تعتبر الشيخوخة السكانية تحدياً عالمياً يؤثر في نمو الاقتصاد العالمي، إذ يبلغ عدد سكان العالم الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً نحو 729 مليون نسمة، وسيصل هذا العدد إلى 1.5 مليار نسمة بحلول عام 2050، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة.
تحتل اليابان المعدل الأعلى في الشيخوخة السكانية 28.6%، أما أوروبا التي يبلغ عدد سكان من تزيد أعمارهم على 65 عاماً نحو 133 مليون نسمة، ومن المتوقع أن يصل العدد إلى 207 ملايين نسمة بحلول عام 2050.
ويبلغ متوسط العمر في الصين 41.4 عام، وسيصل إلى 50 عاماً بحلول عام 2050. وبحسب صندوق النقد الدولي، يبلغ معدل النمو الاقتصادي العالمي 3.2%، ومن المتوقع أن ينخفض إلى 2.8% بحلول عام 2050.
توضح الإحصائيات، أن الشيخوخة السكانية، تحولت إلى تحد يواجه كبرى الاقتصادات، نظراً للآثار السلبية التي أصبحت تلقي بثقلها على مختلف البلدان التي يعاني القسم الأكبر منها من ركود اقتصادي وتضخم، وعلى حافة الانهيار، وتكمن أهم التداعيات الاقتصادية لشيخوخة السكان في نقاط أربع.
يعد نقص القوى العاملة من أبرز أسباب شيخوخة السكان، فانخفاض عدد الشباب أو القوى الفتية التي تعتمد عليها مختلف القطاعات الاقتصادية سيؤثر لا محالة على الإنتاجية الاقتصادية.
كانت القوى العاملة عماد النشاط الاقتصادي، والتاريخ عبر مختلف الأزمنة أثبت أن القوى العاملة في أي بلد يعد أهم محرك اقتصادي إن لم يكن رئيساً.
في بعض الدول العربية تعد القوى العاملة ضمن تشكيل الصادرات، في مصر، تعد تحويلات المصريين العاملين في الخارج أحد مقومات الاقتصاد المصري، حيث بلغت 20.8 مليار دولار خلال أول 9 شهور من عام 2024، بحسب آخر تقرير للبنك المركزي المصري، إذ تعد هذه الطفرة ناجمة عن وجود عمالة كبيرة ومتنوعة تغذي الاقتصاد الداخلي وتحركه عبر التحويلات الخارجية.
وكذلك الحال في لبنان، الدولة التي تعاني حالة اختناق اقتصادي طالت جميع أركانها، فالعمالة اللبنانية المدربة والمحترفة تتميز بحصولها على أجور عالية، وتعد رافداً أساسياً للاقتصاد اللبناني، ما يعني أن التحويلات الخارجية للقوى العاملة تتحول لاحقاً إلى مشاريع تنموية وإعمار في البلد المستقبل.
يقول المحلل الاقتصادي، أحمد العمار في تصريح خاص لـ«إرم بزنس»، إن نقص القوى العاملة في أي بلد يؤثر في حيوية الاقتصادات المحلية والخارجية باعتبار أن قوى العمل عابرة للحدود.
وما يزيد الأمر تعقيداً من وجهة نظره، هو عصر التقنيات والثورة الصناعية الرابعة، حيث باتت قوى العمل لا تعمل مثل السابق، واختلفت هيكلياً وبنيوياً.
ويضيف العمار، أنه يجب على العمالة مجاراة الواقع بالتدريب والاحتراف للتعامل مع اتجاهات الذكاء الاصطناعي وثورة الاتصالات والتقنية التي أصبحت هي الأخرى عماد النشاط الاقتصادي.
ويجيب العمار عن مدى تأثير فعالية القوى العاملة، قائلاً، إن هناك دولاً بدأت في سن قوانين وتشريعات حول زيادة المواليد لزيادة القوى الفتية في المجتمعات للحد من شيخوخة السكان.
يبلغ متوسط النفقات الصحية للفرد الذي يزيد عمره عن 65 عاما نحو 5 أضعاف النفقات الصحية للفرد الذي يقل عمره عن 65 عاماً، وفق تقرير البيانات الصادر عن الأمم المتحدة، الذي يقدر إنفاق الدول ذات الاقتصادات المتقدمة قرابة 5 مليارات سنوياً على الرعاية الصحية.
