على الرغم من التوترات المستمرة بين واشنطن وبكين، تخطط العديد من الشركات الأميركية للحفاظ على علاقاتها مع الصين أو توسيعها، بحسب تقرير جديد لـ«غرفة التجارة الأميركية».
وأظهر التقرير، الذي استند إلى جمع بيانات من استطلاع شمل ردوداً من حوالي 200 شركة أميركية على مدار العامين الماضيين، أن بعض الشركات قد سعت إلى تنويع عملياتها بعيداً عن الصين، بسبب تصاعد التوترات الجيوسياسية. ومع ذلك، لا يزال عدد كبير من الشركات يرى أن السوق الصينية مهمة للغاية.
وأشار حوالي 70% من أعضاء «غرفة التجارة الأميركية» الذين شملهم الاستطلاع إلى أنهم يخططون للحفاظ على علاقاتهم التجارية مع الصين أو زيادتها. وبالمثل، عبّر أكثر من 60% من المشاركين في الاستطلاع من جمعية المستشارين القانونيين للشركات، وهي مجموعة تمثل المهنيين القانونيين في الشركات، عن نفس النية.
وقالت ميغ ريثماير، أستاذة في كلية هارفارد للأعمال وأحد مؤلفي التقرير: «لم يحدث نزوح جماعي للشركات الأميركية من الصين. ومع ذلك، تأخذ الشركات المخاطر التي تشكلها الصين على محمل الجد، ولديها رغبة قوية في الحذر من هذه المخاطر»، وفقاً لما ذكرته صحيفة «وول ستريت جورنال».
لكن رغم نية الحفاظ على العلاقات، حدد 83% من المشاركين من غرفة التجارة و70% من المشاركين في جمعية المستشارين القانونيين الصين باعتبارها «الجغرافيا الأكثر قلقاً» من حيث المخاطر الجيوسياسية.
وتعد الشركات أن من أبرز مخاوفها هو أجندة الأمن القومي الصيني، مما أثار مخاوف من عمليات تحقيق وأفعال معادية أخرى. كما أشار التقرير إلى جهود الصين في مجال الابتكار التي قد تدفع الشركات الأجنبية إلى الخروج من السوق التي ساعدت على تطويرها، وزيادة حالة عدم الاستقرار في مضيق تايوان كأسباب رئيسة للقلق.
إلى جانب ذلك، سلّط التقرير الضوء على الصعوبة التي تواجهها الشركات العالمية في تحقيق التوازن بين رغبتها في الحفاظ على العلاقات مع الصين والمخاطر الجيوسياسية المرتبطة بذلك، خاصة في وقت تتجه فيه العلاقات بين الولايات المتحدة والصين نحو مزيد من التدهور.
وأبرز التقرير بعض الحالات المحددة لشركات أميركية تواجه تحديات في الصين، حيث تعرضت شركة «دوبونت» (DuPont)، المتخصصة في المواد الكيميائية، لتدقيق كبير بعد إعلان الصين عن إجراء تحقيق لمكافحة الاحتكار في عملياتها هناك، رداً على أحدث تدابير التعريفات التي فرضتها إدارة ترامب.
وفي العام الماضي، حققت «دوبونت» 19% من إيراداتها من الصين وهونغ كونغ، وهو ما يعكس مدى انكشافها على السوق الصينية، ويجعلها أكثر عرضة لتداعيات الإجراءات التنظيمية أو السياسية في بكين.
كما استعرض تقرير «غرفة التجارة الأميركية» عدداً من القوانين الصينية المتعلقة بأمن البيانات، والأمن السيبراني، ومكافحة التجسس، والتي تمنح الوكالات الحكومية صلاحيات واسعة للتدخل في أنشطة الشركات، واصفاً هذه المنظومة القانونية بأنها تمثل «حلقة وصل من المخاطر» بالنسبة للشركات العالمية.
ورغم أن بعض الشركات نقلت جزءاً من إنتاجها إلى خارج الصين، بسبب تصاعد المخاطر وركود الاقتصاد الصيني، فإن حجم هذا الاتجاه لا يزال من الصعب تحديده. وأوضح التقرير أن العديد من الشركات تتحفظ على الإعلان عن مثل هذه الخطوات خشية التعرض لإجراءات انتقامية من قبل السلطات الصينية.
ومنذ العام 2021، تباطأت الاستثمارات الأميركية المباشرة في الصين، فيما سجلت الاستثمارات الأجنبية المباشرة تراجعاً عالمياً بنحو 80% بين عامي 2022 و2023.
ساهمت الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الأميركية رداً على سياسات الصين في زيادة تعقيد البيئة التشغيلية أمام الشركات الأميركية. ففي الوقت الذي مارست فيه السلطات الصينية ضغوطاً على شركات أشباه الموصلات الأميركية لتوفير منتجاتها داخل السوق الصينية أسوة بما تقدمه في أسواق أخرى، أقرّت واشنطن قوانين تحد من قدرة هذه الشركات على البيع للصين أو توسيع أنشطة إنتاج معينة داخلها.
ومع تصاعد توجه «الانفصال» عن الصين في السياسات الأميركية، تخضع العمليات التجارية الأميركية داخل الصين ومعها لمستوى غير مسبوق من التدقيق، وفقاً لما أورده التقرير.
لكن بالرغم من هذه المخاطر، فإن حجم وأهمية السوق الصينية، إلى جانب شبكاتها المستقرة من الموردين والمصنعين، وقوة العمل المهرة لديها، جعلت معظم الشركات التي شملها الاستطلاع تعبر عن رغبتها في الحفاظ على أو توسيع تواجدها في الصين.
نتيجة لذلك، أوصى التقرير الشركات التي تربطها علاقات مع الصين بتأسيس لجنة لإدارة المخاطر الجيوسياسية أو الصينية، تقوم بالإبلاغ مباشرة إلى المدير التنفيذي أو مجلس الإدارة، لمراقبة التطورات القانونية والتنظيمية، وإدارة تعرضهم للمخاطر الجيوسياسية.