تواصل المملكة العربية السعودية تصدرها لدول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجال الاستثمار الجريء، محققة إنجازاً للعام الثاني على التوالي، ما يعكس الالتزام الجاد برؤية 2030 التي تضع الابتكار والتنمية المستدامة في قلب استراتيجياتها الاقتصادية.
وفقاً لبيانات منصة «ماغنيت»، استحوذت السعودية على الحصة الكبرى من الاستثمارات الجريئة في المنطقة بإجمالي 2.8 مليار ريال سعودي (750 مليون دولار) خلال عام 2024، ما يعزز مكانة المملكة كوجهة استثمارية جاذبة للشركات الناشئة والمشاريع المبتكرة.
الاستثمار الجريء، المعروف أيضاً بـ«الاستثمار المغامر» أو «رأس المال المجازف»، يمثل نوعاً من التمويل المخصص لدعم الشركات الناشئة ذات إمكانات النمو العالية، خاصة في مراحلها الأولى.
ويتم هذا الاستثمار مقابل الحصول على حصة من ملكية الشركة، ما يمنح المستثمر فرصة لتحقيق عوائد كبيرة إذا نجحت الشركة في تحقيق أهدافها التوسعية.
وبحسب بيانات «ماغنيت» فإن السعودية استحوذت على 40% من إجمالي الاستثمار الجريء في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والبالغ 1.9 مليار دولار خلال العام 2024.
وسجلت المملكة رقماً قياسياً في عدد صفقات الاستثمار الجريء خلال العام ذاته، بتنفيذ 178 صفقة، ما يعكس جاذبية السوق السعودية ويعزز بيئتها التنافسية.
وسبق وتصدرت السعودية في عام 2023 الاستثمار الجريء بحصة بلغت 52% مقارنة بـ31% في عام 2022. كما نمت هذه الاستثمارات 33% في عام 2023 مقارنة بالعام السابق.
وفقا لخبراء ومحللين، فإن هذه الأرقام، تؤكد قوة اقتصاد المملكة، ودوره المحوري في دعم نمو قطاع الشركات الناشئة، كما تعكس تطور بيئة ريادة الأعمال وزيادة ثقة المستثمرين في السوق السعودية.
خبراء أشاروا في حديثهم مع «إرم بزنس» إلى أن هذه الأرقام تعكس أثر الإصلاحات التشريعية والتنظيمية التي شهدتها المملكة، إلى جانب التحسين الملحوظ في بيئة الاستثمار ودعم التوسع في برامج مسرِّعات الأعمال.
ويرجع أستاذ المالية والاستثمار بجامعة الإمام، محمد مكني، تصدُّر المملكة للاستثمار الجريء في المنطقة إلى مجموعة من العوامل التي عززت بيئة الأعمال في المملكة، وفي مقدمتها رؤية 2030 التي استهدفت تحفيز النمو الاقتصادي من خلال تطوير مناخ استثماري جاذب لتأسيس الشركات ويوفر التمويل للأعمال الناشئة.
وتظهر بيانات منصة «الموجز الرقمي» (Digital Digest) أن 542 شركة ناشئة في المنطقة العربية حصلت على تمويلات خلال عام 2024، حيث استحوذت الشركات السعودية على 30.6% من إجمالي الاستثمارات في المنطقة.
وأشار مكني، في حديثه مع «إرم بزنس»، إلى العامل الثاني وهو تحسن البنية التحتية، الأمر الذي يعزز الابتكار ويدعم الشركات الناشئة، خاصة في قطاعات مثل التكنولوجيا والطاقة المتجددة والصناعات الرقمية.
فيما يتعلق العامل الثالث، بصناديق الاستثمار الخاصة ومسرعات الأعمال ودورها في توفير التمويل والدعم للمشروعات الناشئة، فضلًا عن الاستقرار الاقتصادي الذي يبعث الثقة في السوق السعودية.
كل هذه العوامل جعلت السعودية البيئة المثلى للاستثمار الجريء، وجعلتها تتفوق على الدول الأخرى في المنطقة في جذب الاستثمارات بهذا المجال، وفق مكني.
