logo
اقتصاد

انكماش القطاع الخاص في مصر.. تراجع ثقة أم أزمة حكومية؟

انكماش القطاع الخاص في مصر.. تراجع ثقة أم أزمة حكومية؟
رجل يعد الجنيهات المصرية في محل صرافة وسط القاهرة في 3 نوفمبر 2016.المصدر: أ ف ب
تاريخ النشر:9 أبريل 2025, 03:15 ص

تعمل الدولة المصرية منذ بداية سياسة الانفتاح الاقتصادي في سبعينيات القرن الماضي على زيادة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي بما يجعله ركيزة أساسية لتحقيق الرخاء، لكنها تأثرت بالظروف الاقتصادية سريعة التغير على الصعيدين العالمي والمحلي.

وطبقاً لتقرير البنك الدولي للعام الماضي يعتبر القطاع الخاص محركاً للابتكار ونمو الإنتاجية، ويؤدي دوراً محورياً في توفير فرص العمل، وهو العامل الذي تتزايد أهميته يوماً بعد يوم؛ نظراً لأن عدد السكان في سن العمل في مصر ينمو بمعدل 1.2 مليون نسمة سنوياً على مدى السنوات الخمس الماضية.

الاختلالات الهيكلية

ويشير تقرير البنك الدولي إلى أن الاختلالات الهيكلية القائمة منذ عهد بعيد، بالإضافة إلى سلسلة من الصدمات العالمية تسببت في إعاقة قدرة القطاع الخاص على الإسهام في تحقيق الرخاء الاقتصادي في مصر.

وعلى مدى العقد الماضي، بلغ متوسط الاستثمار الخاص في مصر 6.3% فقط من إجمالي الناتج المحلي الذي يتوقع أن يصل حجمه إلى 345.9 مليار دولار بنهاية العام 2025.

وكانت مصر قد حددت أهدافاً طموحة في هذا المجال لتحقيقها بحلول عام 2030، وتشمل رفع نسبة مساهمة الاستثمار الخاص إلى 65% من إجمالي الاستثمارات، وجذب نحو 60 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر، وزيادة الصادرات إلى 145 مليار دولار سنوياً.

ويتوقع تقرير البنك الدولي أن يبدأ النمو في التعافي التدريجي، من نحو 2.5% في السنة المالية 2024 إلى 3.5% و4.2% في السنتين الماليتين 2025 و2026 على التوالي.

أخبار ذات صلة

كيف تستفيد مصر والمغرب والبرازيل من الرسوم الأميركية؟

كيف تستفيد مصر والمغرب والبرازيل من الرسوم الأميركية؟

انكماش محدود

ولكن خلال الأسبوع الماضي أوضحت مؤسسة "ستاندرد آند بورز غلوبال" أن هناك انكماشاً محدوداً في القطاع الخاص غير النفطي في مصر خلال الشهر الماضي، وذلك في ظل تراجع الطلب.

وأظهرت المؤسسة في بيان، انخفاض مؤشر مديري المشتريات إلى 49.2 نقطة في مارس، مقارنة بـ50.1 نقطة في فبراير، وأرجعت هذا التراجع إلى انخفاض في الطلبيات الجديدة، سواء على الصعيد المحلي أو الدولي، ما دفع الشركات إلى تقليص الإنتاج والمشتريات، فضلاً عن خفض مستويات التوظيف.

تقلبات سعر الصرف

ومن جانبه، يرى الخبير الاقتصادي إبراهيم نوار، أن القطاع الخاص في كل مجالات الأنشطة يعاني حالة انكماش تقريباً خلال السنوات الثلاثة الماضية باستثناءات محدودة خلال شهر أو شهرين.

وفي حديثه لـ«إرم بزنس» يرجع نوار ذلك إلى سببين رئيسيين، الأول هو تقلبات السياسة الاقتصادية وعدم  الوضوح وغياب الشفافية، حيث نواجه تغيرات غير متوقعة في القوانين المنظمة للنشاط الاقتصادي بما فيها منظومة الضرائب والجمارك بما يؤثر سلبياً على القدرة لجذب مستثمرين جدد.

أما السبب الثاني يتعلق بحالة عدم الاستقرار وتقلبات سعر الصرف وانخفاض قيمة الجنيه بما يزيد الأعباء الاستثمارية في حالة الاعتماد على خامات مستوردة كسلع وسطية في العملية الإنتاجية.

وواصل الدولار الأميركي مستوى قياسياً جديداً أمام الجنيه المصري في تعاملات الاثنين، إذ تراوح سعره بين 51.07 جنيه، و51.62 جنيه للشراء، و51.17 جنيه و51.272 جنيه للبيع.

