في ظل أزمة اقتصادية ومناخية خانقة، أصدر العاهل المغربي قراراً يدعو المواطنين إلى الامتناع عن ذبح الأضاحي خلال عيد الأضحى لهذا العام.
هذه الخطوة، التي تعد الرابعة من نوعها في تاريخ المغرب، تأتي ضمن مساعي كبح ارتفاع أسعار اللحوم التي شهدت قفزات قياسية، وأثقلت كاهل الأسر المغربية، إضافة إلى الحفاظ على الثروة الحيوانية التي تواجه تحديات خطيرة بسبب الجفاف والتغيرات المناخية.
يعيش المغرب على وقع أزمة جفاف حادة، فقد انخفضت نسبة ملء السدود إلى 28%، مما انعكس سلباً على الموارد الطبيعية، خاصة على تنمية القطيع. فقد أدى شحّ الأمطار إلى ضعف نمو الماشية، فضلاً عن ارتفاع أسعار الأعلاف، رغم الدعم الحكومي الذي يغطي حوالي 50% من تكاليفها.
وجاء القرار الملكي في رسالة ألقاها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق نهاية الشهر الماضي، إذ أكد أن التراجع الحاد في الثروة الحيوانية والارتفاع الكبير في أسعار الأضاحي وضعا شريحة واسعة من الأسر المغربية أمام أعباء مالية تفوق قدرتها على التحمل.
لم يكن هذا القرار الأول من نوعه، إذ سبق أن لجأ المغرب إلى إجراءات مماثلة في سياقات مشابهة، فقد أُلْغِي ذبح الأضاحي ثلاث مرات خلال عهد الملك الراحل الحسن الثاني، أعوام 1963 و1981 و1996، وجميعها جاءت استجابة لأزمات اقتصادية أو بيئية حادة.
ويشير المحللون إلى أن القرار يأتي في سياق أوسع من مجرد تخفيف العبء المالي، إذ يهدف أيضاً إلى حماية الثروة الحيوانية التي تشكل ركيزة أساسية للأمن الغذائي في البلاد. فالضغوط المناخية المستمرة تتطلب إجراءات استثنائية تضمن استدامة الموارد الحيوية.
بعد إعلان وزير الأوقاف المغربي هذا القرار، انقسمت آراء المواطنين بين مؤيد يراه خطوة ضرورية لتخفيف الضغط على الأسعار، ومتسائلاً عن مدى إلزاميته قانونياً، خاصة مع إعلان الملك محمد السادس عزمه ذبح الأضحية نيابة عن الشعب.
ويؤكد علماء الدين أن القرار يتماشى مع الأحكام الشرعية التي تراعي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، بينما يرى خبراء قانونيون أن عدم وجود نص قانوني يجرّم الذبح الفردي يجعل القرار أقرب إلى التوجيه منه إلى الإلزام.
من جانبه، يربط الخبير الاقتصادي المغربي، محمد جدري، القرار الملكي بالتراجع الكبير في عدد رؤوس الماشية والأغنام، فقد انخفض القطيع الوطني بنسبة 38% في عام 2025، مما يستدعي تدابير عاجلة لحماية الثروة الحيوانية، ومنحها فرصة للتعافي.
وبلغ عدد رؤوس الماشية في المغرب 20.3 مليون رأس عام 2024، متراجعاً عن مستويات 2016، وفق تصريحات وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية أحمد البواري في منتصف فبراير الماضي.
وأوضح جدري، في حديثه مع «إرم بزنس»، أن المغرب سبق أن اعتمد قرارات مماثلة في ظل أزمات اقتصادية حادة، إذ يتكرر المشهد اليوم وسط تحديات مناخية وضغوط معيشية تتطلب سياسات أكثر تكيفًا مع الواقع الجديد.
جانب آخر لا يقل أهمية عن حماية الثروة الحيوانية هو التأثير الاجتماعي لهذا القرار. فتكلفة الأضحية باتت تشكل عبئاً ثقيلاً على الأسر المغربية، لا سيما مع ارتفاع تكاليف المعيشة. فقد سجل مؤشر أسعار المستهلكين ارتفاعاً بنسبة 2% في يناير الماضي، وهو أعلى معدل سنوي خلال 12 شهراً، وفق بيانات المندوبية السامية للتخطيط.
وفي هذا السياق، وصلت أسعار اللحوم الحمراء إلى مستويات قياسية، متجاوزة 120 درهماً للكيلوغرام الواحد، وكان من المتوقع أن تؤدي مناسبة العيد إلى مزيد من الارتفاع قد يصل إلى 200 درهم بعد انتهاء الموسم، مما يفاقم أعباء الأسر، ويؤثر في قطاعات اقتصادية أخرى مثل المطاعم والمقاهي.
لتخفيف تداعيات الأزمة، أبرم المغرب اتفاقاً مع أستراليا لاستيراد 100 ألف رأس من الأغنام، في خطوة تهدف إلى تعزيز المعروض المحلي. كما قررت الحكومة تعليق رسوم الاستيراد وضريبة القيمة المضافة على الماشية واللحوم الحمراء للحد من ارتفاع الأسعار.
ووفق البيانات الرسمية، استورد المغرب حتى منتصف فبراير 124 ألف رأس من الأغنام، و21 ألف رأس من الماشية، إضافة إلى 704 أطنان من اللحوم الحمراء، في إطار جهود لتعزيز الأمن الغذائي.
أما على صعيد الموارد المائية، فقد خصّصت الحكومة 18 مليار درهم لإنشاء مشاريع استراتيجية، تشمل بناء ثلاثة سدود كبرى جديدة ومحطات لتحلية المياه، من بينها محطة الدار البيضاء التي يُتوقع أن تنتج 300 مليون متر مكعب من المياه العذبة سنوياً بحلول 2028، ما يعزز الأمن المائي في البلاد.
يعكس قرار إلغاء ذبح الأضاحي لهذا العام مدى تعقيد التحديات التي تواجه المغرب، فهو في الوقت ذاته استجابة لأزمة مناخية وضغط اقتصادي متزايد. وبينما يراه البعض خطوة ضرورية للحفاظ على استقرار السوق والثروة الحيوانية، يثير لدى آخرين تساؤلات حول تداعياته الاجتماعية.
يبقى السؤال الأهم: هل سيكون هذا القرار مقدمة لتغييرات أعمق في نمط الاستهلاك وتدبير الموارد الحيوانية، أم مجرد إجراء ظرفي فرضته الأزمة؟