حذّر صندوق النقد الدولي، اليوم الثلاثاء، من أن التصعيد في الحرب التجارية العالمية، لا سيما الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة والإجراءات المضادة من شركائها التجاريين، سيكون له تأثير ملموس على وتيرة النمو الاقتصادي العالمي خلال العام الجاري.
وأشار الصندوق، ومقره واشنطن، إلى أن النمو العالمي يُتوقع أن يتراجع إلى 2.8% في عام 2025، بعد أن خفّض توقعاته السابقة بنحو 0.5 نقطة مئوية عن تقديراته في يناير الماضي. وأكد أن هذه التقديرات تأتي وسط «مرحلة معقدة وسريعة التبدل»، داعياً إلى الحذر في رسم السياسات الاقتصادية في ظل حالة عدم اليقين الراهنة.
وقال التقرير إن الإجراءات التجارية المتبادلة أسهمت في رفع مستويات التضخم في بعض الاقتصادات الكبرى، كما ألقت بظلالها على ثقة المستثمرين وسلاسل الإمداد العالمية، مما أدى إلى إبطاء وتيرة التجارة والاستثمار على نطاق واسع.
وتُعد التجارة الدولية محركاً رئيسياً للنمو الاقتصادي العالمي، حيث تُمثل الصادرات والواردات مجتمعة نحو 60% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
وخفض صندوق النقد الدولي اليوم الثلاثاء، توقعاته للنمو في الولايات المتحدة والصين ومعظم الدول، مشيراً إلى تأثير الرسوم الجمركية الأميركية التي بلغت الآن أعلى مستوياتها في 100 عام، وحذر من أن المزيد من التوترات التجارية من شأنه أن يؤدي إلى تباطؤ النمو بشكل أكبر.
وأصدر صندوق النقد الدولي تحديثاً لتوقعاته الاقتصادية العالمية، والذي أُعِدّ في غضون 10 أيام فقط بعد أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، عن فرض رسوم جمركية شاملة على جميع الشركاء التجاريين تقريباً ومعدلات أعلى - معلقة حالياً - على العديد من البلدان.
وخفض الصندوق توقعاته للنمو العالمي بمقدار 0.5 نقطة مئوية إلى 2.8% لعام 2025، وبمقدار 0.3 نقطة مئوية إلى 3% من توقعاته في يناير بأن النمو سيصل إلى 3.3% في كلا العامين.
وتوقع الصندوق أن ينخفض التضخم بشكل أبطأ من المتوقع في يناير، نظراً لتأثير الرسوم الجمركية، ليصل إلى 4.3% في عام 2025 و3.6% في عام 2026، مع تعديلات تصاعدية «ملحوظة» للولايات المتحدة وغيرها من الاقتصادات المتقدمة.
وقال بيير أوليفييه غورينشاس، كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، للصحفيين: «نحن ندخل حقبة جديدة حيث يُعَاد ضبط النظام الاقتصادي العالمي الذي عمل خلال السنوات الثمانين الماضية»، وفق وكالة «رويترز».
ولم يقتصر تأثير فرض الرئيس الأميركي للرسوم الجمركية «المتبادلة» في الثاني من أبريل على هز أسواق الأسهم فحسب، بل شمل أيضًا مؤشر ستاندرد آند بورز 500.
وانخفضت التجارة بين الولايات المتحدة والصين بنسبة 9% منذ فرض الرسوم - ولكنها أثارت أيضًا تدابير مضادة من جانب شركاء تجاريين آخرين.
في حالة تصعيد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة ودول أخرى، أكد غورينشاس أن ذلك قد يؤدي إلى زيادة حالة عدم اليقين، وهو ما سيخلق تقلبات إضافية في الأسواق المالية، وسيؤدي إلى تشديد الظروف المالية.
غورينشاس أشار إلى أن التأثير المجمع من شأنه أن يخفض بشكل أكبر آفاق النمو العالمي.
وتابع أن ضعف آفاق النمو أدى بالفعل إلى انخفاض الطلب على الدولار، لكن التعديل في أسواق العملات وإعادة التوازن إلى المحافظ الاستثمارية الذي شهدناه حتى الآن كان منظماً.
خفض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو التجارة العالمية بنحو 1.5 نقطة مئوية إلى 1.7%، وهو نصف النمو المتوقع في عام 2024، وهو ما يعكس تسارعاً يفتت الاقتصاد العالمي.
