مع انهيار النظام السوري وإمكانية عودة سوريا إلى طبيعتها كبلد خال من الأزمات، تلوح في الأفق آمال انتعاش اقتصادي وتجاري في المنطقة، خصوصاً في مجال التجارة البرية التي كانت إحدى الركائز الأساسية للحركة الاقتصادية بين المشرق والمغرب قبل تأثرها جراء الأحداث التي ألمت بسوريا منذ العام 2011، كما أن آمال عودة الهدوء التدريجي واستقرار سوريا في إطار سلطات جديدة منتخبة تبشر بإحياء قطاعات اقتصادية حيوية للمنطقة ككل.
منذ اندلاع الأحداث في سوريا قبل نحو 13 عاماً، تأثرت التجارة البرية بشكل كبير نتيجة الدمار الذي لحق بالبنية التحتية، وإغلاق الطرق، وتراجع الأمن. ما أثر على الدول المجاورة التي كانت تعتمد على سوريا كحلقة وصل جغرافية للتجارة، كالعراق، الأردن، لبنان وتركيا.
وبحسب تقرير للبنك الدولي قبل 4 سنوات، فقد أدى انخفاض حركة التجارة العابرة لسوريا وتعطل صادرات الخدمات، مثل السياحة، إلى تأثير سلبي على الناتج المحلي الإجمالي الأردني بنسبة 3.1 نقاط مئوية. كما عانى المصدرون الأردنيون من تراجع في صادراتهم إلى سوريا بمقدار 75% من صادراتهم قبل العام 2010. إضافة إلى تأثر شركات حكومية مشتركة بين الأردن وسوريا، أبرزها الشركة الأردنية السورية للنقل البري، والشركة الأردنية السورية للنقل البحري، وتلاشي أساطيلهما وتسريح العمالة.
وفقاً لتقرير البنك ذاته، كان هناك تأثير واضح على الناتج المحلي الإجمالي اللبناني، إذ تسبب تراجع حركة التجارة عبر سوريا وتعطل صادرات الخدمات في انخفاض الناتج المحلي الإجمالي اللبناني بنسبة 2.9 نقاط مئوية، فيما ازداد الإنفاق الحكومي بسبب ارتفاع أعداد اللاجئين إلى 1.6 مليون (37% من إجمالي سكان لبنان بنهاية العام 2014) ما حمّل الحكومة اللبنانية مليارات الدولارات نفقات لتلبية الطلب المتزايد على الخدمات العامة.
على الجانب التركي، ورغم أن تدفق اللاجئين أدى إلى زيادة حجم اقتصاد البلاد، إلا أن متوسط نصيب الفرد من الدخل انخفض بنسبة 1.5% مقارنة بالمستويات التي كان يمكن تحقيقها لو لم تنشب الأزمة السورية بحسب التقرير.
كما كان لتعطيل التجارة والنقل عبر الشبكات البرية أثر في تدفقات التجارة الإقليمية مؤدياً إلى خسائر اقتصادية كبيرة علاوة على تراجع السياحة.
من المتوقع، في حال تمت إعادة ترتيب الأوضاع في سوريا، أن تستعيد البلاد دورها محوراً إستراتيجياً للشحن البري بين الشرق والغرب، من خلال فتح الطرق البرية لتدفق الشحنات من دول الخليج والعراق عبر سوريا إلى تركيا وأوروبا والعكس؛ ما يخفض التكاليف ويرفع كفاءة النقل.
تبرز الشركتان، الأردنية السورية للنقل البري، والأردنية السورية للشحن البحري، في مقدمة الشركات الحكومية المعنية بالتعافي التجاري، وكانت شركة النقل البري تأسست لتكون جسراً للتجارة بين البلدين، لكنها توقفت عن العمل منذ اندلاع الأزمة السورية، فيما كانت شركة النقل البحري لاعباً يعتمد عليه في حركة التجارة البحرية.
ومع التحسن المرتقب للأوضاع، هناك آمال كبيرة بإعادة تفعيل نشاطهما؛ ما يسهم في تحسين العلاقات الاقتصادية بين الأردن وسوريا.
قدم رئيس غرفة تجارة الأردن، خليل الحاج توفيق، رؤية اقتصادية إيجابية للمنطقة في حال هدوء الأوضاع في سوريا، مؤكداً في تصريح لـ«إرم بزنس» أن هذا الاستقرار والمتمثل بحكومة جديدة منتخبة سيؤدي إلى تأثيرات إيجابية كبيرة على التجارة والسياحة لدول كثيرة محيطة بسوريا أبرزها الأردن ولبنان، كما أشار إلى أن إعادة فتح معبر «باب الهوى»، الذي يعتبر شرياناً حيوياً للتجارة والمستوردات بين أوروبا والخليج عبر سوريا، سيوفر الوقت والتكاليف بشكل كبير.
الحاج توفيق أضاف أن التجارة بين دول المنطقة لم تتوقف كلياً خلال الأزمة السورية، لكن تكاليفها ارتفعت بسبب الاعتماد على الشحن البحري بدلاً من الطرق البرية نتيجة إغلاق المعابر الحدودية. وأوضح أن إزالة العوائق بين الدول، خصوصاً مبدأ تطبيق المعاملة بالمثل، التي شكلت عائقاً أمام التجار، وإنهاء الفلتان الأمني على الحدود، وما يتبعه من آثار سلبية عميقة، ستُعيد جميعها النشاط التجاري إلى مستويات أعلى من السابق؛ ما ينعكس إيجابياً على جميع دول المنطقة، بما فيها الأردن، لبنان، العراق ودول الخليج.
كما أشار الحاج توفيق إلى أن إسهام العودة المحتملة للاجئين إلى سوريا في تخفيف معدلات البطالة داخل الدول المستضيفة، وتخفيف الأعباء المالية على موازناتها، كما أن إلغاء قانون «قيصر» سيتيح المجال لتبادل تجاري كبير ومهم بين سوريا والدول المجاورة؛ ما يعزز فرص النمو الاقتصادي في المنطقة.
وأوضح أن النشاط التجاري المزدهر سيواكبه انتعاش في قطاع السياحة، حيث من المتوقع عودة الحركة السياحية إلى مستوياتها الطبيعية؛ ما يسهم في تنشيط الاقتصاد وتعزيز الروابط الإقليمية.
رغم الآمال الكبيرة، لا تزال هناك تحديات تواجه استعادة النشاط التجاري، منها ترميم البنية التحتية المدمرة على مدى 13 عاماً، وضمان استقرار الأوضاع الأمنية بالسرعة الممكنة في ظل سلطات سورية رسمية منتخبة، إضافة إلى العقوبات الدولية المفروضة على سوريا في عهد النظام السابق والتي تستوجب إزالتها.
فرصة ذهبية يشكلها تعافي التجارة البرية والبحرية عبر سوريا، للدول المجاورة وللاقتصاد الإقليمي ككل. ومع عودة سوريا إلى طبيعتها، من المتوقع أن تشهد المنطقة انتعاشاً اقتصادياً يسهم في تعزيز التعاون بين الدول، ويفتح الباب أمام مشاريع تجارية كبرى، فيما يعتمد نجاح هذا التعافي على مدى سرعة استقرار سوريا واستعداد الدول لدعم هذا التحول.