مع انطلاق عملية التصويت لاختيار رئيس الولايات المتحدة، الثلاثاء، تواجه البلاد انقساماً حاداً ومشاعر قلق عميقة، إذ تأتي هذه الانتخابات الرئاسية في وقت تعاني فيه البلاد من ارتفاع الأسعار وسجل من الاضطرابات، بما في ذلك تبديل المرشحين في أواخر الصيف ومحاولتي اغتيال.
وبعد إنفاق مليارات الدولارات على الحملات الانتخابية والتنقل المكثف في مختلف أنحاء البلاد لحضور مئات الفعاليات، تشير آخر استطلاعات الرأي، بحسب تقرير صحيفة «وول ستريت جورنال»، إلى سباق متقارب بين المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس والمرشح الجمهوري دونالد ترامب في سبع ولايات متأرجحة.
ويتنافس كلا الحزبين على السيطرة على الكونغرس، مع توقعات تشير إلى أن الجمهوريين لديهم فرص جيدة لتأمين الأغلبية في مجلس الشيوخ الأميركي. في المقابل، قد تواجه الأغلبية الضئيلة الحالية للجمهوريين في مجلس النواب خطراً، حيث من المتوقع أن تعتمد النتائج على بضع عشرات من المقاعد.
وأشار التقرير إلى أن ترامب لم يقبل خسارته في انتخابات 2020 ولا يزال يروّج لادعاءات غير مثبتة حول تزوير العملية الانتخابية. وقد أعرب عن ثقته في التفوق على هاريس بسهولة، مثيراً الشكوك حول نزاهة التصويت هذا العام. من جهة أخرى، تتوقع حملة هاريس أن يعلن ترامب النصر مبكراً، كما فعل في عام 2020.
وتشير التحليلات السياسية إلى احتمال عدم ظهور فائز واضح في يوم الانتخابات إذا بقي السباق متقارباً، كما توضح استطلاعات الرأي. وقد يؤدي هذا السيناريو إلى عملية فرز مطولة ونزاعات قانونية محتملة، إذ أعد كلا الحزبين فرقاً قانونية للتعامل مع القضايا المتعلقة بالتصويت.
في الساعات الأخيرة التي تسبق الانتخابات، أظهرت حملة هاريس تفاؤلاً حذراً، إذ أعربت رئيسة الحملة، جين أومايلي ديلون، عن ارتياحها لجهود تعبئة الناخبين في الولايات المتأرجحة ولاحظت حماساً كبيراً من القاعدة الشعبية. وفي ليلة الانتخابات، خاطبت هاريس أنصارها في ألينتاون، بنسلفانيا، مؤكدةً ضرورة «إنهاء الحملة بقوة»، ومعلنةً بثقة: «ولا تنسوا، سنفوز».
كما عبّرت حملة ترامب عن ثقتها في الفوز، مستندةً إلى استطلاعات الرأي التي تشير إلى أن مرشحهم في وضع أقوى مقارنة بحملاته في عامي 2016 و2020. وقد تبنى الحزب الجمهوري التصويت المبكر، مما أتاح لهم تركيز جهودهم على دفع باقي المؤيدين إلى صناديق الاقتراع.
ومع ذلك، غُيّبت رسالة ترامب بسبب أخطاء غير مبررة وروايات مثيرة للجدل أبرزت نقاط ضعفه، بما في ذلك استخدامه لصور عنيفة موجّهة إلى وسائل الإعلام والنائبة السابقة ليز تشيني، الجمهورية المناهضة لترامب. وأشار استطلاع حديث للصحيفة إلى أن المزيد من الناخبين يعتقدون أن هاريس تمتلك الصفات المناسبة لتولي منصب الرئاسة.
وخلال تجمع في ولاية كارولينا الشمالية يوم الاثنين، أعاد ترامب طرح انتقاداته، مستهدفاً رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي، مشيراً إلى فعلها الشهير بتمزيق خطاب «حالة الاتحاد» الذي ألقاه ترامب في عام 2020.
بحسب التقرير، تُعد بنسلفانيا، التي تمتلك 19 صوتاً انتخابياً، الساحة الأكثر أهمية. بالنسبة لهاريس، فإن تأمين الانتصارات في ولايات مثل ويسكونسن وميشيغان وبنسلفانيا يُعتبر ضرورياً لتحقيق خطتها للوصول إلى البيت الأبيض. وقد صوتت هذه الولايات الثلاث لصالح الديمقراطيين منذ عام 1992، باستثناء عام 2016 عندما فاز بها ترامب.
وفي حال فوز هاريس، ستصبح أول رئيسة للبلاد، وأيضاً أول امرأة سوداء وأول شخص من أصل هندي يتولى هذا المنصب. بالمقابل، إذا انتصر ترامب، سيكون أول رئيس منذ غروفر كليفلاند في عام 1892 يُنتخب لفترات غير متتالية.
