في بلد تُشرق شمسه على آبار نفط لا تُعدّ، ويُفترض أن تنعكس ثرواته رخاءً على موائد مواطنيه، بات مشهد الأضاحي في ليبيا هذا العام مهدداً بالغياب مع ارتفاع التضخم وأسعار اللحوم.
وارتفعت أسعار اللحوم في ليبيا مؤخراً بنسبة تتراوح بين 15 و20% مقارنة بالفترة التي سبقت شهر رمضان؛ ما يجعل الأضاحي القادمة تحدياً مالياً إضافياً للأسر التي تعاني بالفعل ضعف القوة الشرائية، بسبب تراجع الدينار الليبي مقابل الدولار.
وتعتبر اللحوم بالنسبة لليبيين بمثابة عنصر أساس في النظام الغذائي اليومي، ولكنها أصبحت اليوم ترفاً لا يستطيع الكثيرون تحمله، حيث وصل سعر الكيلوغرام من لحم الضأن والماعز المحلي إلى ما بين 85 و90 ديناراً (15.3 دولار و16.1 دولار).
وبلغ سعر لحم الإبل 65 ديناراً (11.7 دولار)، أما لحوم الأبقار، فقد تراوحت بين 45 ديناراً (8 دولارات) للعظم و55 ديناراً (9.9 دولار) للحوم الحمراء، في حين تتراوح أسعار الدجاج بين 11.75 و14.5 دينار (2.1 دولار و 2.6 دولار) للكيلوغرام.
وفي حديثه مع «إرم بزنس»، يرى المحلل الاقتصادي خالد بوزعكوك، أنه نتيجة لهذا الوضع، تزايد الإقبال على اللحوم المجمدة المستوردة، حيث بلغ سعر الكيلوغرام الواحد من لحم البقر المستورد ما بين 32 و35 ديناراً، ولحم الخروف الأسترالي المجمد بين 33 و35 ديناراً.
وتشير تقارير إلى أن قيمة واردات اللحوم المجمدة ارتفعت من 343 مليون دولار في العام 2022 إلى 520 مليون دولار في 2023، ما يبرز اعتماد السوق الليبي المتزايد على الاستيراد لتعويض النقص المحلي.
وجاء في تقرير لمصرف ليبيا المركزي اطلعت عليه «إرم بزنس» أن الاعتمادات المستندية لتوريد اللحوم الحية حتى نهاية نوفمبر 2024 بلغت 423 مليون دولار، ما يمثل 4% من إجمالي الاعتمادات المستندية، وفي حين ارتفعت قيمة واردات اللحوم المجمدة من 343 مليون دولار في عام 2022 إلى 520 مليون دولار في عام 2023.
ويرجع المحلل الاقتصادي، ارتفاع أسعار اللحوم إلى تناقص الثروة الحيوانية؛ بسبب الجفاف وقلة الأمطار التي تراجعت من 400 مليمتر سنوياً إلى أقل من 200 مليمتر منذ العام 2019، وتقلص المراعي الطبيعية، وارتفاع أسعار الأعلاف ما بين 140 ديناراً و280 ديناراً حسب نوعيته.
وبحسب الهيئة العامة للمعلومات، تمتلك ليبيا نحو 6 ملايين رأس من الأغنام، و150 ألفاً من الإبل، و45 ألفاً من الأبقار، وهي أرقام لا تكفي تغطية الطلب المحلي.
ويتراوح الإنتاج المحلي من اللحوم الحمراء في ليبيا بين حد أدنى بلغ 60.61 ألف طن وحد أقصى 67.167 ألف طن وبمتوسط سنوي بلغ 38.113 ألف طن وبمعدل نمو سنوي بلغ 1.4%.
بينما تراوح معدل استهلاك اللحوم بين حد أدنى بلغ 87.61 ألف طن وحد أقصى بلغ 13.188 ألف طن بمتوسط بلغ 11.102 ألف طن بمعدل نمو سنوي بلغ نحو 2.5%.
كما لا يتعدى نصيب الفرد الليبي من اللحوم الحمراء 21 غراماً في اليوم وهو أقل من الحد الأدنى للاحتياجات الفردية اليومية والبالغة حوالي 32 غراماً من البروتين الحيواني.
ويرى بوزعكوك أن ارتفاع أسعار اللحوم تسبب في تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، إذ لا تزال الرواتب غير كافية لتغطية نفقات المعيشة، حيث يتراوح الحد الأدنى للأجور في ليبيا بين 950 ديناراً (حوالي 150 دولاراً) و1450 ديناراً (حوالي 250 دولاراً) للموظفين من الدرجة الثامنة، بينما يصل راتب الموظف إلى 3000 دينار.
وباعتقاده، فإن هذه الأجور لا تكفي تغطية الاحتياجات الأساسية في ظل ارتفاع معدلات البطالة إلى 19%، ولا تتناسب مع إمكانيات دولة غنية بالنفط، لكنها تعاني اقتصاداً يهيمن عليه السوق السوداء الذي تجاوز فيه سعر الدولار نحو 7.4 دينار.
وقبل أيام، أقدم «المصرف المركزي الليبي» على خفض قيمة الدينار بنسبة 13.3% مقابل العملات الأجنبية، مما أثار مخاوف من ارتفاع أسعار السلع المستوردة وتصاعد معدلات التضخم.
وكان سعر صرف الدولار الواحد يعادل 4.83 دينار في السوق الرسمية، لكنه ارتفع بعد التخفيض إلى 5.5677 دينار، مع إضافة ضريبة بنسبة 15% على بيع النقد الأجنبي، لتصل قيمة الدولار فعلياً إلى 6.4028 دينار.
بدوره، يشير الباحث الاقتصادي أحمد الصويعي الذي شغل مستشاراً لوزير الاقتصاد السابق سلامة الغويل، إلى أن هناك أسباباً عدة قادت إلى انهيار الدينار الليبي، ويأتي في مقدمتها وجود حكومتين تتنازعان السيطرة والصرف بلا تنسيق وبلا ميزانية موحدة وبلا محاسبة.
ويوضح الصويعي خلال حديثه مع «إرم بزنس» أنه خلال الأشهر الماضية بلغ فائض السيولة 167 مليار دولار، ما أدى إلى انهيار فعلي في سعر الصرف بالسوق الموازي وارتفاع الدولار لنحو 7 دنانير، ووصل التضخم في أسعار السلع إلى 300%، ما أدى إلى تآكل القوة الشرائية للمواطنين.
ويرى الباحث الاقتصادي، أن 80% من تعاملات الدولار تتم خارج النظام المصرفي، مما يتسبب في استنزاف الاحتياطي النقدي، وحتى قطاع النفط الذي يعد ركيزة الاقتصاد الليبي، فإنه أيضاً لم يسلم من عمليات التهريب وتفشي الفساد في عقود التوريد وفقدان السيطرة على العائدات.
ويقترح الصويعي لإنقاذ الاقتصاد الليبي، توحيد المؤسسات السيادية وتشكيل حكومة موحدة باعتباره شرطاً لإنهاء حالة الإنفاق المزدوج وتطبيق سياسات اقتصادية متسقة وفعالة، ما سيكون له انعكاس إيجابي على سعر الصرف ومستويات الأسعار ومنها اللحوم.