تُعدّ الجرائم الإلكترونية مصدر قلق عالمي معقد، لأنها تكبّد الدول خسائر كبيرة تقدر بمليارات الدولارات. ولو جرى تقييمها كدولة، لكانت الجرائم الإلكترونية التي تُلحق أضراراً بقيمة تتجاوز 6 تريليونات دولار أميركي عالمياً، ثالث أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة والصين. مع ذلك، من المتوقع أن تنمو تكاليف الجرائم الإلكترونية العالمية لتصل إلى 10.5 تريليون دولار أميركي سنوياً بحلول نهاية عام 2025، ارتفاعاً من 3 تريليونات دولار أميركي في عام 2015. وجرى وصف الجرائم الإلكترونية بأنها المشكلة الأولى التي تواجه البشرية، حيث تُشكل تهديداً اقتصادياً ووجودياً أكبر من الأسلحة النووية.
لتقدير التكلفة الاقتصادية الإجمالية للجرائم الإلكترونية، من الضروري أيضاً مراعاة خسائر المبيعات أو الأعمال التجارية كنتيجة مباشرة لها. فقد يتجنّب المستهلكون التسوق عبر الإنترنت في مواقع معينة خوفاً من سرقة أموالهم أو معلوماتهم الحساسة، ولذا، فإن مواقف المتسوقين تجاه مشهد التهديدات السيبرانية الحالي تؤثر أيضاً في اقتصاد الدولة. وتشمل تكاليف الجرائم الإلكترونية إتلاف البيانات وتدميرها، وسرقة الأموال، وخسارة الإنتاجية، وسرقة الملكية الفكرية، وسرقة البيانات الشخصية والمالية، والاختلاس والاحتيال، وتعطيل سير العمل بعد الهجوم، واستعادة البيانات وحذفها، والإضرار بالسمعة. وفي بعض الأحيان يمكن للهجوم الإلكتروني أن يُعطل اقتصاد مدينة أو ولاية أو بلد بأكمله. وتعتبر برامج الفدية، وهي برمجيات خبيثة تصيب أجهزة الكمبيوتر والأجهزة المحمولة، وتقيّد وصولها إلى الملفات ما لم تدفع فدية، الطريقة المُفضلة لمجرمي الإنترنت. وبحسب الدراسات، تُكلّف أضرار برامج الفدية العالم 20 مليار دولار في السنة، ويتم الهجوم ببرامج الفدية على الشركات والأفراد كل 11 ثانية. ويمكن أن يُكلف هجوم فدية واحد أو سلسلة من الهجمات الإلكترونية الشركات والاقتصاد غالياً. على سبيل المثال، شلّ هجوم الفدية (WannaCry) الشركات في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك مؤسسات الرعاية الصحية وشركات التكنولوجيا. وقد أثر في أكثر من 200 ألف جهاز كمبيوتر في أكثر من 100 دولة، وتسبب بخسائر تُقدر بنحو 8 مليارات دولار في أربعة أيام فقط.
من الأسباب التي تُسهم في نمو الجرائم الإلكترونية إلى حد يُمكنها من زعزعة استقرار الاقتصادات، أن مجرمي الإنترنت لم يعودوا بحاجة إلى تقنية متقدمة لشن هجماتهم. على سبيل المثال، تتوفر البرمجيات الخبيثة للشراء عبر الإنترنت المظلم، أو عبر خدمات غير قانونية تبيع برامج الفدية مع ضمان الجودة ودعم فني، وضمانات استرداد الأموال. وما عزز من انتشار الجرائم الإلكترونية هو العمل عن بُعد، حيث دفعت جائحة «كوفيد-19» العديد من المؤسسات، إلى تجربة نماذج العمل من المنزل على نطاق واسع للمرة الأولى. ومنذ ذلك الحين، تبنّت مؤسسات عديدة هذا النموذج على المدى الطويل. وعلى الرغم من الفوائد العديدة، الاقتصادية والمالية، وأسلوب الحياة لهذا النموذج، فإنه يزيد المخاطر الإلكترونية. فقد أدى استخدام الأجهزة غير الآمنة والتطبيقات السحابية لنقل البيانات إلى زيادة كبيرة في الجرائم الإلكترونية. ومن أسباب نمو الجرائم الإلكترونية أيضاً، أجهزة إنترنت الأشياء التي من المتوقع أن تُحدث ثورة في الصناعات حول العالم. ومع ذلك، يدرك مجرمو الإنترنت أن هذه الأجهزة تنطوي على ثغرات أمنية كبيرة يمكنهم استغلالها للوصول غير المصرح به إلى الشبكات. وبما أن أجهزة إنترنت الأشياء تُستخدم على نطاق واسع في الرعاية الصحية والتعليم والتصنيع، لذلك يؤثر اختراقها بشكل كبير في البنية التحتية الحيوية والاقتصاد للدول.
يتجلى أحد مجالات التغيير في الاقتصاد العالمي، بالزيادات الهائلة في إنفاق المؤسسات على الأمن السيبراني. وتظهر الاستطلاعات أن أكثر من نصف المؤسسات تخطط لزيادة إنفاقها على تكنولوجيا المعلومات خلال عام 2025. ومن المرجح أيضاً أن يشهد المستقبل زيادة في الإنفاق على التوقع الاستباقي للتهديدات لاتخاذ الإستراتيجيات الهجومية والدفاعية. وسيكون توقّع الهجمات والتخفيف منها ومنعها بشكل استباقي من خلال فهم مجرمي الإنترنت، أمراً أساسياً للحفاظ على أمن المعلومات.
لحماية الاقتصاد، من الضروري مشاركة المعلومات. وهذا يعني مشاركة المعرفة حول التهديدات الناشئة والإبلاغ عن اختراقات البيانات. فمع توافر المزيد من المعلومات حول التهديدات، يُمكن تحديد الأنماط ورصد نقاط الضعف والتنبؤ بكيفية ومكان حدوث الهجوم التالي. لذلك يجب على الحكومات حول العالم مواصلة التعاون والتواصل لتطوير مبادرات تحدّ من فرص الهجمات الإلكترونية الدولية، وتلاحق المجرمين بنشاط، وتضع عقوبات رادعة لأنشطتهم. ويمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي على تحقيق ذلك، من خلال توفير مراقبة على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع لجميع أنظمة المعلومات. كما أنه قادر على رصد العديد من التهديدات والتعامل معها في آنٍ واحد، وهو أمرٌ يزداد احتماله مع تنامي قدرات مجرمي الإنترنت وخدمات البرمجيات الخبيثة الجاهزة. كذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي الاستجابة بسرعة لأي تهديد محتمل، واتخاذ إجراءات تصحيحية وتنبيه مسؤولي الشبكة. ومع استخدام مجرمي الإنترنت الذكاء الاصطناعي لارتكاب جرائمهم، تُعد القدرة على كشف التهديدات بسرعة، أمراً بالغ الأهمية.