تواصل الليرة السورية تراجعها الحاد أمام الدولار، ما يؤدي إلى تفاقم معدلات التضخم وانخفاض القدرة الشرائية للمواطنين. في 9 أبريل، بلغ سعر الصرف في دمشق 10,650 ليرة سورية للدولار الأميركي، وهو ما يمثل فارقاً شاسعاً مقارنة بعام 2016 عندما كان السعر نحو 300 ليرة فقط للدولار. هذا الانخفاض المستمر في قيمة الليرة يطرح تساؤلات جدية حول مستقبل العملة السورية، خاصة مع العجز الواضح في احتياطات المصرف المركزي والقيود المفروضة على السيولة النقدية.
وسط هذه الأزمة المتصاعدة، برز اقتراح جديد من الخبير الاقتصادي السوري جورج خزام، الذي دعا إلى إصدار «نيو ليرة سورية» كبديل للعملة الحالية، في محاولة للحد من التضخم واستعادة الاستقرار المالي.
خزام يرى في تصريحات لموقع (Syria Steps) أن إزالة صفرين من العملة السورية الحالية أصبح ضرورة ملحة، مشيراً إلى أن المصرف المركزي يعاني من نقص حاد في السيولة، ولا يستطيع تلبية الودائع بسبب تآكل الاحتياطات النقدية.
يعاني الاقتصاد السوري منذ سنوات من تداعيات الحرب، التي أدت إلى تدمير واسع للبنية التحتية وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي، فضلاً عن العقوبات الاقتصادية التي حدّت من قدرة البلاد على استيراد المواد الأساسية. ومع الانخفاض الحاد في قيمة الليرة، ارتفعت أسعار السلع الأساسية بشكل غير مسبوق، ما جعل المواطنين يعانون من أزمة معيشية خانقة.
تشير التقارير إلى أن التضخم تجاوز مستويات غير مسبوقة، حيث باتت الأجور لا تغطي الحد الأدنى من تكاليف المعيشة. ووفقاً لتقديرات اقتصادية، فإن المصرف المركزي يواجه صعوبة في إدارة النقد المتداول، في ظل شح الاحتياطات الأجنبية واعتماد البلاد على التحويلات المالية الخارجية. كما أن الارتفاع المستمر في أسعار المواد المستوردة جعل الإنتاج المحلي غير قادر على المنافسة، ما أدى إلى تراجع النشاط الصناعي والتجاري.
يرى خزام أن الحل يكمن في إصدار عملة جديدة بفئات تبدأ من 5 ليرات جديدة وصولاً إلى 500 ليرة جديدة، على أن تحمل الفئات الجديدة رموزاً تاريخية من سوريا، بهدف تعزيز الثقة في العملة المحلية. كما يقترح إصداراً محدوداً لفئة 50,000 ليرة جديدة مزودة بميزات أمنية عالية، تُستخدم كسندات حكومية قابلة للتداول في السوق، ما يساعد على تقليل تكاليف طباعة العملة بكميات كبيرة.
لكن رغم وجاهة هذا الاقتراح، يثير محللون اقتصاديون تساؤلات حول فعاليته في ظل غياب إصلاحات اقتصادية جذرية. فمن دون سياسات نقدية صارمة وإجراءات حكومية لاستعادة ثقة الأسواق، قد يكون إصدار عملة جديدة مجرد حل تجميلي لا يعالج جوهر الأزمة. كما أن نجاح مثل هذه الخطوة يتطلب وجود احتياطات نقدية تدعم العملة الجديدة، وهو أمر يبدو بعيد المنال في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة.
واحدة من القضايا التي طرحها خزام في سياق اقتراحه، هي الدور الذي تلعبه مكاتب الصرافة داخل سوريا وخارجها في التحكم بسعر الصرف، ويشير إلى أن هذه المكاتب قد تكون مسؤولة عن تصريف السيولة النقدية داخل الاقتصاد السوري، ما يؤدي إلى تقلبات حادة في قيمة الليرة. كما تساءل عما إذا كان هناك دعم مالي خارجي يساهم في هذه التقلبات، وهو ما قد يشير إلى تدخلات غير معلنة تؤثر على الاستقرار النقدي في البلاد.
وتعتمد سوريا بشكل كبير على التحويلات المالية الخارجية، خاصة من المغتربين، لتعويض النقص في العملة الأجنبية. ومع ذلك، فإن السياسات النقدية الراهنة لم تتمكن من الاستفادة من هذه التدفقات بشكل فعال، حيث يستمر تدهور الليرة، على الرغم من دخول العملات الأجنبية إلى السوق.
مع تفاقم الأوضاع الاقتصادية، يبقى التساؤل الأبرز: هل يمكن لإصلاح العملة أن يكون بداية لحل الأزمة الاقتصادية، أم أن المشكلة أعمق من مجرد تغيير الأرقام؟ يرى بعض المحللين أن أي إصلاح نقدي يجب أن يترافق مع سياسات اقتصادية متكاملة، تشمل تحفيز الإنتاج المحلي، وتحسين بيئة الاستثمار، ورفع القيود عن التجارة، فضلاً عن إجراءات تهدف إلى مكافحة الفساد المالي والإداري.
دون هذه الإصلاحات الهيكلية، قد يكون إصدار «العملة الجديدة» مجرد تغيير شكلي لن يوقف تدهور قيمة العملة. فالتجارب السابقة في دول أخرى أظهرت أن إعادة تقييم العملة دون معالجة الأسباب الهيكلية للتضخم غالباً ما يؤدي إلى نتائج عكسية، حيث تفقد العملة الجديدة قيمتها بسرعة في غياب سياسات اقتصادية داعمة.