على مدى أكثر من ستة عقود، أدت سياسة تجارية غير معروفة نسبياً، تُعرف باسم «ضريبة الدجاج»، دوراً حاسماً في توجيه مسار صناعة السيارات الأميركية.
ومنذ عام 1963، فرضت الولايات المتحدة تعرفة جمركية بنسبة 25% على الشاحنات الصغيرة المستوردة، وذلك كردّ على الرسوم الأوروبية المفروضة على الدواجن الأميركية.
وبينما كانت هذه الخطوة في الأصل إجراء انتقامي، تحوّلت بمرور الوقت إلى عامل رئيس في إعادة تشكيل المشهد الصناعي والتجاري للسيارات في أميركا.
ووفقاً لتقرير نشرته «وول ستريت جورنال»، فإن هذه التعرفة الجمركية لا تزال تؤثر بشكل جوهري في خيارات المستهلكين، وتنافسية الشركات، وحتى الابتكار في قطاع السيارات.
وبينما ساعدت الضريبة على حماية الشركات الأميركية الكبرى، لكنها في الوقت ذاته حدّت من تنوّع السوق، وأجبرت الشركات الأجنبية إما على الالتزام بالإنتاج المحلي أو الابتعاد تماماً عن المنافسة في هذا القطاع المربح، وفق التقرير.
عززت «ضريبة الدجاج» سيطرة الشركات الأميركية على سوق الشاحنات الصغيرة، فقد أصبحت معظم المركبات في هذه الفئة تُصنع داخل أميركا الشمالية.
وتهيمن اليوم شركات «جنرال موتورز» (General Motors) و«فورد» (Ford) و«ستيلانتيس» (Stellantis) المالكة لعلامة «رام» (RAM) على أكثر من 80% من السوق، وهو واقع لم يكن ليحدث لولا هذه الحماية الجمركية، وفق «وول ستريت جورنال».
في المقابل، فإن قطاع السيارات التقليدي، إذ تبلغ التعرفة الجمركية 2.5% فقط، يتميز بمنافسة أشد، إذ تمثل السيارات المستوردة نحو ربع المبيعات السنوية في الولايات المتحدة.
ورغم أن التعرفة المرتفعة على الشاحنات دعمت الإنتاج المحلي، فإنها لم تحقق إيرادات كبيرة للحكومة الفيدرالية، إذ لم تتجاوز العائدات منها 104 ملايين دولار العام الماضي، مقارنة بـ3.6 مليار دولار من الرسوم الجمركية على السيارات العادية.
طورت الشركات، بدلاً من دفع الضريبة الباهظة، استراتيجيات مبتكرة لتجنبها، إذ في الثمانينيات أطلقت «سوبارو» (Subaru) شاحنتها الصغيرة (BRAT) مع مقعدين في الصندوق الخلفي، ما جعلها تُصنف كمركبة ركاب بدلاً من شاحنة تجارية خاضعة للضريبة.
أما «مرسيدس-بنز» (Mercedes-Benz)، فكانت تفكك شاحنات (Sprinter) جزئياً في ألمانيا قبل إعادة تجميعها في الولايات المتحدة، متجنبة بذلك دفع التعرفة.
وحتى الشركات الأميركية لم تكن بعيدة عن هذه الحيل، إذ قامت «فورد» (Ford) باستيراد طراز (Transit Connect) مع مقاعد ركاب مؤقتة، ثم إزالتها فور دخولها السوق الأميركية لتتحول إلى شاحنات تجارية.
إلا أن الجمارك الأميركية أوقفت هذه الممارسة في 2013؛ ما أدى إلى معركة قانونية استمرت حتى 2024، وانتهت بدفع الشركة 365 مليون دولار لتسوية القضية دون اعتراف بالمسؤولية، وفق «وول ستريت جورنال».
بينما عززت «ضريبة الدجاج» هيمنة الشركات الأميركية على قطاع الشاحنات، فإنها حدّت من تنوع الخيارات المتاحة للمستهلكين.
وتراجعت شركات كبرى مثل «ميتسوبيشي» (Mitsubishi) و«كيا» (Kia) عن دخول السوق الأميركية بسبب هذه التعرفة، وحتى الشركات التي استطاعت التأقلم، مثل «تويوتا» (Toyota)، اضطرت إلى الاستثمار بكثافة في مصانع داخل أميركا الشمالية لتجنب الرسوم الجمركية.
لكن على الرغم من هذه القيود، لم تمنع الضريبة الابتكار، إذ شهدت السوق في السنوات الأخيرة دخول مركبات كهربائية متطورة، مثل «سايبرتراك» (Cybertruck) من «تسلا» (Tesla) و«آر 1 تي» (R1T) من «ريفيان» (Rivian)؛ ما أضاف بعداً جديداً للمنافسة.
وكذلك شركة «فولكس فاجن» (Volkswagen)، التي كانت أحد الأهداف الأصلية للضريبة، أعلنت عودتها إلى قطاع الشاحنات في أميركا عبر علامتها الجديدة (Scout)، فقد بدأت بناء مصنع بقيمة 2 مليار دولار في كارولينا الجنوبية، مع خطط لإطلاق أول شاحنة كهربائية في 2027.
وأوضح التقرير أن ما بدأ كنزاع تجاري محدود في الستينيات تحول إلى سياسة دائمة أثرت بشكل جذري في قطاع السيارات الأميركي.
وبينما يرى البعض أن «ضريبة الدجاج» نجحت في حماية الصناعة المحلية، يجادل آخرون بأنها قللت من خيارات المستهلكين، وأدت إلى ارتفاع الأسعار، وأعاقت دخول لاعبين جدد إلى السوق.
من جانبه، يقول نيك كولاس، الشريك المؤسس في (DataTrek Research) والمحلل السابق في قطاع السيارات: «حتى السياسات التي تبدو تافهة في البداية يمكن أن تكون لها تأثيرات طويلة الأمد».
ويضيف: «قد يكون التأثير إيجابياً أو سلبياً، أو حتى إيجابياً في البداية، ثم يتحول إلى سلبي لاحقاً.. في النهاية، لا يمكننا التنبؤ بالنتائج بدقة».
وشدد التقرير على أنه في ظل استمرار الحكومات في استخدام التعريفات الجمركية كأداة سياسية واقتصادية، تقدم «ضريبة الدجاج» درساً حول كيف يمكن لإجراء واحد أن يعيد تشكيل صناعة بأكملها لعقود طويلة، مشيراً إلى أنه بينما تظل الولايات المتحدة في قلب التوترات التجارية العالمية، تبقى الأسئلة مفتوحة حول مدى تأثير السياسات الحالية في الأجيال القادمة من المستهلكين والشركات.