قبل ساعات من انطلاق الانتخابات الرئاسية الأميركية، واحتدام الصراع بين المرشحة عن الحزب الديمقراطي «كامالا هاريس» والرئيس السابق «دونالد ترامب» عن الحزب الجمهوري، تُشير معظم التقديرات إلى أن الحسم سيكون لمن يملك حلولاً حقيقية للأزمات الاقتصادية التي تمر بها الولايات المتحدة الأميركية.
ويصوت الأميركيون لاختيار رئيسهم المقبل في انتخابات عامة تجرى، الثلاثاء، 5 نوفمبر 2024.
وصرح الخبير الاقتصادي الأميركي «نيك لوريس»، نائب رئيس السياسات العامة في شركة (C3 Solutions) والنائب السابق لمدير معهد توماس لدراسات السياسة الاقتصادية، لـ«إرم بزنس»، بأن هناك الكثير من المؤشرات الاقتصادية التي تُظهر أن الاقتصاد الأميركي قوي، إذ إن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي ثابت، والبطالة منخفضة عند نسبة 4.1%، بينما شهدت الأجور نمواً بنسبة 4.7%.
ومع ذلك، فإن هذه الأرقام غالباً ما لا تحظى بالتقدير الكافي من قبل الأسر الناخبة الأميركية، بسبب شعورهم بالتأثيرات المرتفعة للتضخم وتكاليف المعيشة.
وقدم لوريس مثالاً على ذلك، من خلال تحليل حديث من «بلومبرغ» أظهر أن دفعة أولى بنسبة 20% على منزل تكلف الآن 83% من دخل الأسرة، مقارنةً بـ65% في عام 2016.
وبلغ الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للربع الثالث من عام 2024 نسبة 2.8%، مما يدل على نمو الاقتصاد الأميركي بشكل ثابت منذ أن انخفض إلى مستويات غير مسبوقة خلال الربع الثاني من عام 2020 بسبب وباء كوفيد-19.
ثم انتعش الاقتصاد بنفس الوتيرة في الربع الثاني من عام 2021، حيث بلغ معدل النمو السنوي أعلى مستوى له منذ الخمسينيات، إذ سجل نسبة 6.5%، بزيادة قدرها 8.01% عن العام 2020. وكان معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة عن العام 2020 قد وصل إلى 2.21%، بانخفاض 4.68% عن عام 2019.
وأكد لوريس، الذي يعمل أيضاً كمستشار أول في مجال الطاقة والبيئة في شركة «مادروس» ويخدم في مجالس استشارية للسياسات في «كونسيرف أميركا» و«الائتلاف الأميركي للحفاظ على البيئة»، أن هذه التأثيرات الاقتصادية تُقلق المستهلكين وهم الناخبون، مشيراً إلى أن ترامب أو هاريس لن يتمكنا من إصلاح هذه المخاوف بسهولة. وسيتطلب الأمر سياسة نقدية جيدة مع انضباط مالي أفضل، مضيفاً أن كلا المرشحين يؤيدان الرسوم الجمركية، مما يجعل الوضع أسوأ وليس أفضل.
وبلغ معدل البطالة في سبتمبر الماضي نسبة 4.1%، ليظل منخفضاً منذ ديسمبر 2021، حيث تراوح بين 3.4% و3.9% خلال هذه الفترة.
من واشنطن، صرح سيف الحلفي، الباحث في الشؤون السياسية والاقتصادية الأميركية، لـ«إرم بزنس»، بأن الناخب الأميركي يحركه دائماً الاقتصاد، بما يتضمنه من توفير الوظائف، وتقليل نسب البطالة، ومعالجة التضخم، وأسعار الفائدة، وأزمة الإسكان، وأسعار الطاقة، إلى جانب معالجة ملف المهاجرين. ويُعرف الناخب الأميركي بتفاعله الكبير مع القضايا الاقتصادية مقارنةً بالقضايا الاجتماعية أو الثقافية الأخرى.