ومن المرجح أن تؤثر الفجوة الكبيرة بين الجنسين على نتائج الانتخابات، حيث تُظهر النساء دعماً قوياً لهاريس، بينما يميل الرجال إلى دعم ترامب. وكانت هذه الديناميكية واضحة من خلال تركيز هاريس على حقوق الإجهاض، في حين اتخذ ترامب نبرة أكثر حدة، مؤكداً أنه سيحمي النساء بغض النظر عن آرائهن.
ومنذ قرار المحكمة العليا بإلغاء قضية «رو ضد وايد» في عام 2022، لعبت النساء دوراً رئيساً في تحقيق عدة انتصارات ديمقراطية في الانتخابات غير الرئاسية. وقد ركزت هاريس في حملتها بشكل نشط على حقوق الإجهاض، حيث أظهرت استطلاعات الرأي أن هذه القضية تحفز النساء بشكل كبير.
ومنذ بداية التصويت، أدلى أكثر من 78 مليون أميركي بأصواتهم مبكراً، سواء بالحضور الشخصي أو عبر البريد، بما في ذلك 17.9 مليون صوت في الولايات السبع المتأرجحة، وفقاً لبيانات من مختبر الانتخابات بجامعة فلوريدا. وعلى الرغم من انخفاض معدلات البطالة، يتوجه العديد من الناخبين إلى صناديق الاقتراع بمزاج متشائم.
وأظهر استطلاع آخر لصحيفة «وول ستريت جورنال» أن نحو ثلثي الناخبين يرون أن البلاد تسير في الاتجاه الخاطئ. وعلى الرغم من بدء تراجع معدلات التضخم، فإن تأثيراته المستمرة قد أفادت ترامب، بينما واجهت حملة هاريس تحديات كبيرة.
وفي الأيام الأخيرة من الحملة، حافظت هاريس على نبرة متفائلة، مركزة على «طريق جديد للأمام» ومتجنبة الإشارات المباشرة إلى ترامب. من ناحية أخرى، استمر ترامب في إثارة الشكاوى حول خسارته في عام 2020، مستخدماً روايات مثيرة للجدل تضمنت تأملات حول العنف المحتمل ضده من وسائل الإعلام.
كما أكدت حملة هاريس على شمولية مبادرتها لتحفيز الناخبين، مشيرة إلى أن حملتها تتمتع بحجم أكبر وتنظيم أفضل مقارنة بحملة ترامب، التي تعتمد أساساً على مجموعات خارجية لإدارتها.
سعى كل من هاريس وترامب إلى تقديم نفسيهما كعوامل تغيير، رغم عدم وجود ادعاء واضح لأي منهما بهذا الشأن. واستغلت هاريس حقيقة أن ترامب شغل منصب الرئيس لفترة واحدة فقط لتصور ترشحه كتراجع، بينما انتقد ترامب دورها الحالي ضمن إدارة بايدن، التي لا تزال تحظى بسمعة غير شعبية.
ومنذ أن تولت هاريس الترشيح في يوليو بعد انسحاب الرئيس جو بايدن من السباق، قدمت نفسها كعنصر تغيير يُعبر عن جيل الستينيات، متميزة عن ترامب الذي يبلغ من العمر 78 عاماً. وركزت حملتها على مقترحات اقتصادية تهدف إلى خفض الأسعار، مؤكدة أن ترامب يمثل تهديداً للديمقراطية الأميركية. ومع ذلك، تواجه هاريس تحديات من الناخبين المحبطين بسبب التضخم واتجاه البلاد.
وسلط ترامب الضوء على قضايا الهجرة غير الشرعية، واقترح سياسات اقتصادية تهدف إلى زيادة الرسوم الجمركية لكسب مزيد من النفوذ في التجارة والعلاقات الخارجية. وتميزت حملته بلغة قوية، حيث اتهم المهاجرين بارتكاب الجرائم وتعهد بحملة ترحيل واسعة النطاق إذا انتُخب. في المقابل، تعهدت هاريس بفرض قيود أكثر صرامة على اللجوء مقارنة بإدارة بايدن، في محاولة لمواجهة اتهامات ترامب بأنها متساهلة جداً في هذا الجانب.
ورغم أن الديمقراطيين يتمتعون بميزة في الإنفاق على الحملة، إلا أن ترامب حصل على دعم كبير في المرحلة الأخيرة من الملياردير الأميركي إيلون ماسك، الذي استثمر ما لا يقل عن 118 مليون دولار في حملته. وتوقع التقرير أن يلعب ماسك دوراً كبيراً في خفض تكاليف الحكومة إذا فاز ترامب بالرئاسة.