وسط تحديات جمة، قرر البنك المركزي المصري، مؤخراً، تمديد الأفق الزمني لمستهدفات التضخم حتى عام 2028، فيما بدا رسالة مزدوجة تحمل في طياتها محاولة لطمأنة الأسواق، مع الاعتراف بالمعوقات الصعبة.
وفي 26 ديسمبر الماضي، عدل البنك المركزي، الأفق الزمني لمعدلات التضخم المستهدفة، عند 7% إلى الربع الرابع من 2026، وعند مستوى 5% (±2 نقطة مئوية) في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2028.
وعزا البنك التعديل لإتاحة المجال لاستيعاب صدمات الأسعار دون الحاجة للمزيد من التشديد النقدي، وتجنب حدوث تباطؤ حاد في النشاط الاقتصادي، مؤكداً أن هذا الإجراء يتسق مع رؤيته نحو اعتماد إطار متكامل لاستهداف التضخم.
وذكر أنه على الرغم من استقرار المعدل السنوي للتضخم العام خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وانخفاضه في ديسمبر 2024 إلى 24.1% من 25.5% في نوفمبر، إلا أنه لا يزال عند مستويات مرتفعة.
خبراء مصرفيون واقتصاديون يرون، في حديث لـ«إرم بزنس»، أن هذا القرار يبعث برسالة مزودجة، فهي من جهة تسعى لطمأنة الأسواق، ومن جهة أخرى تقر بصعوبة تحقيق الأهداف في ظل الأوضاع الحالية، فما هي دلالات هذه الخطوة وانعكاساتها الاقتصادية؟
بحسب الخبير المصرفي عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع، أحمد شوقي، فإن هذا القرار يعكس تقديراً واقعياً للتحديات الاقتصادية التي تواجه مصر، بما في ذلك ضغوط التضخم الناجمة عن تقلبات سعر الصرف وارتفاع تكاليف الاستيراد، بالإضافة إلى تأثيرات السياسات النقدية العالمية.
ويؤكد شوقي، في حديث مع «إرم بزنس»، أن تأجيل الأفق الزمني للتضخم المستهدف يمنح البنك المركزي مرونة أكبر في تطبيق سياسات نقدية تتوافق مع التطورات الاقتصادية.
وباعتقاده، فإن هذا القرار رغم أنه قد يُفسر كإشارة إلى استمرار وجود مخاطر تضخمية لفترة أطول، إلا أنه يُظهر تركيز البنك على تحقيق التوازن بين كبح التضخم ودعم النمو الاقتصادي، مع الأخذ في الاعتبار الأوضاع الاقتصادية الهيكلية التي تحتاج إلى إصلاحات مستدامة لضمان استقرار الأسعار على المدى الطويل.
هذا بالإضافة إلى أن الوصول إلى مستوى تضخم 5% (±2 نقطة مئوية) بحلول 2028 يعني التركيز على سياسات هيكلية أكثر استدامة لضبط العرض والطلب وتعزيز الإنتاج المحلي، وفق شوقي.
ولم يكن هذا القرار هو الأول من نوعه- كما يشير شوقي- بل سبقته قرارات مماثلة خلال السنوات الماضية نجح البنك خلالها في خفض مستويات التضخم لمستهدفاته السابقة.
ففي عام 2017، أطلق البنك المركزي مستهدفاً رسمياً للتضخم عند 13% (±3%) بحلول الربع الرابع من عام 2018، وذلك بعد أول تحرير لسعر الصرف في نوفمبر 2016 كجزء من برنامج الإصلاح الاقتصادي، الذي أدى إلى ارتفاع التضخم بشكل كبير تجاوز 30%.
وكان الهدف من هذا التحديد الواضح هو طمأنة الأسواق وكبح التوقعات التضخمية مع تبني سياسة نقدية انكماشية من خلال رفع أسعار الفائدة لامتصاص السيولة الزائدة.
ومع تحسن الظروف الاقتصادية وانخفاض معدل التضخم تدريجياً، أعلن البنك المركزي في 2018 عن هدف جديد يتمثل في الوصول إلى تضخم عند 9% (±3%) بحلول نهاية عام 2020.