وأضاف الحلفي أن الناخب الأميركي اليوم يهمه مدى فهم الرئيس القادم وتقبل سياساته للقضايا الاقتصادية، وكيف سيتعامل معها. ولذلك، يُعتبر ترامب أو هاريس مطالبين بالبحث عن الطريقة المثلى لتقديم سياساتهم الاقتصادية لجذب الناخبين، وكيف سيقدم كل منهما حلولاً جذرية لأزمة البطالة، والسيطرة على الدين العام، ووقف ارتفاع التضخم.
وأفاد مؤشر أسعار المستهلك الأميركي، الذي يصدره مكتب إحصاءات العمل شهرياً، بأن معدل التضخم في سبتمبر الماضي بلغ 2.4%، في حين يستهدف بنك الاحتياطي الفيدرالي معدل تضخم بنسبة 2% على أساس سنوي. يقيس مؤشر أسعار المستهلك التغيرات في الأسعار التي يدفعها المستهلكون مقابل السلع والخدمات بما في ذلك الغذاء والغاز والإيجار. ويتأثر سعر الإيجار والرهن العقاري في البلاد بسعر الفائدة على الأموال الفيدرالية، المعروف أيضًا بسعر بنك الاحتياطي الفيدرالي، والذي يتراوح بين 5.25% إلى 5.50%.
وأكد الحلفي أن الناخب الأميركي يبحث عن الرفاهية من خلال زيادة الأجور، ولا تعنيه القضايا السياسية أو السياسة الخارجية، مما يُشكّل ضغطاً على المرشحين لتقديم خطط اقتصادية فعّالة تُلامس احتياجات الناس وتوقعاتهم.
وتباطأ نمو الأجور في الولايات المتحدة مقارنة بالعام الماضي، وأظهرت أحدث البيانات الصادرة عن بنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا أن النمو السنوي يسير بوتيرة أسرع بكثير مما كان عليه في عام 2020، حيث بلغ متوسط الأجور بالساعة 4.6% بنهاية سبتمبر الماضي. وكانت أعلى نسبة للأجور في الأول من يونيو 2022 حيث بلغت 6.7%، بينما كانت أدنى نسبة في الأول من سبتمبر 2013 بـ2.0%.
وبلغ معدل التضخم في نفقات الاستهلاك الشخصي في أغسطس الفائت نسبة 2.2%، فيما شهد الشهر نفسه ارتفاع نسبة ثقة المستهلك في الاقتصاد الأميركي، حيث ارتفعت النتائج الأولية لمؤشر ثقة المستهلك الصادر عن جامعة ميشيغان في أغسطس إلى 101.9 نقطة مقابل 81.1 نقطة في يوليو 2024.
وشهدت الانتخابات الرئاسية الأميركية استمرار ما يُعرف بالتصويت المُبكر الذي بدأ في الألفية الجديدة، بعدما كان مقتصراً على يوم الانتخابات الرئيسي. يختلف نظام التصويت المُبكر من ولاية إلى أخرى، وقد أبدى المرشحان ترامب وهاريس انفتاحاً هذه المرة على النظام دون أي اعتراضات عليه.
في خضم المعركة الانتخابية، يسعى كلا المرشحين الرئاسيين إلى خفض الأسعار وإبطاء التضخم. ويرغب ترامب في فرض رسوم جمركية تتراوح بين 10 إلى 20% على جميع الواردات الأجنبية، بالإضافة إلى فرض رسوم جمركية تصل إلى 60% على الواردات القادمة من الصين، ورسوم جمركية تتراوح بين 100 إلى 200% على واردات السيارات المُنتجة في المكسيك. ويعزى ذلك إلى رغبته في دعم الصناعة الأميركية وتقليل الاعتماد على الاستيراد.
