تتجه السياسات التجارية المتغيرة في الولايات المتحدة لإعادة تشكيل سلاسل الإمداد العالمية، بينما تتوقع بيوت الخبرة والاستشارات أن يكون لها تأثيرات على الشركات في منطقة الخليج، وعلى مستوى العالم.
ورغم أن التركيز الفوري للرسوم الجمركية الأميركية ينصب على الصين والمكسيك وكندا، بالإضافة إلى بعض الصناعات مثل الصلب والألمنيوم، أشار تقرير صادر عن شركة «برايس ووترهاوس كوبرز» (PwC) إلى ضرورة قيام الشركات الخليجية بتقييم استباقي للاضطرابات المحتملة في استراتيجيات التجارة والاستثمار الخاصة بها.
بدأت الإدارة الأميركية حرباً تجارية واسعة بعد أن رفعت الرسوم الجمركية على السلع الصينية إلى 20%، في حين تم الإبقاء على الرسوم الإضافية على الواردات من المكسيك وكندا بنسبة 25%، مع تخفيض قدره 10% لموارد الطاقة.
رداً على ذلك، فرضت الصين رسوماً تصل إلى 15% على السلع الزراعية الأميركية، كما قامت بتوسيع «قائمة الكيانات غير الموثوقة» لتشمل العديد من الشركات الأميركية.
من جانبها، ردت كندا بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على صادرات أميركية بقيمة 155 مليار دولار.
ومع ذلك، لا يزال عدم اليقين بشأن سياسة التجارة يشكل مصدر قلق مستمر للمصدرين في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الشركات الخليجية.
يمكن تصنيف الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة والمقترحة إلى عدة فئات، حيث تبرز الرسوم المتعلقة بالصين كأبرز القرارات التجارية الأميركية.
وتعتبر الصين خصماً تجارياً رئيساً بالنسبة للولايات المتحدة بسبب قضايا متعددة، مثل الملكية الفكرية وتدفق الفنتانيل إلى الأسواق الأميركية.
بالإضافة إلى ذلك، تفرض الولايات المتحدة رسوماً على الواردات من المكسيك وكندا بسبب مخاوف تتعلق بالأمن القومي، مثل الهجرة وتهريب المخدرات، ما يعكس أولويات السياسة الأميركية في هذه المنطقة.
أما بالنسبة لبقية العالم، تجري الولايات المتحدة تحقيقاً موسعاً تحت إطار «سياسة التجارة الأميركية أولاً»، ومن المتوقع أن يُصدر تقرير بهذا الخصوص في أبريل 2025.
وعلى الرغم من أن دول مجلس التعاون الخليجي ليست من بين أكبر 20 دولة تعاني من عجز تجاري مع الولايات المتحدة، فإن هذا التحقيق قد يؤدي إلى فرض حواجز تجارية جديدة.
كما تفرض الحكومة الأميركية قيوداً تجارية إضافية بخلاف الرسوم الجمركية، حيث تشمل هذه القيود تعزيز الضوابط على الصادرات. في هذا السياق، يتم حالياً مراجعة إطار عمل «انتشار الذكاء الاصطناعي»، وهو ما قد يؤدي إلى فرض متطلبات صارمة على تصدير الرقائق الأميركية المصنعة للذكاء الاصطناعي.
وفقاً للتقرير، يضع هذا التقلب الشركات الخليجية أمام تحديات كبيرة في التكيف مع بيئة تنظيمية أكثر تعقيداً، مؤكداً على ضرورة أن تراقب هذه الشركات، ولا سيما تلك المعنية بصناعات الألمنيوم والصلب والتصنيع المتقدم، تطورات السياسة التجارية الأميركية من كثب، وذلك لضمان قدرتها على التكيف مع التغيرات المحتملة في السياسات التجارية.
وتشير المذكرة الصادرة حديثاً من الإدارة الأميركية بعنوان «التجارة والتعريفات الجمركية المتبادلة» إلى أن الولايات المتحدة قد تعدل رسومها لتتوافق مع تلك المفروضة من قبل شركائها التجاريين. وقد تشمل هذه المراجعة اتفاقيات التجارة الحرة بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي.
وتتمثل إحدى المخاوف البارزة في الزيادة المتوقعة للرسوم الجمركية على واردات الألمنيوم والصلب، حيث من المقرر أن تصل إلى 25% في 12 مارس. وستتجاوز هذه الخطوة أي اتفاقيات تجارية تفضيلية سارية، بما في ذلك تلك بين الولايات المتحدة والبحرين أو عمان.
ووفقاً لبيانات وزارة التجارة الأميركية، تعد الإمارات العربية المتحدة ثاني أكبر مصدر للألمنيوم إلى الولايات المتحدة، في حين أن البحرين وعمان وقطر تحتل مواقع بارزة في هذا القطاع. وفيما يتعلق بصادرات الصلب، تحتل الإمارات المرتبة الثانية عشرة بين موردي الولايات المتحدة.
نظراً للتقلبات المستمرة في السياسة التجارية الأميركية، أفاد التقرير بأن على الشركات الخليجية أن تتخذ خطوات استباقية للحد من المخاطر والتكيف مع الاضطرابات المحتملة.
وتشمل الاستراتيجيات الرئيسة إجراء تقييم شامل لتداعيات الرسوم الجمركية على نماذج الأعمال وسلاسل الإمداد وهياكل التسعير، إذ يساعد هذا التقييم الشركات على تحليل تأثير الرسوم الجمركية من خلال نمذجة السيناريوهات ووضع خطط طوارئ مناسبة.
من جهة أخرى، من المهم أن تقوم الشركات بمراجعة عقود الموردين وهياكل التسعير لتحديد إمكانية تمرير تكاليف الرسوم الجمركية إلى العملاء أو إعادة التفاوض على الاتفاقيات، بالإضافة إلى الاستفادة من المناطق التجارية الحرة لتحسين التدفق النقدي.
وفيما يتعلق باللوجستيات، أكد التقرير أنه ينبغي إعادة تقييم استراتيجيات النقل لتقليل التكاليف والحد من الاضطرابات المحتملة، مع تحسين سياسات إدارة المخزون. كما يجب على الشركات ضمان تحديث جميع الوثائق التجارية لتفادي أي تأخيرات أو غرامات محتملة بسبب عدم الامتثال.
وفي إطار المراقبة المستمرة، من الضروري متابعة المفاوضات التجارية والتغييرات التنظيمية التي قد تؤثر على صادرات دول مجلس التعاون الخليجي. بالإضافة إلى ذلك، على الشركات دمج الحلول الرقمية لتعزيز رؤية سلسلة الإمداد وتبسيط العمليات التجارية عبر الحدود.
واختتم التقرير بتأكيد أن الشركات الخليجية لم يعد بإمكانها الاعتماد على نهج «الانتظار والترقب»، إذ إن تطور جدول الأعمال التجاري الأميركي يستدعي اتخاذ إجراءات فورية لحماية سلاسل الإمداد والحفاظ على التنافسية في الأسواق العالمية. ومن خلال التقييم الاستباقي للمخاطر المحتملة وتنفيذ التعديلات الاستراتيجية، يمكن لهذه الشركات التكيف بمرونة مع المشهد التجاري المتغير.