أجبر ارتفاع الأسعار، المواطن التونسي، وليد الفرجاني، على العزوف عن التسوق، في موسم التخفيضات الشتوية لشراء احتياجات أسرته.
وبالرغم من التخفيضات التي تتراوح بين 20 إلى 70%، لكنها لا تزال أعلى من قدرته الشرائية في ظل تدني الأجور وارتفاع التضخم.
وفي 15 يناير الجاري، انطلق موسم التخفيضات الشتوية، أو المعروف أيضاً في تونس باسم «الصولد»، ويستمر حتى بداية شهر مارس المقبل، وفقاً لما أعلنته وزارة التجارة وتنمية الصادرات التونسية.
ويتوقع أن يشارك ما بين 1700 و1750 محلاً تجارياً تشمل عدداً من القطاعات الرئيسة، أبرزها الملابس والأحذية، والإكسسوارات، وبعض التجهيزات المنزلية.
ورغم أن موسم «الصولد» يهدف إلى تنشيط المبيعات في الأسواق مرتين في العام صيفاً وشتاءً، إلا أن تجار وخبراء اقتصاديين تحدثوا مع «إرم بزنس» يرون عكس ذلك.
وعزا هؤلاء حالة الركود في الأسواق إلى 3 عوامل هي استمرار ارتفاع التضخم، وتدني الأجور، وانخفاض القدرة الشرائية، ما دفع الكثير من التونسيين للعزوف عن الشراء مثلما فعل الفرجاني.
وبعد مرور أكثر من أسبوع على بدء موسم الصولد، يؤكد أحد أصحاب محال الملابس محمد بن سعيد في حديث مع «إرم بزنس»، ضعف الإقبال، رغم تجهيزاته بعرض الملصقات الحمراء التي تبرز نسب التخفيضات على واجهة المحل.
ويرجح التاجر التونسي وآخرون، أن تقل مبيعات هذا الموسم بنسبة تتراوح بين 40 إلى 50% مقارنة بمواسم «الصولد» السابقة في ظل تراجع الإقبال، رغم التقديرات التي كانت تشير إلى أن التخفيضات تسهم في زيادة المبيعات بنحو 20% عن الأيام العادية.
هذا القطاع يعاني ركوداً خلال السنوات الماضية، حيث اضطر العديد من أصحاب المحال التجارية إلى إغلاقها لعجزهم عن تغطية تكاليف أجور العمال ومواجهة الأعباء المتزايدة، مثل ارتفاع الضرائب، وتكاليف الشحن والتوزيع، ما زاد من الضغوط عليهم.
ومع استمرار الارتفاع في الأسعار، بات العديد من التونسيين يفضلون شراء مستلزماتهم من «محال الفريب» التي تبيع الملابس المستعملة كملاذ لهم للعثور على ما يحتاجونه بأسعار أكثر تناسباً مع دخلهم، وفق التاجر التونسي.
ويرجع التاجر التونسي استمرار حالة الركود التي يشهدها القطاع لكونها نتيجة مباشرة للتحديات الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي تمر بها تونس منذ جائحة كورونا في عام 2020، والتي ألقت بظلالها على مختلف جوانب الحياة الاقتصادية في البلاد.
وطالب سعيد، الجهات الرسمية المعنية بتقديم الدعم للتجار من خلال تخفيض الضرائب على البضائع، وخفض الرسوم الجمركية، وذلك بهدف تمكينهم من تسويق منتجاتهم بأسعار تتناسب مع القدرة الشرائية للمواطنين التونسيين.
ورفعت موازنة 2025، الضرائب على الشركات التي يبلغ حجم مبيعاتها 20 مليون دينار (6.2 مليون دولار) أو أكثر إلى 25% من 15%. كما تستهدف خفض أجور الموظفين إلى 13.3% من الناتج المحلي الإجمالي من 13.6% في العام 2024.
وفي هذا السياق، رأى أستاذ علوم الاقتصاد في جامعة نابل، آرام بلحاج، أن هناك فجوة كبيرة بين القدرة الشرائية والدخل الأسري في تونس، ما يعيق تحفيز الحركة التجارية في البلاد.
