لو قيد للكاتب البريطاني هربرت جورج ويلز إعادة كتابة روايته (آلة الزمن) التي صدرت في العام 1895 لأصبحت نظرته ربما أكثر تفاؤلاً مع تسارع وتيرة التغييرات والتطورات التكنولوجية ومخاطرها المحتملة.
في الرواية يقوم الكاتب برحلة استكشافية عبر الزمن منتقلاً إلى مستقبل بعيد (802,701 بعد الميلاد) عبر آلة، ناقش خلالها دور التقنية في تشكيل الإنسان وتأثيرها الاجتماعي، ووجد نوعين من الكائنات: الأيلو، وهم البشر المسالمون أبناء الأغنياء الذي لا يكدون ولا يتعبون في حياتهم، والمورولوك وهي كائنات تعيش تحت الأرض من أبناء الفقراء الذين يكدون للحصول على لقمة عيشهم، ويستخدمون الجنس الآخر كصنف من الطعام. ربما لو أعاد هربرت جورج ويلز كتابة روايته الآن لم يكن بحاجة إلى السفر إلى أكثر من عقد من الزمن حتى يلمس التغيرات المتسارعة، ولأعاد النظر في استنتاجاته ورسم صورة مغايرة لدور التقنية والآثار الاجتماعية والطبقية المترتبة عليها.
لو استعرت أنت آلة الزمن تلك وعدت فيها إلى مستقبل ليس ببعيد ربما 1500 سنة فقط، وحملت 100 مليون دولار، وذهبت إلى سوق لبيع الحلال، وعرضت على تاجر شراء خروف واحد مقابلها، فليس من المستبعد أن يتصدق عليك بهذا الخروف دون أخذ النقود، ويقول في قرارة نفسه ماذا أصنع في ورق. ربما يشفق عليك أيضا، ويأخذ هذه النقود ليستخدمها في إشعال موقد الطبخ، أو يتدفأ عليها في ليلة باردة.
بعد أن كانت التجارة والتبادل التجاري يتم في قديم الزمان من خلال المقايضة، تطورت إلى قطع النقود من الذهب والفضة التي تحافظ على قيمتها، ومن ثم العملة الورقية المغطاة بالذهب في القرن الثامن عشر، إلى العملات غير المغطاة بالذهب، والآن تقتحم المجال العملات المشفرة، والتي تشهد إقبالاً قوياً وارتفاعاً جنونياً مرتبطاً بتوقعات كونها عملة المستقبل.
فهل تنجح العملات المشفرة في الحفاظ على وتيرة ارتفاعها أم ستنهار مع عدم القدرة على ضبط تنظيمها؟
ربما يتبادر إلى الذهن مباشرة عند الحديث عن العملات المشفرة عملة بيتكوين التي لامست 100 ألف دولار للرمز الواحد خلال تلاوات أمس الجمعة في صعود خيالي وسط توقعات بتوفير بيئة تنظيمية مواتية بقدر أكبر في ظل إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب.
تتأثر العملات المشفرة بالبيئة الاقتصادية السياسة والتنظيمية، فقد زادت قيمة بيتكوين بنحو 45% منذ فوز ترامب الساحق في الانتخابات التي أجريت في الخامس من نوفمبر، وشهدت أيضاً انتخاب عدد كبير من المشرعين المؤيدين للعملات المشفرة في الكونغرس، لترفع مكاسبها بأكثر من 130% هذا العام وحده.
مع ذلك، كانت مكاسب العملة المشفرة أكثر تحفظاً الجمعة؛ فبعد أن لامست مستوى قياسياً جديداً أعلى من 99800 دولار، تراجعت العملة قليلاً ليجري تداولها عند ارتفاع بلغ 1.33% خلال اليوم عند نحو 99383 دولاراً.
وبدأ الزخم لتحقيق المزيد من الأرباح قوياً؛ إذ حققت مكاسب أسبوعية تزيد على 10% للأسبوع الثالث على التوالي، كما أنها في طريقها لتحقيق أفضل أداء شهري منذ فبراير.
وأدى ارتفاع قيمة بيتكوين إلى جعلها إحدى أكبر الفائزين فيما تسمى بالتداولات المراهنة على سياسات ترامب. ويبدو أن العملة المشفرة أصبحت على أعتاب القبول لدى التيار الغالب منذ بدء طرحها قبل 16 عاماً.
قال شين أوليفر، كبير خبراء الاقتصاد ورئيس إستراتيجية الاستثمار في شركة إيه.إم.بي سيدني: «كلما طالت مدة بقائها(بيتكوين)، يجري التعامل معها على محمل الجد، هذه هي حقيقة الأمور».
وتابع: «بصفتي خبيراً اقتصادياً ومستثمراً، أجد صعوبة بالغة في تقييم هذه الظاهرة، لا أحد يستطيع أن يتكهن بذلك. ولكن الأمر ينطوي على جانب من الزخم، وفي الوقت الحالي، فإن الزخم في ازدياد».
وأعلن ترامب تأييده للأصول الرقمية خلال حملته الانتخابية، ووعد بجعل الولايات المتحدة عاصمة العملات المشفرة على مستوى العالم، وتجميع مخزون وطني من عملات بيتكوين.
كما شكل إطلاق خيارات صناديق الاستثمار المتداولة في البورصة الخاصة بعملة «بيتكوين» في 5 نوفمبر، من خلال صندوق «آي شير بيتكوين تراست» التابع لشركة «بلاك روك»، تلاه منتجات أخرى من «غراي سكيل بيت ويس»، دافعاً قوياً يعزز مكانة «بيتكوين» كأصل رئيس، إلى جانب السلع التقليدية مثل الأسهم والسندات. وأدى نجاح صناديق الاستثمار المتداولة هذه إلى توسيع جاذبية «بيتكوين»، واستقطاب عدد متزايد من المستثمرين المؤسسيين الذين يتطلعون إلى دمج العملات المشفرة في محافظهم الاستثمارية.
يقول الرئيس التنفيذي لشركة «كريبتو كوانت» كي يونغ جو «تعكس بيئة السوق الحالية ثقة متزايدة في إمكانات (بيتكوين) على المدى الطويل، إذ أصبحت أكثر تكاملاً مع الأسواق المالية العالمية».
ويتوقع المحللون أن تتجاوز «بيتكوين» مستويات مئة ألف دولار، ويتوقع بنك ستاندرد تشارتر ارتفاعها إلى 200 ألف دولار بحلول نهاية عام 2025.
كما يدعم ارتفاع العملة المشفرة المضاربات الحادة التي تسيطر على الأسواق، والعرض والطلب. فهناك 21 مليون رمز من العملة المشفرة يجري استخراج 900 قطعة يومياً منها، ومع ارتفاع الطلب على هذه الرموز تواصل الأسعار الارتفاع.
لكن هناك من يحذر من تصحيح قوي قد يضرب بيتكوين بعد الارتفاعات القياسية خاصة مع التقلبات القوية في الأسواق التي شهدت ارتفاعات قوية خلال العام الحالي، وزادت وتيرتها بعد الانتخابات الأميركية، لذلك ينبغي توخي الحيطة والحذر.