logo
اقتصاد

هل تنجح استراتيجية الاتحاد الأوروبي لتقليل مخاطر الصين التجارية؟

هل تنجح استراتيجية الاتحاد الأوروبي لتقليل مخاطر الصين التجارية؟
الرئيس الصيني شي جينبينغ يصافح رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أثناء مغادرتهما بعد عقد اجتماع ثلاثي، ضم الرئيس الفرنسي في قصر الإليزيه في باريس، 6 مايو 2024.المصدر: (أ ف ب)
تاريخ النشر:4 سبتمبر 2024, 07:18 م

أثار قرار الاتحاد الأوروبي بزيادة التعريفات الجمركية على المركبات الكهربائية الصينية تساؤلات حول إمكانية التعاون بين الاتحاد والولايات المتحدة لتقليل المخاطر المرتبطة بالصين.

وفقاً لتقرير من مؤسسة «بروكينغز»، يهدف الاتحاد الأوروبي من خلال استراتيجيته الجديدة إلى حماية اقتصاده من الضغوط الخارجية، تعزيز تنافسيته وقدرته على الصمود، والتعاون مع شركاء دوليين لتعزيز موقفه الاقتصادي وتقليل نقاط الضعف.

تتسق استراتيجية الاتحاد الأوروبي مع الجهود الأميركية الرامية إلى تقليل المخاطر المرتبطة بالصين، رغم أن الاتحاد يعتمد نهجاً مميزاً، ففي حين تفضل واشنطن استخدام مصطلحات مثل «حماية، تعزيز، وشراكة»، لا يعتمد الاتحاد الأوروبي، ومقره بروكسل، هذه المصطلحات بشكل صريح، إلا أن أفعاله تعكس تلك المبادئ.

وفقاً للتقرير، صُممت استراتيجية الاتحاد الأوروبي للتخفيف من المخاطر باستخدام أدوات وخصائص خاصة به، ومع ذلك، يواجه الاتحاد تحديات فريدة نتيجة موقعه الجيوسياسي وتفاوت الأهمية بين دوله الأعضاء.

الحماية: استراتيجية الاتحاد الأوروبي

لم تكن دول الاتحاد الأوروبي دائماً متفقة في تعاملها مع الصين، لكن هناك تزايداً في التوافق لمواجهة التكتيكات العدوانية لبكين. يشعر المسؤولون الأوروبيون بالقلق من أن فائض الطاقة الصناعية في الصين قد يؤدي إلى زيادة الواردات الرخيصة المدعومة من الدولة، مما يشكل تهديداً للمنتجين المحليين في الاتحاد الأوروبي.

هددت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين باستخدام «أدوات الدفاع التجاري» بالكامل إذا لم توقف بكين هذه الصادرات.

علاوة على ذلك، يساور القادة الأوروبيين قلق متزايد إزاء دعم الصين لاقتصاد الحرب في روسيا، وانتهاكات حقوق الإنسان، وتحدياتها لمبادئ أساسية مثل حرية الملاحة والمعلومات. كما يشير تقرير «بروكينغز» إلى مخاوف من أن الصين قد تستغل اعتماد أوروبا على المواد الحيوية التي تسيطر عليها لفرض نفوذ غير مبرر.

رداً على التهديدات الصينية، اتخذ الاتحاد الأوروبي إجراءات لحماية مصالحه الاقتصادية، حيث فرضت المفوضية الأوروبية رسوماً مؤقتة على مصنعي السيارات الكهربائية الصينية، وقد تصبح هذه الرسوم دائمة إذا لم تعالج بكين المخاوف الأوروبية.

في المقابل، ردت الصين بإطلاق تحقيقات في صادرات الاتحاد الأوروبي مثل الكونياك ومنتجات الألبان ولحم الخنزير، مما دفع الدبلوماسي الأوروبي جوزيب بوريل إلى التحذير من أن تصاعد الحرب التجارية قد يكون وشيكاً.

كما قدم الاتحاد الأوروبي أدوات جديدة لتعزيز دفاعه ضد التدخلات الأجنبية، تشمل تنظيم دعم الشركات الأجنبية، وأداة الشراء الدولي، وأداة مكافحة الإكراه. تهدف هذه الأدوات، وفقاً للتقرير، إلى حماية القطاعات الحساسة، ضمان المنافسة العادلة، ومواجهة التكتيكات القسرية.

بناء المرونة والتنافسية

تأثرت جهود الاتحاد الأوروبي لتعزيز تنافسيته بسلسلة من الصدمات الخارجية. فقد دفع وباء كوفيد قادة الاتحاد إلى اقتراض تريليون دولار لدعم تعافي الاقتصاد. وبعد فترة وجيزة، أجبر الغزو الروسي لأوكرانيا الحكومات الأوروبية على إنفاق أكثر من 600 مليار دولار خلال عام واحد لمواجهة أزمة الطاقة.

ثم جاء إقرار الولايات المتحدة لقانون خفض التضخم وقانون الرقائق والعلوم، مما جعل الأوروبيين يدركون أن حجم الإعانات الأميركية والصينية في مجالات التكنولوجيا النظيفة وسلاسل توريد أشباه الموصلات قد يفاقم من التبعيات الأوروبية.

وفقاً للتقرير، عزز الاتحاد الأوروبي بشكل استباقي ما يُعرف بـ «تأثير بروكسل»، والذي يشير إلى قدرة الدول الأعضاء على تشكيل المعايير العالمية من خلال وضع قواعد مشتركة في سوقهم الموحد الكبير. تشمل الأمثلة الحديثة على ذلك نظام حماية البيانات العام للاتحاد الأوروبي، وقانون الخدمات الرقمية، وقانون الأسواق الرقمية، وقانون الذكاء الاصطناعي.

استجاب الاتحاد الأوروبي بتدابير مثل قانون الصناعة الخالية من الكربون، وقانون الرقائق الأوروبية، وقانون المواد الخام الحيوية. تهدف هذه المبادرات إلى تبسيط إجراءات الترخيص وتوفير التمويل للابتكارات المحلية والصناعات الاستراتيجية.

ومع ذلك، يشير التقرير إلى أن هذه المبادرات غالباً ما تعاني نقصاً في التمويل الكافي وتطبيق استراتيجي، مما يحد من فعاليتها. على سبيل المثال، يفتقر قانون المواد الخام الحيوية إلى ميزانية مخصصة، خلافاً للإعانات الضخمة التي خصصتها الولايات المتحدة لمشاريع مماثلة.

رغم التقدم الذي أحرزه الاتحاد الأوروبي في مجالات مثل الهندسة الميكانيكية وعلوم الحياة وتقليل الانبعاثات، فإنه لا يزال يتأخر في مجالات حيوية مثل الاستثمار في الذكاء الاصطناعي وتسويق البحث والابتكار الرائد.

توسيع التحالفات العالمية

في إطار استراتيجيته لتخفيف المخاطر، سعى الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز شراكاته العالمية من خلال تكثيف التنسيق مع مجموعة السبع وتأسيس آليات جديدة للتعاون مع دول مثل الهند واليابان. كما تعهد باستثمارات كبيرة في مشاريع البنية التحتية عبر أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، ووقع العديد من الاتفاقيات المتعلقة بالمواد الخام.

بالإضافة إلى ذلك، تعاون الاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة وشركاء آخرين لتعزيز شراكات التحول العادل للطاقة مع دول مثل جنوب إفريقيا وفيتنام وإندونيسيا. تهدف هذه الجهود إلى تنويع سلاسل التوريد وتقليل الاعتماد على الصين.

ومع ذلك، يواجه الاتحاد الأوروبي تحديات كبيرة في تنفيذ استراتيجيته، حيث يشير التقرير إلى أن الاستثمارات في البحث والتطوير ونمو الإنتاجية قد تأخرت لأكثر من عقد. كما بقيت أسعار الطاقة مرتفعة، وسجلت منطقة اليورو نمواً بنسبة 0.3% فقط هذا العام، مع استمرار معاناة الاقتصاد الألماني من الركود.

في الوقت ذاته، تقترب الصين من الهيمنة على سوق تصنيع أجهزة التحليل الكهربائي، كما فعلت سابقًا مع تقنيات الطاقة الشمسية والبطاريات.

رغم أن الاتحاد الأوروبي يضم العديد من مجموعات الابتكار الرائدة عالميًا، إلا أنه يواجه صعوبة في تحويل الأبحاث والابتكارات المتقدمة إلى شركات ناشئة سريعة النمو. وفقًا للتقرير، كان الاستثمار الخاص في الذكاء الاصطناعي في الاتحاد الأوروبي العام الماضي يعادل واحدًا من كل أحد عشر من نظيره في الولايات المتحدة، حيث بلغ حوالي 6 مليارات دولار مقارنة بـ67.2 مليار دولار، وتأخر عن الاستثمار في الصين الذي بلغ 7.8 مليار دولار.

حتى الآن، توجه أكثر من 60% من رأس المال الاستثماري في الذكاء الاصطناعي إلى الشركات الناشئة في الولايات المتحدة، و17% إلى الصين، و6% فقط إلى أوروبا، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة.

كما تفتقر العديد من مبادرات القطاع العام في الاتحاد الأوروبي إلى التمويل الكافي والتوزيع الاستراتيجي، حيث لا يتضمن قانون المواد الخام الحرجة ميزانية محددة، على عكس الـ8.5 مليار دولار التي خصصتها الولايات المتحدة لمشاريع مماثلة.

ورغم هذه الجهود، لا يزال الاتحاد الأوروبي يعتمد بشكل كبير على الصين في الصادرات والواردات، خاصة في القطاعات الاستراتيجية مثل الإلكترونيات والمستحضرات الصيدلانية والمواد الخام الحيوية، ويشير تحليل حديث إلى أن الصين تعد المصدر لأكثر من 200 منتج في النظم البيئية الصناعية الحساسة التي يعتمد فيها الاتحاد الأوروبي على دول أخرى.

تقليل المخاطر

مع دخول الاتحاد الأوروبي مرحلة جديدة من استراتيجيته للتخفيف من المخاطر تحت قيادة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، تبرز الحاجة إلى تعزيز نقاط القوة التنافسية في أوروبا.

يشير التقرير إلى أن نجاح الاتحاد الأوروبي في المستقبل سيرتكز إلى مدى فعاليته في الاستفادة من إمكانيات الاقتصاد عبر الأطلسي البالغة 8.7 تريليون دولار من خلال التعاون مع الولايات المتحدة.

ومع ذلك، قد تشكل الفروقات في النهج والشكوك المتبادلة بين الاتحاد والولايات المتحدة عقبات أمام هذا التعاون، خاصة إذا تغيرت الديناميات السياسية في الولايات المتحدة بعد انتخابات 2024.

وأضاف التقرير أنه رغم التقدم الذي أحرزه الاتحاد الأوروبي في حماية مصالحه الاقتصادية وبناء شراكات عالمية، فإن نجاح استراتيجيته لتخفيف المخاطر يعتمد بشكل كبير على قدرته على تجاوز الانقسامات الداخلية والتحديات الخارجية.

كما شدد على أهمية مواصلة تعديل الاستراتيجيات وتعزيز المرونة لضمان فعالية جهود تقليص المخاطر المرتبطة بالصين وتأمين مستقبل اقتصادي مستدام.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC