مع مناقشة مجلس النواب المصري مشروع قانون «الضمان الاجتماعي والدعم النقدي»، الذي حصل على موافقة مبدئية، تقترب القاهرة خطوة من الانتقال إلى نظام دعم أكثر كفاءة وشمولية.
يأتي هذا المشروع، الذي تقدمت به الحكومة إلى البرلمان الشهر الماضي، للانتقال إلى الدعم النقدي بدلاً عن العيني، وتحويله إلى منظومة قانونية مؤسسية تُنظم تقديم المساعدات للمحتاجين بأسلوب يراعي العدالة الاجتماعية واستدامة الموارد.
وتسعى الحكومة المصرية، بعد إقرار مشروع القانون الجديد، إلى التخلي عن الدعم العيني الذي تطبقه منذ عقود طويلة تعود إلى أربعينيات القرن الماضي، والتحول الكامل إلى نظام الدعم النقدي بحلول يوليو 2025، وفقاً لتصريحات سابقة لرئيس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي.
ويؤكد خبراء اقتصاد لـ«إرم بزنس» أن مشروع قانون الضمان الاجتماعي يمثل خطوة إيجابية للقضاء على الهدر الذي صاحب منظومة الدعم العيني وتسربه إلى غير المستحقين، وتحسين مستوى معيشة الفئات المستهدفة، وتعزيز العدالة الاجتماعية.
كما أشاروا إلى أن مشروع القانون يستهدف توسيع دائرة المستفيدين من الحماية الاجتماعية، ويسهم في تعزيز التمكين الاقتصادي، مما يساعد في تقليل الفجوات الاقتصادية وتمهيد الطريق نحو تحقيق التنمية المستدامة.
وتعتبر وزيرة التضامن الاجتماعي المصرية، مايا مرسي، مشروع القانون «نقلة نوعية» في منظومة الدعم الاجتماعي، حيث يهدف إلى تحويل برامج الدعم الحالية، مثل «تكافل وكرامة»، إلى حقوق ينظمها القانون الذي يلتزم بمعايير حقوق الإنسان، وفق بيان سابق صادر عن الوزارة.
كما يسعى مشروع القانون - بحسب البيان - إلى تحقيق استدامة الدعم النقدي من خلال التحقق السنوي من استحقاق المستفيدين، وضمان أن يكون التمويل من موازنة الدولة بدلاً من الاعتماد على قروض ومنح مؤقتة، مما يعزز الجهود الحكومية لتحقيق العدالة الاجتماعية.
ويستهدف التشريع الجديد، وفق مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية عبد المنعم السيد، الأسر الأكثر فقراً، وذوي الإعاقة، وكبار السن، والأيتام، مع إضافة فئات جديدة للمستفيدين لم تكن مشمولة بالدعم في السابق، كالعاملين في القطاعات غير الرسمية، والمرأة غير المعيلة فوق سن الخمسين.
ويحصل المستفيد من منظومة الدعم العيني الحالية، على سلع أساسية من خلال منافذ وزارة التموين عبر «بطاقة إلكترونية» تمنح كل فرد ضمن البطاقة سلعاً بـ50 جنيهاً (نحو 1 دولار)، كما يحصل يومياً على 5 أرغفة من الخبز المدعم من المخابز البلدية بسعر 20 قرشاً (0.0041 دولار) للرغيف الواحد.
ويشير السيد، في حديث لـ«إرم بزنس»، إلى أن مشروع القانون يعزز من شبكة الضمان الاجتماعي، كما يتضمن نصوصاً تُلزم الأسر المستفيدة بالاستثمار في صحة أطفالهم وانتظامهم في التعليم، إضافة إلى العمل على تمكينهم اقتصادياً للخروج تدريجياً من دائرة الفقر.
ورفعت الحكومة المصرية مخصصات دعم رغيف الخبز ودعم سلع البطاقة التموينية إلى 134 ملياراً و200 مليون جنيه (2.6 مليار دولار)، في موازنة العام المالي 2024-2025، مقابل 127.7 مليار جنيه (2.5 مليار دولار) بموازنة العام المالي السابق، وفق وزارة المالية.
ويؤكد السيد أن هذا المشروع يتيح أيضاً وصول الدعم بشكل مباشر للأسر المستحقة، ويسهم في خفض هدر الموارد، وتحقيق حوكمة البرامج الاجتماعية والقضاء على الفساد الذي شاب نظام الدعم العيني من خلال توفير حماية اجتماعية فعّالة، قائمة على بيانات دقيقة يتم تحديثها دورياً، لضمان وصول الدعم لمستحقيه.
مشروع قانون الضمان الاجتماعي الذي يناقشه البرلمان المصري حالياً ينص على تقديم نوعين من الدعم النقدي الذي يتولى رئيس الوزراء تحديد قيمته على أن تتم مراجعته كل ثلاث سنوات لضمان توافقه مع المتغيرات الاقتصادية، بما في ذلك معدلات التضخم.
ويشمل النوع الأول الدعم النقدي المشروط «تكافل»، ويقدم مساعدات نقدية مشروطة للأسر الفقيرة التي لديها أبناء معالون لا يزيد سنهم على 26 عاماً، أو حتى انتهاء دراستهم الجامعية.
وأُضيف إلى هذا البرنامج ثلاث فئات جديدة هي: المرأة المنفصلة عن زوجها دون وقوع طلاق، وطلاب الجامعات من الأسر المستفيدة، وأسر من يؤدون الخدمة الوطنية.