كما تعهد ترامب بزيادة إنتاج النفط والغاز، ورغبته في إخضاع بنك الاحتياطي الفيدرالي لسلطة الرئيس مباشرة. ويتضمن برنامجه الاقتصادي تحديد أسعار الفائدة على بطاقات الائتمان عند حوالي 10%، في حين أن متوسط سعر الفائدة على بطاقات الائتمان يبلغ حاليًا 21.51%، حسب بيانات بنك الاحتياطي الفيدرالي.
فيما يتعلق بالضرائب، يرى ترامب ضرورة تمديد التخفيضات الضريبية في قانون خفض الضرائب والوظائف لعام 2017، والتي تنتهي صلاحيته في نهاية عام 2025. يتضمن قانون خفض الضرائب تخفيضات على ضريبة المواريث وعلى الدخل الفردي. كما ينوي المرشح الجمهوري خفض معدل ضريبة الشركات بنسبة 1%، من 21 إلى 20%، علاوة على منح إعفاءات ضريبية لأبحاث التطوير في الشركات.
وضمن خطته الاقتصادية المتعلقة بتوفير وحدات إسكان منخفضة للمواطنين الأميركيين، يخطط ترامب لترحيل ملايين المهاجرين غير الشرعيين. ولا يدعم ترامب المطالب بإعفاء شامل للطلاب من القروض، ويدعو إلى تقييدها، كما يدعو لإلغاء برنامج السداد المالي المعروف باسم (Save).
في الجهة المقابلة، تسعى مرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، إلى حظر التلاعب بالأسعار حال فوزها بالرئاسة، وتريد وضع قوانين تمنع شركات البقالة المتوسطة والكبرى من رفع الأسعار بشكل تعسفي دون موافقة الكونغرس. كما يشمل برنامج هاريس الاقتصادي سعيها نحو خفض تكلفة الأدوية، وزيادة الحد الأقصى لمساهمات المواطنين الأميركيين إلى 35 دولاراً على دواء الإنسولين، ومبلغ 2000 دولار على النفقات المباشرة لكبار السن.
تركز هاريس في برنامجها على الرعاية الصحية، وتوفير أكبر قدر ممكن من احتياجات المرضى من خلال تقليل الأسعار على الأدوية. كما تعتزم زيادة الحد الأدنى للأجور إلى 15 دولاراً في الساعة على الأقل، بدلاً من الرقم الحالي وهو 7.25 دولار، وهي المرة الأولى منذ العام 2009 التي سيتم فيها تحريك سعر الحد الأدنى للأجور إذا نجحت هاريس.
فيما يتعلق بالضرائب، ترغب هاريس في زيادة الضرائب المفروضة على الأثرياء الذين يتجاوز دخلهم 400 ألف دولار بنسبة 5%، وزيادة المعدل الضريبي على مكاسب رأس المال الطويلة الأجل إلى 28% على الدخل الخاضع للضريبة الذي يتجاوز مليون دولار. لكنها في الوقت نفسه ستعمل على زيادة الحوافز الضريبية للشركات الصغيرة من 5000 دولار إلى 50000 دولار، بهدف إنشاء قرابة 25 مليون شركة صغيرة في ولايتها حال نجاحها.
كما تخطط هاريس لتمديد الإعفاءات الضريبية الموسعة على أقساط التأمين بشكل دائم لمن ينضمون إلى التأمين الصحي. وتقترح إضافة حوافز ضريبية لبُناة المنازل من أجل إنشاء 400 ألف منزل جديد لأصحاب الدخل المنخفض، وبناء 3 ملايين وحدة سكنية بشكل عام خلال السنوات الأربع الأولى لها.
وتسعى أيضاً إلى خفض الإيجار من خلال قانون يمنع تثبيت الأسعار بين أصحاب العقارات، وتخفيف أعباء القروض الطلابية، وفرض قانون يسمح بمجانية التعليم الجامعي.
وعلى عكس ترامب، تدعم هاريس برنامج السداد (Save) وكل برامج السداد المعتمدة على الدخل الشهري للمواطن الأميركي.