بعد أشهر من الضغط خلف الكواليس والتعبير عن الاستياء بصمت، بدأ قادة الأعمال في الولايات المتحدة مهاجمة سياسات الرئيس دونالد ترامب الجمركية علناً، في ظل تصاعد المخاوف من تداعيات الحرب التجارية العالمية على المدى الطويل.
في البداية، فضّل معظم المديرين التنفيذيين التعبير عن قلقهم من خلال الجمعيات الصناعية وجماعات الضغط، لكن بعد تراجع الأسواق لثلاثة أيام متتالية وتحذيرات صريحة من شخصيات بارزة في «وول ستريت»، مثل بيل أكمان وجيمي ديمون، بدأ عدد من الرؤساء التنفيذيين كسر حاجز الصمت.
وفقاً لتقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال»، قال بهرام أكرادي، الرئيس التنفيذي لسلسلة نوادي «لايف تايم غروب هولدينغز» (Life Time Group Holdings)، في مقابلة يوم الاثنين: «الرسوم الجمركية ليست كلمة جميلة. لا أتفق معها، نحن نعيش في اقتصاد عالمي». وأضاف: «لا يمكن لهذا الوضع أن يستمر. لا يمكن فرض هذا النوع من العرقلة والقيود على التجارة العالمية».
أعرب فاروق كاثواري، الرئيس التنفيذي لشركة «إيثان ألين» (Ethan Allen)، التي تصنع 75% من أثاثها في أميركا الشمالية، عن رأي مماثل، مشبّهاً السياسات الجمركية بتسلق منحدر جبلي خطير. وقال: «ليس هناك ما يعيب التراجع، فهذا لا يُعد فشلاً». وأضاف: «إذا اندفعت بسرعة، قد تدخل المياه إلى رئتيك».
ورغم إشادته بجهود إعادة التصنيع إلى داخل الولايات المتحدة، حذر كاثواري من أن الرسوم المرتفعة قد تعطل سلاسل التوريد وتقلق المستهلكين. وقال: «التغيير مهم، وكان ضرورياً، لكن السؤال دائماً هو: ما السرعة؟ وكم؟ لقد صعّدوا الأمور أكثر مما ينبغي».
ومع بداية موسم إعلان الأرباح، توقع التقرير أن يتعرض المزيد من الرؤساء التنفيذيين لضغوط للإفصاح عن تأثير الرسوم الجمركية في أعمال شركاتهم؛ إذ من المقرر أن يواجه مسؤولو «وول مارت» (Walmart) المستثمرين في فعالية يوم الأربعاء، بينما تعلن «دلتا إيرلاينز» (Delta Air Lines) أرباحها في اليوم ذاته. كما تقدم «ويلز فارغو» (Wells Fargo) نتائجها يوم الجمعة، تليها بنوك كبرى أخرى الأسبوع المقبل.
اللافت أن بعض أكثر الأصوات انتقاداً للتصعيد الجمركي هم من الداعمين السابقين لترامب؛ فقد دعا الملياردير بيل أكمان إلى وقف مؤقت لمدة 90 يومًا في فرض الرسوم، لإتاحة المجال أمام المفاوضات، محذراً من «شتاء اقتصادي نووي من صنع أيدينا».
وكتب في منشور عبر منصة X: «نحن ندمر الثقة ببلادنا كشريك تجاري، وكمكان مناسب للأعمال، وسوق يمكن استثمار رأس المال فيه».
أما رايان كوهين، الرئيس التنفيذي لشركة «غيم ستوب» (GameStop) والداعم الصريح لترامب، فعبّر عن استيائه قائلاً إن الرسوم الجمركية «جعلتني ديمقراطياً». وفي اليوم التالي، كتب ساخراً: «لا أستطيع الانتظار لشراء آيفون أميركي الصنع بسعر 10,000 دولار». وكانت شركته قد تأثرت بالفعل، إذ أعلنت «نينتندو» (Nintendo) تعليق الطلبات المسبقة على جهاز (Switch 2) في الولايات المتحدة بسبب الرسوم الجديدة.
كما نشر إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة «تسلا» (Tesla) وأحد أكثر مستشاري ترامب نفوذاً، مقطعاً مصوراً شهيراً للاقتصادي ميلتون فريدمان يدافع فيه عن التجارة الحرة، في إشارة غير مباشرة إلى انتقاده سياسة الإدارة الحالية.
لكن رغم تصاعد الانتقادات، يواصل ترامب الدفاع عن خطة الرسوم الجمركية، واصفاً إياها هذا الأسبوع على منصة «تروث سوشال» (Truth Social) بأنها «أمر رائع يستحق المشاهدة»، ومؤكداً أنها ستجلب الازدهار الاقتصادي. وعندما سئل عما إذا كانت هذه الرسوم نهائية أم قابلة للتفاوض، أجاب: «يمكن أن يكون الأمران صحيحين».
أحد الأسباب وراء صمت قادة الأعمال في البداية كان الخوف من ردود الفعل. ووفقاً لجيفري سوننفيلد، أستاذ إدارة الأعمال في «جامعة ييل»، فإن الإدارة استهدفت خلال الأسابيع الأخيرة عدة مكاتب محاماة لها صلات بمعارضي ترامب السياسيين والقانونيين، كما طلبت من وكالات فيدرالية التحقيق في سياسات التنوع لدى بعض المؤسسات.
وقال سوننفيلد إنه تحدث إلى عدد من الرؤساء التنفيذيين الذين يريدون من جمعياتهم التجارية اتخاذ مواقف أكثر علانية ضد الرسوم. وأضاف: «لا يريدون أن يكونوا هدفاً مباشراً؛ لأنه حينها يصبح الأمر شخصياً».
وأكد أكرادي أنه يأمل أن تتوصل الإدارة في النهاية إلى اتفاقيات تخفض الرسوم الجمركية عالمياً. وأضاف: «إذا نجحوا في ذلك، وحققوا بعض المكاسب، فسيكون هذا جيداً للجميع. وإن لم يحدث، فأعتقد أن هذه الخطوة الأخيرة ستكون كارثية على نحو نووي».
أما بعض المديرين التنفيذيين الآخرين، فيتخذون مواقف أكثر تحفظاً. وقال بروس شامبو، الرئيس التنفيذي لسلسلة «روم آند بورد» (Room & Board) للأثاث، إنه يتجنب الحديث العلني عن الرسوم؛ بسبب الغموض المحيط بالوضع. وأضاف: «سنرى كيف ستسير الأمور. لم يتضح بعد ما إذا كانت هذه الخطوة ستحقق فعلاً ما تسعى إليه إدارة ترامب».