وعن الإنفاق على التأمين الصحي ومستلزماته، يقول محمد الرفاعي وهو مسن يبلغ من العمر 80 عاماً، ويقيم في إحدى الدول العربية، إنه تقاعد عن العمل منذ 20 عاماً وطوال هذه الفترة، يدفع لشركة التأمين 5 آلاف دولار سنوياً، فضلاً عن نفقات صحية أخرى تصل إلى 19 ألف دولار لا يشملها التأمين لتصل نفقاته العلاجية إلى 24 ألف دولار سنوياً.
يؤدي انخفاض عدد الشباب إلى نقص في إيرادات الضريبة؛ مما يؤثر في قدرة الحكومات على توفير الخدمات العامة. إذ تعد الإيرادات الضريبية، عوائد الدولة نتيجة توسع قاعدة المشاريع في المجتمع، مع تتوسع قاعدة المشاريع تحصل الدولة على عائدات ضريبية أعلى.
وتعد دولة الإمارات العربية المتحدة نموذجاً بهذا المجال، إذ تحصل على عوائد ضريبية جيدة؛ بسبب التشريعات المرنة ووفرة القوى العاملة المدربة والمحترفة باعتبارها عابرة للحدود؛ مما يجعل المستثمرين يضخون بدورهم المشاريع داخل سوق العمل.
يؤدي نقص القوة العاملة إلى تأثيرات سلبية على الاقتصاد المحلي، بما في ذلك تقليل النشاط الاقتصادي. ويوضح المحلل الاقتصادي أحمد العمار، أن شيخوخة المجتمع تؤدي إلى تقليل النشاط الاقتصادي حيث يتناقص عدد القادرين عن العمل.
ويضيف: «تحول جانب كبير من السكان من منتجين إلى مستهلكين، سيؤثر بشكل كبير على قدرات المجتمع الادخارية». كما شدد العمار على أن ارتفاع النفقات المقدمة من الدولة على المعاشات يؤدي إلى تقلص نسبة الأموال المتاحة للاستثمار والتنمية.
ويقول، إن هناك مجتمعات لا يوجد لديها قاعدة استثمارية كبيرة، ولكن لديها قدرات بشرية هائلة مثل آسيا والصين والهند، وتعد دولاً عميقة ديموغرافياً بها نسبة سكان كبيرة ومصدرة لقوى العمل، وتشكل رقماً مهماً من العمالة حول العالم ولدول الخليج العربي على وجه الدقة.
ويخلص العمار، إلى أنه لا بد للنشاط الاقتصادي أن يتكافأ مع حيوية المجتمع وقدرته على العمل، حتى تحصد الإنتاجية المطلوبة بفاعلية وتوازن أكبر وأكثر حضوراً.
تشير البيانات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، في تقرير التوقعات السكانية في العالم، إلى عدد من المؤشرات المستقبلية لأعداد كبار السن، إذ تجاوز عدد الأشخاص البالغين من العمر 60 عاماً فأكثر عدد الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 5 سنوات، في عام 2020.
وبحسب التقرير، ستزداد أعداد سكان العالم الذين تتجاوز أعمارهم 60 عاماً بنسبة 34% بين عامي 2020 و2030. فيما ستتجاوز أعمار سدس سكان العالم سن 60 سنة، بحلول 2030، كما سيتضاعف عدد سكان العالم البالغ أعمارهم 60 عاماً فما فوق من مليار في 2020 إلى 2 مليار في 2050.
ومع حلول عام 2050 سيكون 16% من عدد السكان أكبر من سن 65 سنة، أي بزيادة 7% عن عام 2019. ومن المتوقع أن يتضاعف عدد الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 80 سنة فأكثر ثلاثة أضعاف بين عامي 2020 و2050 ليصل إلى 426 مليون نسمة.
ومن المتوقع في أوروبا وأميركا الشمالية، أن يكون ربع سكانهما فوق سن 65 سنة. ويوصي خبراء ومختصون بضرورة اتخاذ إجراءات فورية لتحسين الرعاية الصحية للشباب، وتشجيع المواليد، وجذب المهاجرين، بالإضافة إلى تحسين الإدارة المالية، وتطوير القدرات التقنية، ليصب ذلك كله في تعزيز النمو الاقتصادي للدول.