وقال إن التجارة ستستمر، لكنها ستكلف أكثر، وستكون أقل كفاءة، مشيرًا إلى الارتباك وعدم اليقين بشأن أماكن الاستثمار، ومصادر المنتجات، وشراء المكونات. وأضاف أن استعادة القدرة على التنبؤ والوضوح للنظام التجاري، مهما كان شكله، أمر بالغ الأهمية.
خفض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد الأميركي بنحو 0.9 نقطة مئوية إلى 1.8% في عام 2025، وهو ما يمثل نقطة مئوية كاملة مقارنة بنمو بلغ 2.8% في عام 2024، وبنحو 0.4 نقطة مئوية إلى 1.7% في عام 2026، مشيراً إلى عدم اليقين السياسي والتوترات التجارية.
وصرح غورينشاس للصحفيين بأن صندوق النقد الدولي لا يتوقع ركوداً اقتصادياً في الولايات المتحدة، لكن احتمالات حدوث تباطؤ قد ارتفعت من حوالي 25% إلى 37%.
وأضاف أن الصندوق يتوقع الآن أن يصل معدل التضخم العام في الولايات المتحدة إلى 3% في عام 2025، أي أعلى بنقطة مئوية واحدة؛ مما توقعه في يناير، وذلك بفضل الرسوم الجمركية وقوة قطاع الخدمات.
وقال غورينشاس إن هذا يعني أن بنك الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) سيضطر إلى أن يكون يقظاً للغاية في الحفاظ على توقعات التضخم ثابتة، مشيراً إلى أن العديد من الأميركيين ما زالوا يعانون ارتفاع التضخم خلال جائحة كوفيد.
خُفِّضَت توقعات نموّ كندا والمكسيك، جارتي الولايات المتحدة اللتين استهدفتهما مجموعة من الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب.
وتوقع صندوق النقد الدولي نموّ اقتصاد كندا بنسبة 1.4% في عامي 2025 و2026، بدلاً من 2% المتوقعة لكلا العامين في يناير.
وتوقع أن تتأثر المكسيك بشدة بالرسوم الجمركية، مع انخفاض نموها إلى 0.3% سالب في عام 2025، وهو انخفاض حاد بنحو 1.7 نقطة مئوية عن توقعات يناير، قبل أن يتعافى إلى نمو بنسبة 1.4% في عام 2026.
توقع صندوق النقد الدولي تباطؤ النمو في منطقة اليورو إلى 0.8% في عام 2025 و1.2% في عام 2026، بانخفاض قدره 0.2 نقطة مئوية عن يناير.
وأشار إلى أن إسبانيا تُمثل حالة استثنائية، حيث من المتوقع أن يبلغ نموها 2.5% في عام 2025، بزيادة قدرها 0.2 نقطة مئوية، مما يعكس قوة البيانات.
وشملت العوامل الموازنَة زيادة الاستهلاك نتيجةً لارتفاع الأجور، وتيسيرًا ماليًا متوقعًا في ألمانيا بعد تغييرات جذرية في «كبح الديون».
وخفّض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو في ألمانيا بمقدار 0.3 نقطة مئوية إلى 0.0% في عام 2025، وبمقدار 0.2 نقطة مئوية إلى 0.9% في عام 2026.
ومن المتوقع أن يصل النمو في بريطانيا إلى 1.1% في عام 2025، أي أقل بنحو 0.5 نقطة مئوية عن توقعات يناير، ثم يرتفع إلى 1.4% في عام 2026، وهو ما يعكس تأثير إعلانات التعريفات الجمركية الأخيرة، وارتفاع عائدات السندات الحكومية، وضعف الاستهلاك الخاص.
وقد تؤدي التوترات التجارية والرسوم الجمركية إلى تقليص النشاط الاقتصادي في اليابان بنحو 0.5 نقطة مئوية في عام 2025، مقارنة بتوقعات يناير، مع توقع نمو بنسبة 0.6%.
وخُفِضَت توقعات النمو في الصين إلى 4% لعامي 2025 و2026، وهو ما يعكس تخفيضات بنسبة 0.6 نقطة مئوية و0.5 نقطة مئوية على التوالي من توقعات يناير.
وقال غورينشاس إن تأثير الرسوم الجمركية على الصين - التي تعتمد بشكل كبير على الصادرات - سيكون حوالي 1.3 نقطة مئوية في عام 2025، ولكن هذا تم تعويضه من خلال التدابير المالية الأقوى.