حلّ عيد العمال في الولايات المتحدة الذي صادف يوم الاثنين الـ 2 من سبتمبر الجاري، ثقيلاً على موظفي شبكة «الشرق الأوسط للإرسال» (MBN) الممولة من الكونغرس الأميركي، والتي تنضوي تحتها «قناة الحرة»، حيث نفّذت الإدارة ما يُرجّح أنها أكبر عملية تسريح جماعي للموظفين منذ نشأتها عام 2004.
«إنه يوم حزين. اليوم، ودّعنا 160 زميلة وزميلاً، وخفّضنا عدد موظفينا بـ 21%». هذه كانت العبارة التي استهل بها الرئيس التنفيذي بالوكالة للشبكة، جيفري غدمن، الرسالة التي أرسلها إلى الموظفين، وغالبيتهم العظمى من حملة الجنسيات العربية، يبلغهم فيها القرارات الخاصة بـ«عملية الإصلاح الشاملة»، بحسب ما جاء في بيان نشرته الشبكة على موقع «قناة الحرة» الإلكتروني.
أوضح غدمن في رسالته أن هذه التغييرات «فرضتها علينا الظروف»، في إشارة إلى أن الميزانية التي أقرّها مجلس الشيوخ، استدعت تقليص مصاريف الشركة التي يتم تمويلها من خلال الوكالة الأميركية للإعلام الدولي (USAGM)، بواقع 20 مليون دولار. وقال: «تشكل رواتب ومزايا الموظفين أكثر من 70% من مصاريف المؤسسة».
كانت «بروبابليكا» (ProPublica) الأميركية، وهي غرفة أخبار مستقلة وغير ربحية متخصصة في الصحافة الاستقصائية، نشرت على موقعها أرقام الميزانيات السنوية ورواتب كبار الموظفين في الشبكة عن الأعوام من 2011 وحتى 2022. وبحسب تلك الأرقام، فإن ميزانية «الشرق الأوسط للإرسال» بلغت في 2022 نحو 131 مليون دولار، ارتفاعاً من نحو 112 مليون دولار في 2021.
يتم إنفاق هذه الميزانية الضخمة بشكل رئيس لتشغيل «قناة الحرة» العامة وقناة «الحرة عراق»، ومقرهما في مدينة سبرينغفيلد بولاية فيرجينيا، إلى جانب إذاعة «راديو سوا» التي أوقفت الشبكة بثها على ترددات موجة "إف إم" في 2022. وإضافة إلى ذلك، تشمل الميزانية الإنفاق على عدد من المنصات والتطبيقات الرقمية، ومجموعة من البودكاست التي تُبث تحت علامة "سوا بودكاست". وقد شهدت الشبكة عمليات إعادة هيكلة عدة، على مدى سنواتها العشرين، إلا أن هذه العملية الأخيرة تعتبر الأكبر من حيث عدد الموظفين المسرّحين.
لدى الاستفسار عن الأسباب الحقيقية وراء هذا الخفض الكبير في ميزانية واحدة من أهم المشاريع الإعلامية الأميركية الموجهة للخارج، وما إذا كان ذلك تخفيفاً مقصوداً للصوت الإعلامي الأميركي في المنطقة، نفت «الشرق الأوسط للإرسال» في تصريحات خاصة لـ«إرم بزنس» أن يكون ثمة سبب معين وراء هذه الخطوة من قبل الكونغرس الأميركي. كما أكدت أن تقليص الميزانية، لم يقتصر على شبكة «الشرق الأوسط للإرسال»، حيث قامت الحكومة الأميركية بخفض ميزانية الوكالات الفيدرالية والجهات المستفيدة من المنح في مختلف المجالات، بما في ذلك وزارة الخارجية الأميركية.
كان المشرعون الأميركيون توصلوا بالفعل إلى اتفاق إنفاق، استهدف إحداث تقليص في تمويل وكالات فيدرالية عدة، بما فيها الوكالة الأميركية للإعلام الدولي، وهي المجموعة التي تشمل أربعة فروع أخرى إلى جانب شبكة «الشرق الأوسط للإرسال»، وهي إذاعة أوروبا الحرة / راديو ليبرتي؛ وصوت أميركا؛ وراديو آسيا الحرة؛ ومكتب كوبا للإرسال.
وكالة الإعلام الدولي كانت عزت في تعليق سابق لها على قرار الكونغرس، هذا الأمر إلى «البيئة العامة للميزانية»، رغم أن رئيستها التنفيذية أماندا بينيت، كانت طالبت قبل ذلك الكونغرس بتخصيص المزيد من الأموال لوكالتها من أجل «مواصلة تأمين الميزة التنافسية لأميركا في حرب المعلومات العالمية التي فرضتها تحديات متزايدة تواجه بيئة الإعلام الدولي».
وفي طلب ميزانية السنة المالية 2025، حددت الوكالة حاجتها إلى تمويل بقيمة 950 مليون دولار، لتعزيز مهمتها في «إعلام الناس وإشراكهم وربطهم حول العالم، لدعم الحرية والديمقراطية في مشهد إعلامي عالمي يشهد تحديات متزايدة».
قالت «الشرق الأوسط للإرسال» في ردها على استفسارات «إرم بزنس»: «سوف تمضي الشبكة قدماً في حدود إمكاناتها، وتدافع عن ضرورة زيادة الميزانيات إلى مستويات أعلى وأكثر متانة في المستقبل. لقد تضررت صناعة الإعلام بشدة. وعلى الرغم من شدة هذه التخفيضات، فإننا نغتنم الفرصة لإعادة تشكيل شبكة (الشرق الأوسط للإرسال)، وإعادة صياغة تصور جديد لها، وجعلها أكثر فاعلية في خدمة رسالتها وجمهورها».
أوضحت الشبكة أنها قررت دمج قناة «الحرة عراق» بقناة الحرة الرئيسة، مشيرة إلى أنه مع عملية الدمج هذه، حدث تقليص طبيعي للموظفين. وقالت إن برامج «الحرة عراق»، مثل برنامج «بالعراقي» والبرنامج الإخباري «العراق هذا المساء»، سيستمر بثها، ولكن من خلال قناة الحرة.
من ناحية أخرى، أشارت المؤسسة الإعلامية الأميركية إلى عزمها تخفيض الحضور المادي لبعض مكاتبها في الشرق الأوسط. وبدلاً من تحمل تكاليف الإيجار العالية وباقي الخدمات المصاحبة، ستبدأ بالتركيز أكثر على الجانب الصحافي والعمل الميداني للمراسلين، معتبرة أن «نجاح المؤسسات الإعلامية، ليس بعدد المكاتب أو حجمها، وإنما بالمحتوى الذي تقدمه».
وأضافت: «بما أننا خفضنا الميزانية، بدأنا نبحث عن العمل بشكل أكثر كفاءة».
كما لفتت إلى التحديات التي تواجه الإعلام المعاصر في ظل التطور السريع الذي يشهده، ما دفع الشبكة نحو التركيز أكثر على المحتوى متعدد الوسائط.
وقالت: «هناك تركيز كبير على الإعلام الرقمي. والتواصل مع الشباب مهم جداً، بحيث نهدف إلى صنع محتوى قابل للتفاعل، ونسعى إلى التوجه بمحتوانا إلى الجمهور الناطق باللغة العربية ككل من المحيط إلى الخليج».
في الوقت ذاته، شدّدت شبكة «الشرق الأوسط للإرسال» على أن عملية إعادة الهيكلة لا تمس توجهاتها التي أُعلن عنها منذ إنشائها، إذ «ستظل تركز على مواضيع حقوق الإنسان وحقوق المرأة ودورها في المجتمع، وحرية الصحافة والفكر والمعتقد، والتعددية والمساءلة الديمقراطية».
كما أكدت لـ«إرم بزنس» على «إعطاء أولوية للصحافة الاستقصائية والتوضيحية وصحافة الحلول، وجهود مواجهة حملات التضليل الإعلامي من الصين وروسيا والقنوات التابعة لإيران».