وقد نفى الرئيس الصيني شي جين بينج هذه الادعاءات، مؤكدا أنه "لا يوجد ما يسمى بأزمة فائض الطاقة الإنتاجية لدى الصين". وتزعم السلطات الصينية أن السيارات الكهربائية، والألواح الشمسية، وغير ذلك من السلع في البلاد، متفوقة وأكثر قدرة على المنافسة من نظيراتها الغربية.
ومع ذلك فإن دراسة المشهد الصناعي في الصين تكشف عن مؤشرات واضحة تشير إلى فائض الطاقة الإنتاجية، وخاصة في قطاعات مثل الألواح الشمسية، والسيارات، والصلب. وفي بعض الصناعات، يبدو أن سيناريو فائض الطاقة الإنتاجية مهيأ للتفاقم مع إصرار الصين على توسيع قدراتها الإنتاجية على الرغم من ضعف الطلب المحلي.
ويعد تعريف "فائض الطاقة الإنتاجية" أمرًا صعبًا؛ لأنه من غير الواضح ما هو "الفائض" وبالمقارنة مع ماذا، فهل ينبغي مقارنة نطاق الصناعة في الصين والاستثمارات الجديدة مع نموها الحالي؟ أم مع نمو العالم؟ أم مع نمو الصين المستقبلي؟ لكن السياسيين الغربيين الذين يراقبون موجة من السلع الرخيصة يفضلون تحديد "فائض الطاقة الإنتاجية" بالنسبة للتعريف الأول، فيما تفضل بكين التعريف الثاني أو الثالث.
والأمر الواضح هو أنه منذ عام 2021، كثفت الشركات الصينية استثماراتها في التصنيع، حتى في ظل ضعف الطلب المحلي والصادرات. ويتجلى هذا الاتجاه بشكل خاص في القطاعات التي تفضلها بكين والتي غالبا ما تكون مدعومة، مثل السيارات الكهربائية.
وقد بلغ نمو الاستثمار في قطاع السيارات إلى ما يقرب من 25% على أساس سنوي في أوائل عام 2023، في حين كانت الزيادة في الاستثمار في الألواح الشمسية والرقائق والبطاريات أكثر وضوحا.
ومع تصاعد الاستثمار، تضاءلت هوامش الربح للمصنعين الصينيين، وخاصة في صناعة السيارات والصلب. كما انخفض صافي هوامش الربح لقطاع التصنيع في الصين ككل إلى أقل من 4% في أوائل عام 2024، وهو أقل بكثير من متوسط المستويات التي بلغت حوالي 6% في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
وقد دفعت معضلة فائض الطاقة الإنتاجية، المقترنة بضعف الطلب وانخفاض الهوامش داخل البلاد، المزيد من السلع الصينية إلى الأسواق العالمية، مما أدى إلى انخفاض أسعار منتجات مختارة وإضعاف المنافسين في الخارج. ومع ذلك، فقد اختلف التأثير باختلاف القطاعات، ففي حين ركز الساسة الغربيون على التهديد الذي تشكله السيارات الصينية، فإن الانخفاض الحاد في الأسعار حدث في ألواح الصلب والألواح الشمسية. وعلى العكس من ذلك، أظهرت أسعار بطاريات الليثيوم أيون زيادة ملحوظة منذ عام 2020، على الرغم من أنها شهدت انخفاضًا سريعًا مؤخرًا.
وترتبط معضلة فائض الطاقة الإنتاجية في الصين بشكل معقد بسوق العقارات الضعيفة لديها، فقد تزامن ظهور الفائض مع تراجع كبير في قطاع العقارات في البلاد، وهذا ليس مجرد مصادفة. فقد أدى انكماش سوق العقارات إلى تراجع الطلب على الصلب ومواد البناء الأخرى. ومع انعدام القروض الرهنية، سمح الانكماش أيضًا بتحرير المدخرات الزائدة للاستثمار في قطاعات مثل السيارات والشرائح الإلكترونية ومصانع الخلايا الشمسية، بما يتماشى مع تفضيل بكين لنموذج النمو القائم على التصنيع بدلاً من العقارات والاستهلاك.
بالتالي، ما دام سوق العقارات في الصين في حالة من الركود، وطالما ان الأسر الصينية مستمرة في الادخار، وما دامت بكين عازمة على شق طريقها للخروج من المتاعب الاقتصادية، فمن غير المرجح أن تتحسن مشكلة فائض الطاقة الإنتاجية في الصين بشكل كبير.
