مع انحسار التضخم الذي قفز إلى أعلى مستوياته خلال 4 عقود تقريبا في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو، يبدو أن البنوك المركزية حول العالم بدأت معركة جديدة مع تنامي المخاوف والتحذيرات من الركود الذي باتت بوادره تلوح في الأفق.
في أسبوع حافل تجتمع 4 بنوك مركزية كبرى لاتخاذ قرار الفائدة، بدءاً من مجلس «الاحتياطي الفيدرالي» (البنك المركزي الأميركي) مروراً ببنك إنجلترا وبنك اليابان و«المركزي الصيني» (بنك الشعب).
تأتي اجتماعات الأسبوع الجاري بعدما خفض البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة الخميس الماضي، للمرة الثانية، مع تراجع التضخم وتباطؤ النمو الاقتصادي، وخفض البنك سعر الفائدة على الودائع 25 نقطة أساس إلى 3.50%.
تأتي اجتماعات البنوك بعد إعلان دورة نقدية جديدة بشعار «التيسير»، بعد ثلاث سنوات من التشديد النقدي، والتي قفزت بأسعار الفائدة إلى ذروة عقدين وأكثر، في أغلب الاقتصادات الكبرى، وذلك مع تزايد الإشارات على انحسار الموجات التضخمة العنيفة التي ضربت الأسواق العالمية جراء جائحة «كورونا» وتداعيات حرب أوكرانيا على أسعار الطاقة والغذاء، بدأت البنوك حرباً جديدة، ولكن في تلك المرة على الركود.
وفق البيانات الرسمية التي صدرت نهاية الشهر الماضي، تباطأت مؤشرات مديري المشتريات الصناعي والخدمي، وكذلك قطاع التوظيف، بالتزامن مع زيادة الضيق في سوق العمل، ما أجج مخاوف الأسواق بشأن مبالغة المركزيين حول العالم في التشديد، ما قد يكون زج بالاقتصاد صوب دائرة الركود.
من المقرر أن تجتمع العديد من البنوك المركزية حول العالم الأسبوع الجاري، ووفقا لتوقعات «إس آند غلوبال»، من المرجح أن تتخذ 5 من أبرز البنوك المركزية قراراً بالإبقاء على أسعار الفائدة.
قال صندوق النقد الدولي الخميس الماضي: «من المناسب أن يبدأ مجلس (الاحتياطي الفيدرالي) دورة تيسير نقدي طال انتظارها مع انحسار المخاطر الصعودية للتضخم».
كما أوضحت المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي جولي كوزاك في بيان أن الصندوق يتوقع تباطؤ الاقتصاد الأميركي في الفترة المتبقية من العام، وأن ينعكس ذلك في توقعاته المحدثة لآفاق الاقتصاد العالمي في أكتوبر.
وقالت كوزاك «نعتقد أننا سنرى بداية وشيكة لدورة تيسير من (الفيدرالي)، ومع ذلك، فإن المخاطر الصعودية للتضخم، على الرغم من تراجعها، لم تختف تماما، وأضافت «سيتعين على (الاحتياطي الفيدرالي) الاستمرار في قياس وتيرة ومدى خفض أسعار الفائدة في ضوء البيانات الاقتصادية الواردة في المستقبل».
خلال الشهر الماضي ضربت الأسواق العالمية موجة من الهبوط الواسع مع المخاوف المتزايدة بشأن الركود، والقلق من فشل بنك «الاحتياطي الفيدرالي» في التصرف بسرعة كافية عقب تقرير وظائف ألهب الأسواق.
وفقاً للبيانات الرسمية، فإن الاقتصاد الأميركي أضاف 114000 وظيفة فقط في يوليو أقل بكثير من المتوقع، بينما قفز معدل البطالة إلى 4.3% على عكس التوقعات.
في صورة أوسع أجج مخاوف الركود تعرض قطاع التصنيع في الصين والولايات المتحدة واليابان ومنطقة اليورو لتباطؤ شديد ليسجل قراءات سلبية تراوحت ما بين التباطؤ والانكماش.
استقبل بنك «الاحتياطي الفيدرالي» حزمة من البيانات الصادمة، عقب قراره الأخير بالإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير في اجتماعه المنتهي في 31 يوليو الماضي، ما أثار التساؤلات بشأن خطأ «الفيدرالي» في الحسابات وتأخره في خفض أسعار الفائدة.
انكمش مؤشر مديري المشتريات الخدمي والصناعي في الولايات المتحدة، لتأتي القراءة أقل من التوقعات وفقاً لإحصاءات «ماركيت» Markit للبيانات النهائية لمؤشر مديري المشتريات في القطاع التصنيعي والخدمي، وازداد معدل البطالة إلى 4.3% في الولايات المتحدة وهو أعلى مستوى منذ أكتوبر 2021، مقابل توقعات باستقراره عند 4.1%، فيما ازداد عدد العاطلين عن العمل بمقدار 352 ألفاً على 7.2 مليون، ما أدى إلى تزايد المخاوف بشأن استدامة النمو الاقتصادي.
وفقاً لآخر استطلاع أجراه معهد إدارة التوريدات للشركات أظهرت أحدث بيانات الإنفاق أن المستهلكين الأميركيين لا ينفقون بإسراف هذا الصيف، على عكس العام الماضي، وبدلاً من ذلك ينفقون بحذر أكبر، وأظهر مسح أجراه بنك «الاحتياطي الفيدرالي» في مدينة كانساس سيتي مؤخراً على 170 شركة صغيرة أن معايير الائتمان أصبحت أكثر تشديداً للربع العاشر على التوالي، وانخفضت كذلك جودة الائتمان.
وفقا لأداة «فيد ووتش» التابعة لـ«سي إم إي»، يتوقع المتعاملون بنسبة 43% خفض الفائدة بواقع 50 نقطة أساس وبنسبة 57% خفض الفائدة بواقع 25 نقطة أساس، ومن المرجح أن يبدأ «الفيدرالي» دورة نقدية جديدة تتسم بالتيسير، وسيكون هذا أول خفض للفائدة يجريه «الفيدرالي» منذ 2020، بعد أن قفزت أسعار الفائدة من مستوى قرب 0% إلى 5.55 وهي الأعلى في 22 عاماً.
وقبل سلسلة من بيانات الوظائف والتضخم الأسبوع الماضي، انخفضت توقعات خفض أسعار الفائدة 50 نقطة أساس إلى 29% وفقاً لـ«فيد ووتش»، وقبل أسبوعين من الآن كانت توقعات المتداولين ترجح فرصة بحوالي 49% لخفض أسعار الفائدة بحوالي 50 نقطة أساس في اجتماع هذا الأسبوع، يعقبها خفضان بواقع 25 نقطة في اجتماعي نوفمبر وديسمبر.