مع تصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وطرح رسوم جمركية تصل إلى 145% على المنتجات المصنّعة في الصين، تتزايد الضغوط السياسية داخل واشنطن لإعادة المصانع الأميركية إلى الداخل، تحت شعار دعم التصنيع الوطني والوظائف المحلية، لكن هل يمكن أن يصبح الآيفون "صُنع في أميركا" فعلاً؟
ولكن وفقاً لتحليل نشره بنك أوف أميركا، فإن فكرة التصنيع بالكامل في الولايات المتحدة قد تبدو «وطنية وجذابة» لكنها «باهظة إلى حد غير معقول».
وبحسب محللي البنك، فإن الكلفة سترتفع 25% بسبب الأجور الأميركية وحدها، وقد تتجاوز 90% إذا أٌضيفت الرسوم الجمركية المفروضة على المكونات المستوردة من آسيا.
تشير التقديرات إلى أن نقل 10% فقط من سلاسل التوريد الأميركية سيكلف «آبل» نحو 30 مليار دولار خلال 3 سنوات، أما نقل التصنيع بالكامل، فقد يؤدي إلى رفع سعر الأيفون إلى 3500 دولار، وفقاً لورقة تحليلية نشرتها شركة «ويدبوش سيكيورتيز» (Wedbush Securities) الأميركية المتخصصة بالخدمات المالية.
ووفقاً لشركة «روزنبلات سيكيورتيز» (Rosenblatt Securities) الأميركية المتخصصة بالوساطة المالية، فإن «آبل» قد تضطر لرفع أسعارها 43% في ظل الرسوم الحالية.
أبلغ مؤسس شركة آبل ستيف جوبز الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، أن آبل تحتاج إلى 30 ألف مهندس لتشغيل مصانع إنتاج أيفون، وهو عدد لا يمكن تأمينه محلياً.
أما الرئيس التنفيذي الحالي لشركة «آبل» تيم كوك، يؤكد أن وفرة المهارات في الصين وتراكم الموردين حول المصانع يمنح آسيا ميزة تنافسية يصعب تعويضها، وفقاً لصحيفة الغارديان البريطانية.
بحسب تقرير نشره موقع (GIGAZINE) الياباني، فإن تصنيع أيفون واحد يتطلب شبكة عالمية معقدة تشمل أكثر من 320 شريكاً حول العالم، وملايين العمال، ومئات المصاهر المنتشرة في 79 دولة.
ولذلك وصف الخبراء فكرة تصنيع «أيفون» داخل الولايات المتحدة بأنها «نظرياً جذابة، لكن فعلياً ضربٌ من الخيال».
وبالتالي، فإن أيفون منتج عالمي، تُصنع مكوناته في عشرات الدول، وحتى لو بُني المصنع في أميركا، فإن أبل ستبقى معتمدة على مكونات من الصين، كوريا، واليابان؛ ما يعني أنها ستواجه رسوماً جمركية ضخمة ما لم تحصل على إعفاءات. وبحسب «بنك أوف أميركا» فإن فرض «معاملة بالمثل» سيزيد التكلفة بنحو الضعف.
فرضت الولايات المتحدة خلال الفترة الرئاسية الأولى لدونالد ترامب رسوماً جمركية على المنتجات الصينية؛ ما جعل تكلفة تصنيع أيفون في الصين أعلى. ورغم ذلك، لم تنقل «آبل» الإنتاج إلى الولايات المتحدة مفضلة الهند وفيتنام.
ووفقاً لتقرير «فايننشال تايمز»، فإن «آبل» وسعت مصانعها في الهند، حيث باتت تصنع فيها 14% من أجهزة أيفون، كما نقلت مئات الأطنان من الأجهزة جواً لتجنب الرسوم المفروضة على الشحن البري.
وبدلاً من الولايات المتحدة، تبدو الهند خياراً أكثر واقعية، فبحسب تقارير من (YTN) الكورية وبلومبرغ، فإن «آبل» تعتزم توسيع الإنتاج هناك، وتستفيد من انخفاض التكلفة والحوافز الحكومية.
وصرحت لورا مارتن، كبيرة المحللين في (CNBC) بأن الوصول إلى إنتاج أيفون متكامل في الهند استغرق ثلاث سنوات، بينما سيستغرق وقتاً أطول بكثير في أميركا.
أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت أن لدى أميركا الموارد الكافية لتصنيع أيفون محلياً، واستشهدت باستثمار «آبل» البالغ 500 مليار دولار في الولايات المتحدة كدليل على ذلك.
لكن الواقع، كما يرى محللو «وول ستريت» هو أن هذه الاستثمارات تذهب نحو البحث والتطوير، وليس التصنيع الشامل.
وفقًا لتقديرات شركة «روزنبلات سيكيورتيز» (Rosenblatt Securities) فإن «آبل» قد تخسر عشرات المليارات من الأرباح إذا قررت عدم تمرير التكاليف للمستهلك النهائي، والمستهلك النهائي أيضًا سيكون خاسراً في الحالتين: إما عبر دفع أسعار أعلى أو عبر تراجع الابتكار والجودة.
أما «سامسونغ» وسواها من منافسي آبل، فقد يستفيدون من تراجع قدرتها على المنافسة السعرية.
رغم الضغوط السياسية، فإن التصنيع الكامل لـ«أيفون» في أميركا ليس حلاً سهلاً أو اقتصادياً، فالتكاليف، نقص الكفاءات، والتشابك العالمي لسلاسل الإمداد كلها عوامل تجعل الفكرة غير قابلة للتنفيذ على المدى القريب.
في الوقت الراهن، ستظل عبارة «صُنع في أميركا» شعاراً بعيد التحقيق، في عالم تصنع فيه التكنولوجيا على أكتاف قارات متصلة تجارياً واقتصادياً وفقاً للمعطيات الراهنة.