في أول رد فعل من مسؤول اقتصادي رفيع على إقرار قانون إعادة تنظيم المصارف في لبنان، اعتبر وزير الاقتصاد السابق أمين سلام أن القانون بصيغته النهائية «لا يرتقي إلى مستوى معالجة الأزمة، ولا يوفّر بيئة استثمارية آمنة، ولا يقدّم ضمانات حقيقية للمودعين».
خلال حديثه لـ«إرم بزنس»، وصف سلام القانون بأنه «خطوة إجرائية نحو الأمام، لكنها تفتقر إلى البُعد الاستراتيجي المطلوب لبناء الثقة»، مؤكّداً أن النص يُعالج فقط كيفية تصفية المصارف المتعثّرة، دون أن يتطرّق بوضوح إلى آليات إعادة رسملة القطاع أو حماية حقوق المودعين.
وأوضح سلام أن مشروع القانون «يمثل خطوة أولى في المسار التشريعي، لكنه لا يقدم حلاً فعلياً للأزمة المصرفية»، موضحاً أن الثقة لن تعود ما لم تترافق الإصلاحات مع إعادة رسملة جدية للمصارف، وهو ما لا يتضح في النص الحالي، الذي يركّز فقط على آلية تصفية المصارف غير القادرة على الرسملة.
كان مجلس الوزراء اللبناني، أقر يوم السبت، مشروع قانون لإعادة هيكلة المصارف تلبية لأحد شروط المجتمع الدولي لتقديم دعم مالي في محاولة لإخراج لبنان من أزمة اقتصادية غير مسبوقة منذ العام 2019.
أكد وزير الاقتصاد السابق أن مشروع القانون لا يوفّر حماية حقيقية للمودعين، بل يكرّس واقعاً قد يؤدي إلى خسارة شبه كاملة للودائع في حال إعلان إفلاس المصرف. وقال: «لا يمكننا أن نُقنع المودع بوجود حلّ عادل إذا كان القانون يتحدث عن تصفية دون تحديد مسبق لمسؤوليات الخسائر أو آلية تعويض المتضررين».
سلام أشار أيضاً إلى أن الثقة لن تُستعاد بمجرد إصدار قانون تنظيمي، قائلاً: «الثقة لا تعود بالنصوص، بل بإعادة رسملة حقيقية وشاملة للقطاع المصرفي، وهذه غير مذكورة كأولوية واضحة في القانون».
وبحسب قوله، فإن القانون لا يعالج «جذر الأزمة»، بل يحاول فقط وضع أُطر قانونية للتصفية، دون تقديم رؤية متكاملة للتعافي.
في ما يتعلّق بانعكاسات القانون على المواطنين، اعتبر أمين سلام أن القانون يُحمّل المودعين – خصوصاً الصغار منهم والطبقة الوسطى – الجزء الأكبر من الخسائر، من خلال ما يُعرف بـ«الاقتطاع من الودائع» أو ما يُسمّى مالياً بـ«الهيركات».
وقال: «القانون لا يوفّر آلية لتعويض الخسائر أو تحميل الدولة ومصرف لبنان والمصارف التجارية مسؤولياتها بشكل عادل. بل يضع المودعين في الواجهة، ويجعلهم يدفعون ثمن الأزمة من جيوبهم».
وأضاف أن غياب الاعتراف الرسمي بالخسائر، وعدم تحديد من يتحمّلها، يعني فعلياً أن الودائع قد تتبخر دون محاسبة، ودون خطة واضحة للإنقاذ أو التعويض.
شدّد سلام، في معرض تعليقه على مستقبل القطاع المصرفي بعد إقرار القانون، على أن تقليص عدد المصارف العاملة في لبنان لم يعد خياراً، بل ضرورة حتمية، لافتاً إلى أن عدد المصارف الحالي لا يتناسب لا مع حجم الاقتصاد الوطني ولا مع حجم الكتلة السكانية.
وأشار إلى أن لبنان يضم عدداً من البنوك يفوق بكثير ما تحتاجه اقتصادات أكبر وأكثر استقراراً.
كما دعا سلام إلى أن تتم عملية الدمج أو الإلغاء وفق معايير صارمة تستند إلى قواعد «بازل» الدولية، المعترف بها عالمياً لضبط الأداء المالي والمخاطر المصرفية.
إلى ذلك قال: «المطلوب ليس فقط تقليص العدد، بل اعتماد معايير شفافة لتحديد المصارف التي تستحق البقاء، والمصارف التي يجب دمجها أو تصفيتها».
وزير الاقتصاد السابق حذّر من أن القانون الحالي لا يشجّع أي استثمار خارجي في القطاع المصرفي، إذ «لا يقدّم أي محفزات أو بيئة قانونية واضحة للرسملة أو الدخول إلى السوق اللبناني».
كما لفت إلى أن النص يغفل عناصر الشفافية والمساءلة؛ ما يُضعف ثقة المستثمرين والمودعين على السواء.
في تقييمه للإطار القانوني الجديد، دعا سلام إلى إصدار قانون إضافي يُحدّد بشكل عادل المسؤوليات عن الخسائر بين الدولة، ومصرف لبنان، والقطاع المصرفي، معتبراً أن «كل طرف يجب أن يتحمّل ثلث العبء على الأقل»، وأن هذا هو الطريق الوحيد لاستعادة ثقة الداخل والخارج.
وختم سلام موقفه بدعوة واضحة إلى تعزيز استقلالية لجنة الرقابة على المصارف، قائلًا: «أي محاولة إصلاح أو إعادة بناء للقطاع المصرفي لن تنجح ما لم تُفكّك البُنى التي أدّت إلى الأزمة، بدءاً من غياب الرقابة الفعّالة».
أما في ما يتعلق بعلاقة لبنان مع صندوق النقد الدولي، فأكد أمين سلام أن إقناع الصندوق لن يكون ممكناً دون موقف موحّد من الدولة بكافة سلطاتها، تشريعية وتنفيذية. وأضاف: «في تجربتنا كحكومة سابقة، أرسلنا مشاريع قوانين عديدة إلى البرلمان، لكنها لم تُقر، وهذا يعكس غياب الإرادة السياسية الفعلية».