رسمياً عن هذه التسريحات حتى الآن، لكن طُلب من الموظفين تقديم مبررات للحفاظ على وظائفهم، وفقاً لأحد المصادر، الذي أضاف أن العملية من المتوقع أن تُستكمل خلال الأسابيع المقبلة.
وتمثل هذه التخفيضات حوالي 40% من موظفي المقر الرئيس لـ«غازبروم»، لكنها تبقى جزءاً صغيراً من إجمالي عدد موظفيها البالغ نصف مليون شخص في جميع أنحاء روسيا.
أشار أحد المسؤولين إلى أن الإدارة أخطأت في تقدير إصرار العواصم الأوروبية، حيث كانت الشركة تعتقد أن أوروبا ستعود سريعاً متوسلة لاستئناف واردات الغاز الروسي.
لكن رغم التحديات الاقتصادية الناجمة عن ارتفاع تكاليف الطاقة، لم يرفع الاتحاد الأوروبي العقوبات.
وسارع مصدرو الغاز الأميركيون إلى سد الفراغ الذي خلّفه الغاز الروسي في أوروبا، حيث أصبحت الولايات المتحدة أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال إلى القارة، مع تضاعف شحناتها ثلاث مرات منذ عام 2021.
وبينما لا تزال أوروبا تشتري الغاز الطبيعي المسال الروسي المنقول بحراً، فإن معظم هذه الإمدادات تأتي من منشأة «يامال للغاز الطبيعي المسال» التابعة لشركة «نوفاتك»، المنافسة لـ«غازبروم».
ويستهدف الاتحاد الأوروبي إنهاء اعتماده على الوقود الأحفوري الروسي بحلول عام 2027، كما انخفض إجمالي استهلاكه من الغاز جزئياً نتيجة التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة.
سجلت «غازبروم» خسارة صافية بلغت 7 مليارات دولار في عام 2023، وهي الأولى منذ عام 1999، العام الذي تولى فيه بوتين السلطة. واستمرت الشركة في تسجيل خسائر خلال الأشهر التسعة الأولى من 2024.
وتراجع سعر سهم «غازبروم» في منتصف ديسمبر إلى أدنى مستوى له منذ يناير 2009، مسجلًا 106.1 روبل، أي بانخفاض يزيد على الثلث منذ بداية 2024. وبعد أشهر من إعلان خسائرها السنوية، كشفت الشركة العام الماضي عن بيعها محفظة من العقارات الفاخرة، بما في ذلك فنادق مرموقة في موسكو وأرمينيا.
ومنذ سنوات، استثمرت «غازبروم» في العقارات الفاخرة، حيث استخدمتها لمكافأة موظفيها بالعطلات، واستضافة المؤتمرات والفعاليات الكبرى مثل دورة الألعاب الأولمبية الشتوية 2014.