وأشار بلحاج، في حديثه مع «إرم بزنس»، إلى أنه رغم تخفيضات موسم «الصولد»، فإن أسعار المنتجات المعروضة لا تزال مرتفعة عن قدرة المواطنين ودخولهم، وبالتالي أصبحت غير جاذبة لتحفيزهم على الشراء.
وعزا أستاذ الاقتصاد هذا الوضع، إلى استمرار تأثير معدلات التضخم التي ما زالت عند مستويات مرتفعة، رغم تراجعها في العام الماضي، ما أسفر ذلك عن وجود أولويات أخرى لدى المستهلكين لتلبية احتياجاتهم الأساسية في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة.
ويبلغ الحد الأدنى للأجور في تونس حالياً 459 ديناراً (نحو 147 دولاراً)، وهو يعد من بين أدنى الأجور على مستوى العالم، قبل أن يتم زيادتها على مرحلتين الأولى في مايو الماضي بنسبة 7% والثانية خلال الشهر الجاري بنسبة 7.5%.
وتظهر بيانات المعهد الوطني التونسي، تراجع معدل التضخم في تونس لعام 2024 إلى 7% مقابل 9.3% خلال العام 2023، ولكنه ما زال عند مستويات أعلى بكثير مقارنة بـ 3% في العام 2010.
بينما أرجعت الباحثة التونسية، ألفة السلامي، في حديثها مع «إرم بزنس»، حالة الركود في الأسواق، إلى ارتفاع معدلات البطالة بين التونسيين، ما يؤثر على حجم الموارد المالية المتاحة لدى الأسر للإنفاق الاستهلاكي.
كما أرجعت أيضاً ضعف الإقبال إلى قرب شهر رمضان، وبالتالي فإن الأسر تفضل الاحتفاظ بميزانياتها لتلبية مستلزماتها من السلع الغذائية استعداداً للشهر الكريم، بدلاً من إنفاقها على الملابس والأحذية والإكسسوارات.
ولفتت السلامي، إلى دور القانون المتعلق بطرق البيع والإشهار التجاري، والذي لا يسمح للمحال التجارية بتقديم تخفيضات على كل ما لديها من منتجات، وإنما على عدد محدود منها، إلى جانب الظروف الاقتصادية والاجتماعية للتونسيين، ومن ثم فإن الخيارات المتاحة أمام المستهلكين قليلة.
وبحسب المعهد الوطني للإحصاء، بلغ معدل البطالة في الربع الثالث من العام الماضي 16%، وقدر عدد العاطلين عن العمل بنحو 667,2 ألفاً مقابل 661,7 ألفاً في الربع الثاني.
وينص القانون رقم 40 لسنة 1998 المنظم لمهنة التجارة وعروض التخفيضات الدورية على أن موسم التخفيضات يشمل فقد البضائع التي تعرض في المحلات لأكثر من 90 يوماً، في حين البضائع الأخرى التي تقل عن 90 يوماً لا تخضع للتخفيضات.
ولهذه الأسباب، تقدم رئيس الغرفة الوطنية لتجار الملابس الجاهزة، محسن بن ساسي، بمقترح لوزارة التجارة وتنمية الصادرات من أجل تنقيح هذا القانون لمرور أكثر من 26 عاماً عليه، وأصبح غير مناسب لتطورات السوق واحتياجات القطاع.
وشدد بن ساسي، على ضرورة إدراج جميع البضائع لدى المحال التجارية ضمن مواسم التخفيضات، من أجل زيادة المعروض من المنتجات، والمساهمة في زيادة حركة المبيعات التي تعاني من ركود خلال الأيام الماضية، بحسب تصريحات أوردتها الإذاعة الوطنية في تونس.
في المقابل، أكدت مديرة الأسعار والمنافسة بوزارة التجارة وتنمية الصادرات، نوال الخالدي، أنه جار دراسة مطالب التجار وتنقيح القانون من أجل العمل على إدراج الممارسات التجارية الجديدة مثل المتاجر الإلكترونية، والبيع عبر وسائل التواصل الاجتماعي على أن تشملها التعديلات المرتقبة، وفق إعلام محلي.