ويجسد قطاع تصنيع الخلايا الشمسية فائض الطاقة الإنتاجية لدى الصين بأسوأ شكل، حيث يشكل، جنبًا إلى جنب مع التطبيقات النظيفة الأخرى للطاقة، واحدة من ما يسمى بـ "القوى الإنتاجية الجديدة" التي أبرزتها بكين كمحور أساسي في استراتيجيتها المستقبلية للنمو. ووفقًا للبيانات الرسمية، أنتجت الصين في عام 2023 أكثر من 450 جيجاوات من الخلايا الشمسية. وقد قامت بتركيب أقل من 220 جيجاوات داخل البلاد، وهو رقم ضخم ولكن لا يزال أقل من نصف ما تنتجه.
وتشير تقديرات كابيتال إيكونوميكس إلى أن الصين ستنتج حوالي 750 جيجاوات هذا العام. وإذا استمرت التركيبات على نفس المستوى، فسيعني ذلك أن الصين ستنتج حوالي 500 جيجاوات من الخلايا الشمسية "الزائدة" في عام 2024، أي ما يقرب من أربعة أضعاف إجمالي التركيبات في جميع أنحاء العالم في عام 2023.
وتواجه صناعة الصلب، التي تشكل جزءاً لا يتجزأ من الاقتصاد الصيني كأكبر منتج ومستهلك للصلب في العالم، تحديات مماثلة، إذ تتجه صادراتها عادةً إلى الارتفاع عندما تواجه سوق العقارات مشاكل. وعلى الرغم من ارتفاع معدل الاستهلاك المحلي للصلب مقارنة بذروة انخفاض أسعار العقارات الكبير السابق في عام 2015، وخلال الأزمة المالية العالمية في عام 2009، إلا أن هوامش الربح قد تدهورت بشكل أسوأ بكثير مما كانت عليه في عام 2015، ويرجع ذلك جزئيا إلى ارتفاع أسعار خام الحديد. وقد حفز هذا صانعي الصلب على البحث عن أسعار أعلى في الأسواق الخارجية.
وتتزايد المخاوف أيضًا في قطاع البطاريات، بعد أن كان توازن العرض والطلب العالمي يبدو أفضل حتى وقت قريب. أما الآن، فهناك علامات تحذير واضحة، حيث انخفضت أسعار تصدير البطاريات الليثيوم أيون الصينية بشكل حاد منذ نهاية عام 2023 مع تباطؤ ثورة السيارات الكهربائية العالمية. في الوقت نفسه، يستعد المصنعون الصينيون لتحقيق زيادة كبيرة في العرض، على الرغم من الجهود التنظيمية الأخيرة التي بذلتها بكين بهدف الحد من الاستثمارات في البطاريات المنخفضة التكلفة.
قدرت شركة جولدمان ساكس في العام الماضي أن سعة إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية الصينية، بعد التعديل للعائد، ستصل إلى حوالي 1000 جيجاوات في الساعة بحلول عام 2025، أي تقريبًا ضعف توقعات البنك للطلب الصيني. وتتوقع جولدمان أن تنخفض معدلات استخدام مصانع البطاريات خارج الصين من ما يقرب من 100% في عام 2022 إلى حوالي 80% بحلول عام 2026.
لقد تركز الاهتمام السياسي إلى حد كبير على صادرات الصين المتزايدة من السيارات وطاقتها الفائضة، نظراً لمدى أهمية قطاع السيارات بالنسبة للاقتصادات الغربية. ويبدو أن جنون الاستثمار في قطاع السيارات في الصين بدأ ينحسر، مع تباطؤ نمو الاستثمار بنحو 20% على أساس سنوي في عام 2023 إلى 5,7%، وهو ما يتماشى تقريبًا مع المتوسط التاريخي. ويبدو أن هوامش الربح قد استقرت أيضًا، وإن كانت عند مستوى أقل مما كانت عليه في الماضي.
بعبارة أخرى، بينما لا يزال فائض الطاقة الإنتاجية شديد الوطأة، فإنه قد لا يزداد سوءًا بسرعة، فحرب الأسعار في سوق السيارات في الصين وتباطؤ اعتماد السيارات الكهربائية في الخارج قد يحدان من الهوس بالاستثمار داخل البلاد.
ومع ذلك، فإن الهوامش في المعدات الكهربائية تتجه إلى الانخفاض مرة أخرى، وهو علامة تحذيرية أخرى بالنسبة لقطاعات الخلايا الشمسية وغيرها من المعدات مثل البطاريات.