ويوضح ديفيد أوين، خبير اقتصادي أول في «إس أند بي غلوبال» أن القطاع الخاص غير المنتج للنفط شهد تراجعاً طفيفاً في ظروف الأعمال، مما أدى إلى تقويض التوسع المسجل في الشهرين الأولين من العام الجاري.

الاستفادة من تراجع التضخم

مع ذلك، ظل مؤشر مدراء المشتريات أعلى من متوسطه طويل الأمد، مما يشير إلى أن الشركات لا تزال في وضع جيد بشكل عام، وتوقع أوين أن  تستفيد الشركات الخاصة بشكل خاص من تحسن مستوى التضخم.

وواصل معدل التضخم لأسعار المستهلكين السنوي في المدن المصرية تراجعه إلى 12.8% خلال فبراير 2025 مقابل 24% في يناير السابق له، بدعم سنة الأساس، وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري.

ويشير الدكتور نوار إلى أن القطاع الخاص المصري يواجه أيضاً انخفاض نسبة الاستثمارات الصناعية المصرية وتركزها في الصناعات التحويلية غير النفطية مثل الملابس والأحذية والجلود، فيما تتزايد نسبة مشاركة العرب والأجانب خاصة في المجال العقاري والإنشاءات وتجارة السيارات والتجزئة اعتماداً على اتساع السوق المصري الذي يبلغ أكثر من 130 مليون مستهلك بمن فيهم اللاجئون.

التقلبات العالمية

بينما يرى إيهاب الدسوقي، رئيس قسم الاقتصاد بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، أن عودة انكماش القطاع الخاص غير النفطي خلال شهر مارس تعود إلى مجموعة من العوامل، أبرزها التقلبات العالمية الأخيرة، إلى جانب تأثير بعض القرارات الخارجية، وعلى رأسها سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي كان لها تأثير سلبي على الأسواق الناشئة.

وأضاف الدسوقي، خلال حديثه مع «إرم بزنس»، أن مناخ الاستثمار المحلي لا يزال بحاجة إلى مزيد من الجهود الحقيقية والإجراءات التحفيزية لدعم القطاع الخاص، خصوصاً في ظل استمرار ضعف الطلب المحلي، وهو ما دفع الكثير من الشركات إلى تقليص حجم أنشطتها وعمليات الشراء، ما أدى في النهاية إلى تراجع معدلات الإنتاج.

وحذر أستاذ الاقتصاد من أن استمرار هذا التراجع قد يضع الاقتصاد المصري على أعتاب ركود محتمل، ما قد يعيق فرص التوسع والنمو خلال الفترة المقبلة، ويؤثر على معدلات الناتج المحلي الإجمالي.

وخلال الربع الأول من العام المالي 2024/2025، سجّل معدّل النّمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي 3.5% مقارنة بمعدل 2.7% في الربع المناظر للعام المالي السابق، وفقاً لبيانات وزارة التخطيط.

أخبار ذات صلة

مصر وفرنسا توقعان اتفاقيات شراكة استراتيجية في 3 قطاعات

مصر وفرنسا توقعان اتفاقيات شراكة استراتيجية في 3 قطاعات

المعايير الدولية

بدورها، تعتقد نورهان الجبلي، نائب رئيس الجمعية المصرية لشباب الأعمال، العضو المنتدب لشركة بولي سيرف للأسمدة والكيماويات، أن أهم إجراء يمكن للحكومة اتخاذه لتهيئة الظروف الداعمة لنمو القطاع الخاص، هو الحد من عدم اليقين في السياسات، من خلال تنفيذ مجموعة مستقرة ومنظمة من اللوائح الخاصة بممارسة أنشطة الأعمال في مصر، وأن تكون متسقة مع المعايير الدولية.

وتوضح الجبلي في أثناء حديثها مع «إرم بزنس» أنه يمكن تحقيق ذلك بطرق مختلفة، منها تعديل قوانين الاستثمار الحالية لزيادة تمكين شركات القطاع الخاص وتمكينها من زيادة مستوى مشاركتها في الإنتاج والتصنيع، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع معدلات التشغيل، بما يعود بالنفع على المواطنين والاقتصاد المصري ككل.

هذا بالإضافة إلى الاستفادة من زيادة أعداد الشباب المصري، وموقعها الإستراتيجي، لتحقيق النمو الذي يقوده القطاع الخاص، باعتبارها عوامل قوية لإحياء ديناميكية القطاع الخاص، والحفاظ على نهج عمل سريع الوتيرة، بالشراكة مع الحكومة وأصحاب المصلحة الرئيسيين، لتمكين مؤسسات الأعمال، من خلال إنشاء بيئة أعمال داعمة وأكثر انفتاحاً وتقبلاً لدور هذا القطاع.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
تحميل تطبيق الهاتف
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC