تشهد منطقة الشرق الأوسط تحولات جذرية عقب الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، حيث تتصدر جهود إعادة إعمار سوريا المشهد، ما يفتح آفاقاً اقتصادية جديدة لدول الجوار، وخاصة تركيا والأردن.
تأتي هذه التطورات بعد أكثر من عقد من الصراع الذي تسبب في دمار هائل للبنية التحتية السورية، حيث قُدّرت الأضرار بنحو 11.4 مليار دولار، وفقاً لتقرير البنك الدولي الصادر في فبراير 2023.
في خضم هذه التحولات، أصبحت مشاريع إعادة الإعمار محور اهتمام المستثمرين وصناع القرار، وسط توقعات بانتعاش اقتصادي في المنطقة.
تركيا، بموقعها الجغرافي المميز وقدراتها الصناعية، تسعى لتولي دور ريادي في هذه الجهود، بينما يراقب الأردن الفرص التجارية المرتبطة بإعادة فتح الحدود وزيادة النشاط الاقتصادي الإقليمي.
سجلت أسهم شركات البناء والإسمنت التركية قفزات ملحوظة يوم الاثنين، مع ارتفاع سهم شركة «أويك تشيمينتو» بنسبة 9.9%، و«جيمسا» بنسبة 10%، وسط توقعات كبيرة باستفادة قطاع البناء التركي من مشاريع إعادة الإعمار في سوريا.
وأكد وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، أن بلاده ستتولى قيادة هذه الجهود، مع التركيز على ضمان عودة اللاجئين السوريين بسلام.
صرح يوسف دوغان، رئيس قسم أبحاث الأسواق العالمية في شركة «إنفو ياتيريم»، بأن الموقع الجغرافي لتركيا وعلاقاتها التجارية مع سوريا يمنحانها ميزة تنافسية كبيرة في مشاريع إعادة الإعمار، وفق رويترز.
وأضاف أن الطلب المرتفع المتوقع على مواد البناء، وخاصة الإسمنت، يمثل فرصة ذهبية للشركات التركية.
أكد فولكان بوزاي، الرئيس التنفيذي لجمعية مصنّعي الإسمنت التركية «توركشيمينتو»، أن الإسمنت سيكون أساسياً في تطوير البنية التحتية السورية، بحسب رويترز.
وقال: «نتوقع زيادة كبيرة في الطلب مع تسارع جهود إعادة الإعمار، وشركاتنا جاهزة لتلبية هذه الاحتياجات».
تعد إعادة الإعمار فرصة لتخفيف العبء الاقتصادي الناتج عن استضافة تركيا لنحو 3.5 مليون لاجئ سوري.
ومع توقع عودة عدد كبير من هؤلاء اللاجئين إلى وطنهم، يمكن أن تستعيد تركيا بعض التوازن في سوق العمل وتخفض تكاليف المساعدات الإنسانية.
إضافة إلى ذلك، يوفر قطاع الإنشاءات فرصة لتعزيز الصادرات التركية من مواد البناء مثل الإسمنت والحديد.
وتاريخياً، وصلت صادرات تركيا إلى سوريا إلى 1.3 مليار دولار في 2010، ومن المتوقع أن تتجاوز هذا الرقم في المستقبل.
أكد فاتح يوجيليك، رئيس جمعية صناعة الإسمنت التركية، أن القطاع على استعداد تام لدعم مشاريع إعادة الإعمار.
وقال: الشركات التركية تمتلك الخبرة والموارد اللازمة للمساهمة في إعادة بناء سوريا، ونحن جاهزون للتحدي.
ومع استمرار التطورات الميدانية والسياسية، يراقب المستثمرون عن كثب التأثير المتوقع لهذه المشاريع على اقتصادات دول الجوار، وسط آمال بدور ريادي لتركيا والأردن في إعادة بناء المدن السورية والبنية التحتية المدمرة.
بالنسبة للأردن، يمثل فتح معبر جابر-نصيب الحدودي بوابة لإعادة التجارة مع سوريا إلى مستوياتها قبل الحرب، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 260 مليون دولار في 2010.
كما أن مشاريع الطاقة الإقليمية، مثل تزويد لبنان بالكهرباء عبر الأردن وسوريا، تعد مصدراً محتملاً للإيرادات.
ورغم التفاؤل الكبير، تواجه جهود إعادة الإعمار تحديات منها غياب الاستقرار السياسي في سوريا، وصعوبة تحديد حجم الدمار الكامل، فضلاً عن القيود المحتملة على التمويل الدولي. ومع ذلك، تبقى تركيا والأردن في موقع إستراتيجي للاستفادة من هذه الفرصة التاريخية.