بات الاقتصاد السوري على بعد خطوة من استعادة العائدات النفطية إثر توقيع الاتفاق بين الإدارة السورية الجديدة وقوات سوريا الديمقراطية «قسد». والذي يتيح للحكومة السيطرة لأول مرة منذ 11 عاما على الحقول النفطية الرئيسية في شمال شرقي البلاد.
ويمكن أن تشكل العائدات، بحال تشغيل الحقول بكامل طاقتها الإنتاجية، مصدراً حيوياً لدعم إعادة بناء البنية التحتية المتضررة بشكل كبير نتيجة الحرب، لتخصيصها لتمويل مشاريع إعادة الإعمار في مختلف القطاعات مثل الطاقة، النقل، التعليم، والصحة، إضافة إلى تحفيز النمو الاقتصادي بشكل عام، وفقاً لما أكده الدكتور أحمد سلطان المتخصص في شؤون النفط والطاقة ورئيس لجنة الطاقة بنقابة مهندسي القاهرة، متحدثاً لموقع «إرم بزنس».
ستساهم العائدات النفطية بتعزيز الاستقرار المالي لحكومة دمشق، ما يمكنها من تقليل الاعتماد على المساعدات الدولية وزيادة قدرتها على تنفيذ برامج التنمية في مختلف المناطق.
علاوة على ذلك، يمكن استثمار العائدات النفطية لتحفيز القطاع الخاص من خلال الاستثمارات المحلية في القطاعات غير النفطية مثل الزراعة والصناعة، ما يؤدي إلى خلق فرص عمل جديدة وتقليل معدلات البطالة،وزيادة قدرة الحكومة السورية على الحد من تأثير العقوبات الدولية المفروضة عليها.
ووقع تنظيم قوات سوريا الديمقراطية، الذي تسيطر على جزء كبير من شمال شرق البلاد، اتفاقاً للانضمام إلى مؤسسات الدولة الجديدة، وهو الاتفاق الذي وصفه المعلقون بالتاريخي، حيث يقطع الطريق على الدعوات الانفصالية التي كانت تهدد وحدة البلاد بالتقسيم.
ويقضي الاتفاق بدمج المؤسسات المدنية والعسكرية التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية بشمال شرق البلاد مع الدولة، مع وضع المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز هناك تحت سيطرة إدارة دمشق.
قبل سنوات الحرب، كان قطاع النفط يُشكّل الدعامة الأساسية للاقتصاد السوري، إذ كانت حقول النفط تُنتج ما يقارب 386 ألف برميل يومياً، ما وفر للدولة موارد مالية ضخمة لتغطية مشروعات التنمية وإعادة بناء البنية التحتية.
لكن النزاع الطويل تسبب بتراجع الإنتاج إلى مستويات منخفضة تتراوح بين 15 و40 ألف برميل يومياً؛ نتيجة لتدمير المنشآت والاضطرابات الأمنية.
الآن، ومع الاتفاق الجديد، يبدأ فصل جديد يُعيد الحياة إلى هذه الحقول. فقد بيّن الخبراء أنه في حال استعادة الإنتاج إلى مستويات ما قبل الأزمة، ستُولد الحكومة إيرادات يومية تُقدر بنحو 28 مليون دولار، وهو ما يعادل أكثر من 10 مليارات دولار سنوياً.
أوضح رئيس مركز قاضي للاستشارات الاقتصادية أسامة القاضي، أن إعادة تشغيل الحقول النفطية، مثل حقل الرميلان في الحسكة، وحقل تدمر، وحقل الشاعر، إضافة إلى حقل الغاز في دير الزور، ستعيد للعائدات النفطية مستويات كانت تدعم الاقتصاد السوري قبل النزاع.
وأشار إلى أن هذه الحقول، التي كانت تمثل منبع القوة الاقتصادية للبلاد، ستعود إلى بناء الاقتصاد إذا أُصْلِحَت آبار النفط، ما سيزيد إنتاجها إلى مستويات قد تراوح بين 150 ألف و200 ألف برميل يومياً خلال أسابيع قليلة إذا ما توفرت الشركات المتخصصة.
كما لفت إلى أن تحسين استغلال الثروات الطبيعية وإعادة تأهيل المنشآت النفطية سيخلق بيئة استثمارية جذابة تُحفّز دخول الشركات الدولية للاستثمار في السوق السورية، وتُسهم باستعادة السيادة الوطنية على الموارد الطبيعية.
لن تقتصر فوائد الاتفاق على القطاع النفطي فقط، بل ستشمل إعادة إحياء الأراضي الزراعية التي كانت تمثل منبع الاكتفاء الذاتي الاقتصادي والغذائي.
وخلال سنوات النزاع، تعرضت الأراضي الزراعية للضرر؛ ما أدى إلى تراجع الإنتاج الغذائي وزيادة الاعتماد على الواردات.
الآن، مع استعادة السيطرة على هذه الأراضي، يُمكن تحقيق إنتاج سنوي من القمح يُقدر بنحو 2 مليون طن، ما سيُساهم بتعزيز الأمن الغذائي وتخفيف تقلبات أسعار المواد الغذائية عالمياً، وفقاً لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية.
من ناحيته، أشار الخبير الاقتصادي وعضو المجلس الاستشاري الوطني لمعهد (CISI) وضاح الطه، إلى أن إنتاج سوريا قبل عام 2010 كان يُقدّر بنحو 385 ألف برميل يومياً، مع إمكانية رفعه إلى أكثر من 500 ألف برميل، بينما يبلغ في الوقت الحالي حوالي 110 ألف برميل يومياً.
ولفت إلى وجود لاعبين على دراية تامة بالمنطقة قد يتحملون المخاطر للدخول في مجال الاستثمار بالقطاع النفطي، وفي مقدمتهم شركات تركية قد تُرشّح للاستثمار في مشاريع النفط والغاز، أو حتى شركات روسية؛ نظراً لخبرة الجانب الروسي في التنقيب عن النفط والغاز.
وأوضح أيضاً أن الشركات الغربية وغيرها تجد صعوبة في تحمل مثل هذه المخاطر في ظل الظروف الراهنة، لكن مع زيادة الاستقرار ستتحسن فرص الاستثمار.
ويشكل الوصول إلى الطاقة الإنتاجية القصوى في جميع الحقول تحدياً كبيراً، لأن تشغيل الحقول التي توقفت آبارها نتيجة الأعمال العسكرية خلال السنوات الماضية يتطلب أعمال صيانة دقيقة.
يمتد تأثير الاتفاق إلى ما هو أبعد من الجانب الاقتصادي المباشر، ليشمل تعزيز الاستقرار السياسي الداخلي، فقد أدى النزاع إلى تجزئة مؤسسات الدولة وفقدان الثقة بين مكوناتها المختلفة.
ومع دمج هذه المؤسسات تحت هيكل دولة موحد، تُعاد الثقة إلى النظام السياسي، ما يُحفّز المستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء.
ويؤكد كل من القاضي وسلطان أن استقرار البيئة السياسية يُعد عاملاً رئيسياً لجذب الاستثمارات، إذ يتيح للمستثمرين ضخ رؤوس أموالهم في قطاعات استراتيجية مثل الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا.
كما أن إعادة تشغيل المعابر الحدودية والمطارات ستُسهم في تحسين حركة النقل الداخلي والدولي، ما يؤدي إلى زيادة حركة التجارة بنسبة تصل إلى 15%.
يرى الدكتور سلطان أن العائق الأساسي الذي يواجه الاستثمار في آبار النفط يكمن في تعرضها للتخريب خلال فترة الصراع، حتى وإن لم تتعرض لضربات عسكرية مباشرة، إذ تحتاج إلى عمليات صيانة شاملة لإعادة تشغيلها بكفاءة.
كما أن محطات تكرير النفط أصبحت في حالة تدهور، فقد كانت سوريا تمتلك مصفاتين رئيسيتين بسعة إجمالية 240 ألف برميل يومياً قبل عام 2011، لكن قدراتهما الإنتاجية تضاءلت بشكل ملحوظ نتيجة لإهمال الصيانة وتدمير المنشآت.
وفي ظل هذه المعطيات، يؤكد الدكتور سلطان أن نجاح جذب الاستثمارات يعتمد على تضافر الجهود الداخلية وتوفير دعم دولي لتجميد العقوبات وتحديث التكنولوجيا.
وإذا ما تم استصلاح المنشآت النفطية وتوفير بيئة استثمارية شفافة ومستقرة، فإن ذلك سيُسهم في إعادة إنتاج النفط بكفاءة أعلى، وتوفير فرص عمل واسعة.