أما النوع الثاني من الدعم النقدي غير المشروط «كرامة»، ويشمل الفئات الأشد فقراً، والتي تعاني ظروفاً استثنائية تمنعها من العمل أو تحسين مستوى معيشتها.
وتشمل الفئات المستهدفة في هذا النوع من الدعم: المرضى بأمراض مزمنة غير قابلة للشفاء، والأيتام كريم النسب، والنساء غير المعيلات فوق 50 عاماً، وكبار السن والمواطنين غير القادرين على العمل، وفئات فقيرة من قدامى الفنانين، الرياضيين، والأدباء.
ويصل عدد المستفيدين من منظومة الدعم العيني للخبز 71 مليون مواطن، فيما يصل عدد المستفيدين من منظومة التموين 63 مليون مواطن، حسب تصريحات سابقة لرئيس الحكومة.
في حين يعتبر رئيس مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية خالد الشافعي، مشروع القانون الجديد بأنه امتداد لبرامج الدعم الاجتماعي القائمة، مثل برنامج «تكافل وكرامة»، الذي انطلق عام 2015، ويشمل الأسر تحت خط الفقر، مع أولوية للأسر التي تعيل أطفالًا، والمواطنين فوق 65 عامًا، وذوي الإعاقة، ويضم البرنامج حالياً 21 مليون مستفيد، بتمويل بلغ 41 مليار جنيه مصري (806,8 مليون دولار) في موازنة العام المالي الحالي.
ويُعدّد الشافعي مزايا مشروع القانون أثناء حديثه مع «إرم بزنس»، في حوكمة برامج الدعم، حيث سيعتمد التشريع المرتقب على قواعد بيانات دقيقة مرتبطة بالمؤشرات الاقتصادية، مثل معدلات التضخم، لتحديد المستحقين.
ويضيف على ذلك، ميزة استدامة الدعم، حيث يستهدف توفير التمويل من الموازنة العامة، بدلاً من القروض أو المنح المؤقتة، فضلاً عن مرونة الاستجابة للأزمات، من خلال تمكين الحكومة من تقديم مساعدات نقدية طارئة أثناء الكوارث الطبيعية أو الأوبئة. كما يتميز مشروع قانون الضمان الاجتماعي أيضاً، بالتمكين الاقتصادي، حيث يلزم بعض نصوصه الأسر المستفيدة باستثمار الدعم في التعليم والصحة لضمان مستقبل أفضل، مما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة، وفق الشافعي.
وإذا كان مشروع القانون الجديد يتميز بتوسيع دائرة الفئات المستحقة وحوكمة منظومة الدعم، فإنه ينعكس أيضاً بالإيجاب على الاقتصادي المصري، كما يشير الخبير الاقتصادي ورئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية رشاد عبده.
ويصف عبده في حديث مع «إرم بزنس» أن التحول من الدعم العيني إلى النقدي خطوة محورية نحو تحسين كفاءة منظومة الحماية الاجتماعية في البلاد، ومعالجة أوجه القصور في النظام الحالي وتقديم فوائد مباشرة للاقتصاد الوطني على عدة مستويات.
أولى هذه الفوائد، تقليل الهدر المالي والإداري الذي تزامن مع منظومة الدعم العيني بسبب تعرضه للتسرب وسوء الإدارة، مما أدى إلى إهدار موارد كبيرة للدولة دون تحقيق الأهداف المرجوة.
وأقر رئيس الوزراء المصري، في وقت سابق، بوجود شرائح غير مستحقة تستفيد من منظومة الدعم، رغم الجهود المبذولة لتنقية بطاقات الدعم ووضع معايير دقيقة لتحديد المستحقين. وتشمل هذه المعايير مستوى الدخل، وقيمة فاتورة استهلاك الكهرباء، ونفقات الهاتف المحمول، بالإضافة إلى عدد السيارات التي تمتلكها الأسرة وموديلاتها، وذلك وفقًا لتصريحات صحفية سابقة.
ولكن يرى رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية، أنه من خلال تقديم الدعم النقدي المباشر، يمكن للحكومة ضمان وصول المساعدات إلى المستحقين الفعليين، وتقليل الفاقد في الموارد.
كذلك يعتقد الخبير الاقتصادي أن الدعم النقدي سيوفر للمستفيدين حرية اختيار كيفية استخدام الأموال، الأمر الذي ينعكس إيجابياً على حركة الاستهلاك في السوق المحلي، ويحفز حجم الإنفاق المحلي، ويدعم قطاعات مختلفة مثل التجارة والخدمات، ويسهم في دفع عجلة النمو الاقتصادي.
ويرى عبده أن منظومة الدعم العيني كانت تشكل عبئاً كبيراً على موازنة الدولة، بسبب ارتفاع تكاليف تخزين وتوزيع السلع، ولكن من خلال الدعم النقدي، يتم تقليل هذه التكاليف الإدارية وتحقيق كفاءة أعلى في استخدام الموارد العامة.
ومع استمرارية مناقشة البرلمان المصري لمشروع القانون، يتجه التشريع المرتقب ليصبح أساساً لمرحلة جديدة من العدالة الاجتماعية في مصر. فهو لا يقتصر على تقديم الدعم المالي، بل يسعى لإعادة هيكلة منظومة الحماية الاجتماعية، بما يضمن تكافؤ الفرص وتقليص الفجوات الاقتصادية بين المواطنين.