تحتوي القارة الإفريقية على ما يقارب نصف مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في العالم (45%)، لذلك تُعد الزراعة العمود الفقري لاقتصادات العديد من دول القارة.
بحسب مركز أبحاث «تشاتام هاوس» ستكون إفريقيا هذا العام ثاني أسرع المناطق نمواً على مستوى العالم، فيما يتوقع بنك التنمية الإفريقي أن يبلغ معدل النمو الاقتصادي السنوي 4.3%، بعد أن كان 3.7% في العام الماضي.
مع ذلك، وبسبب صغر حجم المزارع، وانخفاض الإنتاجية، وتفضيل زراعة فواكه التصدير، تضطر إفريقيا إلى استيراد أكثر من 80% من غذائها من خارج القارة، في حين يعاني ما يقرب من 60% من سكانها انعدام الأمن الغذائي، وفقاً لبيانات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو).
لم تحقق أغلب البلدان الإفريقية هدف اتفاقية مالابو 2014 المتمثل في استثمار 10% من ميزانياتها الوطنية في الزراعة. ومع ذلك ارتفع الاستثمار العام في الزراعة بشكل كبير.
ويتوقع بنك التنمية الإفريقي ارتفاعاً محتملاً في سوق الأغذية والزراعة الإفريقية من 280 مليار دولار سنوياً إلى تريليون دولار بحلول عام 2030.
رغم الفروقات الكبيرة بين دول القارة، لا تزال الزراعة تمثل القطاع الرئيس فيها، ففي العام 2022، شكلت نحو 17% من الناتج المحلي الإجمالي في الدول الإفريقية جنوب الصحراء، وفق تقرير صادر عن مركز المعلومات، ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصري.
التقرير الذي جاء تحت عنوان «آفاق ومستقبل الصناعات الغذائية في القارة الإفريقية» أشار إلى أن الصناعة الزراعية تسهم بقوة في سوق العمل الإفريقي، إذ ارتفعت نسبة العاملين في قطاع الصناعات الزراعية في إفريقيا لتشمل 43% من سكان إفريقيا في العام 2021.
يواجه القطاع الزراعي في إفريقيا تحديات هيكلية تعرقل تحقيق تنمية مستدامة قادرة على تلبية احتياجات السكان، الذين يعاني أكثر من 20% منهم، أي ما يقرب من 257 مليون فرد، حالياً من نقص التغذية، وفقاً للبنك الدولي.
رئيس وحدة الدراسات الإفريقية رامي زهدي، استعرض في حديث خاص لـ«إرم بزنس» أبرز العقبات التي تواجه القطاع الزراعي في القارة.
اعتبر زهدي ضعف البنية التحتية سبباً في صعوبة نقل المنتجات الزراعية إلى الأسواق، ما يؤدي إلى خسائر اقتصادية تقدّر بنحو تريليون دولار سنوياً.
ورأى أن ضعف التمويل والاستثمار الزراعي من البنوك والحكومات، يحد من قدرة المزارعين على تطوير الإنتاج، مشيراً إلى ضعف الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الزراعة مقارنة بقطاعات أخرى، مثل: التعدين، والطاقة.
الخبير بالشؤون الإفريقية أوضح أن تزايد موجات الجفاف، والتغير المناخي غير المتوقع، يؤثّران سلباً على الإنتاج الزراعي، ويؤدّيان إلى تآكل التربة، والتصحر، وتقلّص المساحات القابلة للزراعة.
في المغرب أثّر جفاف مستمر للعام السابع على التوالي في قطاعه الزراعي الحيوي، وتبدو المؤشرات مقلقة بعجز في الأمطار بنحو 53% مقارنة مع متوسط الثلاثين عاماً الماضية، وفق ما أفاد وزير الزراعة أحمد البواري.
ومع ذلك تمثل بلدان الاتحاد الأوروبي الوجهة الرئيسة للصادرات الزراعية المغربية، وعلى رأسها فرنسا بنحو 675 مليون طن، و12 مليار درهم (1.2 مليار دولار) في العام 2024، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.
رئيس مركز الدراسات الإفريقية أكد أن زيادة الاستثمارات في شبكات الطرق، والسكك الحديدية، لربط المناطق الزراعية بالأسواق المحلية والدولية، والتوسع في مشاريع الري الحديثة، والسدود، وتقليل الاعتماد على الأمطار، من أبرز سبل تحقيق التنمية.
وأشار إلى أن تشجيع البنوك على تقديم قروض ميسرة للمزارعين، وتحفيز الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتعزيز التجارة البينية، أمور تسهم بتعزيز نمو القطاع الزراعي.
كما شدد على ضرورة إقامة مصانع تحويلية للمنتجات الزراعية، مثل الصناعات الغذائية، وتصنيع الألبان، والعصائر، للحفاظ على القيمة المضافة محلياً.
في عصر التحول الرقمي السريع، فإن الزراعة الإفريقية من أبرز المجالات التي قد تستفيد من هذه الثورة التكنولوجية.
في هذا الصدد، أشار زهدي إلى أن أحد الحلول المستدامة للزراعة الإفريقية يتمثل في نشر التكنولوجيا الزراعية الحديثة، والتوسع في استخدام الطائرات المسيّرة، والذكاء الاصطناعي في مراقبة المحاصيل، وإدارة المزارع بفاعلية.
ويسهم الذكاء الاصطناعي في تحسين إدارة المياه، واستخدام أجهزة استشعار متصلة بالإنترنت لتحسين كفاءة الري، كما يستخدم في التنبؤ بانتشار الآفات، واتخاذ إجراءات وقائية، ما يقلل خسائر المحاصيل بنسبة تصل إلى 50%، ويخفض استخدام المبيدات، وفق تقرير لشركة «Genesis Analytics».
كما تقلل الزراعة الأكثر دقة من التكاليف والتأثير البيئي من خلال استخدام الموارد بكفاءة، كما تعمل أدوات التتبع على تقليل تكاليف الشهادات، وتوسيع نطاق الوصول إلى الأسواق.