وبحلول عام 2022، أجرى البنك تعديلاً جديداً في مستهدفاته، مستهدفاً الوصول إلى معدل تضخم يبلغ 7% (±2%) بحلول الربع الرابع من عام 2024 إلا أنه لم يكن هدفا سهلا في ظل تقلبات سعر الصرف وارتفاع أسعار السلع العالمية، مما عكس استمرارية التحديات الاقتصادية والمرونة في التعامل معها.
وعن المستهدف الأخير للتضخم، أكد أستاذ الاقتصاد في معهد البحوث العربية، مدحت نافع، أن مصر ما زالت بعيدة عن تحقيق مستهدف التضخم الذي حدده البنك المركزي عند 7% زائد أو ناقص نقطتين مئويتين، مشيراً إلى أن هذا الهدف غير واقعي بالنظر إلى الأرقام والبيانات التاريخية، وداعياً البنك المركزي لمراجعة هذا المستهدف ليصبح أكثر واقعية.
وخلال حديثه مع «إرم بزنس»، رأى نافع أنه من الصعب حالياً التفكير في أي تيسير نقدي قبل كبح جماح التضخم، موضحاً أنه رغم وجود تباطؤ في المعدلات مؤخراً نتيجة تأثير سنة الأساس وفترات المقارنة، إلا أن هذا التأثير السلبي تفاقم بسبب بعض القرارات المالية مثل رفع أسعار المحروقات، مما عزز التضخم وأثر على توقعاته للعام 2025.
إلى جانب ذلك، أشار نافع إلى أن هناك عوامل خارجية أخرى مثل حالة عدم اليقين العالمية، وتأثيراتها على التجارة والتي تزيد من الضغط على معدلات التضخم، مما يتطلب تنسيقاً بين السياسات النقدية والمالية، إلى جانب سياسات تجارية مواتية.
ويشدد أستاذ الاقتصاد على أهمية إعادة تحديد مستهدف التضخم ليكون أقرب إلى الواقع، مقترحاً أن يكون بين 12% و15%، ما سيقلل من الفجوة بين المستهدف والوضع الفعلي، ويعزز مصداقية البنك المركزي.
وتوقع البنك المركزي أن يسجل التضخم نحو 26% في الربع الرابع من العام 2024 في المتوسط، متخطياً بذلك المعدل المستهدف له والبالغ 7% (± 2 نقطة مئوية).
نافع أوضح أن تحقيق معدل تضخم أقل من 10% كان استثناءً خلال جائحة كوفيد-19، وهو لا يمكن اعتباره معياراً مستداماً، داعياً إلى تصميم نماذج تستند إلى فترات واقعية لتحديد مستهدفات تتماشى مع الظروف الاقتصادية الحالية.
وبرأي رئيس مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية خالد الشافعي في حديث مع «إرم بزنس»، يحمل هذا القرار دلالات إيجابية وسلبية على الاقتصاد المصري، فعلى الجانب الإيجابي، يمنح هذا التعديل البنك المركزي مساحة أوسع لتطبيق سياسات نقدية متوازنة تتجنب التشديد المفرط الذي قد يضر بالنمو الاقتصادي.
كما أن هذا القرار يعكس التزاماً باستقرار الأسعار على المدى الطويل، مما قد يسهم في تعزيز ثقة المستثمرين المحليين والأجانب، على حد قول المصدر ذاته.
بينما على الجانب الآخر، فإن تمديد الأفق الزمني قد يُفهم كإشارة إلى استمرار مواجهة الاقتصاد لتحديات تضخمية هيكلية، مثل تقلبات سعر الصرف وارتفاع تكاليف الواردات.
وأوضح الشافعي، أنه لتحقيق المستهدفات الجديدة، يحتاج الاقتصاد إلى إصلاحات هيكلية داعمة لزيادة الإنتاجية وتعزيز تنافسية المنتجات المحلية.
كما يحتاج الاقتصاد، وفق الشافعي، إلى تحسين بيئة الاستثمار لزيادة التدفقات الاستثمارية وتنشيط القطاعات الإنتاجية، والتنفيذ السليم لهذه الإستراتيجيات سيُعزز من ثقة المستثمرين ويُقلل من الاعتماد على الحلول قصيرة الأجل.