ومن جانبه، رأى مدير وحدة البحوث بشركة «أملاك للاستثمارات المالية» محمد الأمين، أن نمو الاستثمار الجريء في السعودية، يرجع لتبني الحكومة مبادرات تهدف إلى دعم ريادة الأعمال، مثل توفير حوافز ضريبية، وتسهيلات تمويلية، ساعدت في جذب الاستثمارات من قبل المستثمرين المحليين والدوليين.
وقال الأمين، في حديثه مع «إرم بزنس» إن المملكة سعت منذ إطلاق رؤية 2030 إلى تنويع اقتصادها بعيداً عن الاعتماد التقليدي على النفط، والعمل على توسيع مشاركة القطاع الخاص، ودعمه من أجل زيادة مساهمته للناتج المحلي الإجمالي
واستحوذ القطاع الخاص على 49% من إجمالي الناتج المحلي المقدر بـ 847.7 مليار ريال (226 مليار دولار) خلال الربع الثاني من العام 2024، ومن المتوقع ارتفاع مساهمته إلى 65% بحلول العام 2030.
ووفقاً لـ«الأمين» أصبحت القطاعات غير النفطية، مثل التكنولوجيا، والطاقة المتجددة، والصناعات القائمة على المعرفة، محركات رئيسة للنمو الاقتصادي، ما يسهم في جعل المملكة بيئة جاذبة للفرص الاستثمارية في هذه المجالات.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الحراك الاقتصادي والاستثماري الذي تشهده السعودية عبر الفعاليات والمؤتمرات العالمية مثل «منتدى مستقبل الاستثمار»، يعزز من مكانتها كمركز عالمي للاستثمار الجريء.
ويرى مدير مركز «زاد» للاستشارات الاقتصادية، حسين الرقيب، أنَّ تطور البيئة التنظيمية والتشريعية في المملكة ساعد على نمو الاستثمار الجريء في البلاد.
وأكد الرقيب، في حديثه لـ«إرم بزنس»، أن الحكومة أظهرت التزاماً قوياً بتطوير هذه البيئة من خلال سن قوانين جديدة تدعم قطاع ريادة الأعمال، مثل تسهيل إجراءات تأسيس الشركات، وتقديم حماية قانونية للمستثمرين.
وأقرت المملكة، في شهر أغسطس الماضي، نظام الاستثمار المُحدث الذي يقدم العديد من المزايا للمستثمرين، منها تسهيل تأسيس الاستثمارات وتملك أصولها والتخارج منها أو تصفيتها، وضمان وتعزيز حقوق المستثمرين، والمعاملة المتساوية للمستثمرين المحليين والأجانب.
وتكشف منصة «Digital Digest» أن استثمارات الشركات الناشئة في السعودية بلغت 33.4% من إجمالي الاستثمارات العربية لعام 2024، وذلك ضمن ملياري دولار تم ضخها في الشركات الناشئة بالمنطقة.
وبحسب الرقيب، تعكس هذه النسبة التقدم الكبير الذي حققته المملكة في جذب الاستثمارات في قطاع الشركات الناشئة مقارنة ببقية الدول العربية خلال العام الماضي.
ولفت إلى أن المملكة شهدت تطوراً ملحوظاً في القطاع المالي؛ إذ أصبح هناك اهتمام متزايد لتقديم خدمات مالية مبتكرة، مثل تمويل المشاريع الناشئة، والمنح والقروض الميسرة؛ ما سهل دخول رواد الأعمال إلى السوق السعودية ودعمهم بمراحلهم التأسيسية.
وخلال الفترة الممتدة من عام 2014 إلى 2023، تمكنت 200 شركة ناشئة سعودية، أسسها رواد أعمال، من جذب تمويل استثماري جريء تجاوز 12 مليار ريال (ما يعادل 3.3 مليار دولار)، وفقاً لمنصة «ماغنيت».
وأكد الرقيب، على أن هذه السياسات التشريعية والبيئة التنظيمية أوجدت فرصاً كبيرة لجذب الاستثمار الجريء؛ إذ أصبح رواد الأعمال يرون في السعودية بيئة خصبة للنمو؛ ما يسهم بشكل كبير في تنشيط الاقتصاد السعودي وتحقيق رؤية المملكة 2030.