تُعد الصين اللاعب الرئيسي في قطاع الليثيوم العالمي، بامتلاكها سيطرة واسعة على سلسلة التوريد، من التعدين إلى التصنيع. لكن، هناك تقنية حديثة، قد يؤدي اعتمادها إلى كسر الهيمنة الصينية على هذا القطاع.
يتمتع هذا المعدن الذي يُستخدم في بطاريات الليثيوم أيون لتشغيل كل شيء، من الهواتف الذكية إلى السيارات الكهربائية، بأهمية كبيرة على مستوى العالم اليوم، في ظل تزايد الطلب على التكنولوجيا النظيفة. وقد يؤدي استخدام تقنية استخراج الليثيوم الجديدة التي تعمل شركة أسترالية ناشئة مدعومة من عملاق التعدين "ريو تينتو" على تطويرها، إلى تغير المشهد إلى حد كبير.
من شأن هذه التقنية أن تولّد احتياطيات جديدة من المكون الرئيسي للبطاريات، وتقلل اعتماد العالم على الصين لتكرير السلعة، وفقاً لصحيفة "فايننشال تايمز".
نقلت الصحيفة عن شركة "إليكترا ليث" (Electra Lith) المنبثقة عن جامعة موناش في ملبورن، أنها نجحت في إنتاج هيدروكسيد الليثيوم المستخدم في البطاريات من مجموعة متنوعة من أنواع الليثيوم الخام.
كما نجحت الشركة في جذب استثمارات من شركتي "ريو تينتو" و"آي بي غروب (IP Group) البريطانية، وهي تعتزم الآن جمع 15 مليون دولار لبناء أول منشأة لها، لتقوم بالمزيد من التطوير والتسويق للتكنولوجيا.
تكمن أهمية الاستثمار المبكر في الشركة بالنسبة إلى المستثمرين، في أنها واحدة من عدد قليل من الشركات الناشئة التي تعمل على تطوير تكنولوجيا "استخراج الليثيوم المباشر"، والتي يمكن أن تحوّل القطاع من خلال خفض تكلفة تعدين الليثيوم بشكل كبير، إلى جانب استغلال رواسب الليثيوم التي كانت تُعتبر غير اقتصادية أو غير مجدية للتعدين في السابق.
أظهرت اختبارات الشركة أن التقنية تستطيع تنقية الليثيوم، من دون الحاجة إلى الماء أو مواد كيميائية؛ ما يجعلها أكثر كفاءة من الطرق التقليدية التي تستخدم كميات كبيرة من المياه.
كان لدعم شركة التعدين الكبرى "ريو تينتو" أثر مهم جداً، حيث أبدت شركات النفط والغاز والحكومات اهتمامها بجولة التمويل الجديدة. وقال ترافيس باروني من "ريو تينتو"، إن هذه التقنية قد تقلل بشكل كبير من تكاليف إنتاج الليثيوم، وتخفف من الأثر البيئي.
في وثيقة بحثية نشرها خبراء بنك "غولدمان ساكس" العام الماضي، أكدوا أن التطبيق الفعّال وواسع النطاق لتكنولوجيا "استخراج الليثيوم المباشر"، يمكن أن يضاعف إنتاج الليثيوم، مشبهين تأثير ذلك بتأثير الصخر الزيتي على صناعة النفط، عندما أدت ثورة الصخر الزيتي إلى زيادة كبيرة في إنتاج النفط من مصادر لم تكن مجدية اقتصادياً قبل ذلك. ولذا، يشير التقرير إلى أن نجاح تكنولوجيا "استخراج الليثيوم المباشر" قد يكون له تأثير مماثل في تحسين إنتاج الليثيوم وتغيير ديناميكيات السوق، كما حدث مع النفط.
تختلف شركة "إليكترا ليث" عن منافساتها بقدرتها على تنقية الليثيوم عبر عملية تُسمى (DLE-R). وتستخدم الشركة التحليل الكهربائي لتصفية محلول ملحي يحتوي على الليثيوم، ثم تحول الناتج إلى كلوريد الليثيوم باستخدام غشاء، ويقوم غشاء آخر بتنقيته ليصبح هيدروكسيد الليثيوم، الذي يُستخدم في بطاريات السيارات الكهربائية، بحسب تقرير "فايننشال تايمز".
قال تشارلي ماكغيل، الرئيس التنفيذي لشركة "إليكترا ليث"، إن القدرة على تنقية الليثيوم إلى هيدروكسيد، يمكن أن تكون لها فوائد كبيرة لدول مثل الولايات المتحدة وأستراليا، والتي تحركت لتطوير سياسات المعادن الحرجة التي تهدف إلى تقليل الاعتماد على الصين.
وقال إن نقل عملية التكرير إلى الداخل يمكن أن يكون له تأثير كبير على الولايات المتحدة.
أضاف: "يمكننا نقل المحاليل الملحية مباشرة إلى (تسلا) والحكومة الأميركية، دون تدخل من الصين".
والمقصود بعملية "التكرير إلى الداخل"، هو نقل أو توسيع عملية تكرير المواد الخام داخل البلد بدلاً من الاعتماد على دول أخرى. وفي هذا السياق، يعني أن الولايات المتحدة يمكنها تنفيذ عمليات التكرير لمواد مثل الليثيوم داخل أراضيها بدلاً من الاعتماد على الصين.
تهيمن الصين حالياً على تكرير الليثيوم بحصة سوقية عالمية تبلغ 65%، وفقاً لبيانات "استخبارات المعادن الحيوية" (Benchmark Mineral Intelligence)، وهي شركة متخصصة في تقديم تحليلات وبيانات عن سوق المعادن الحيوية.
قال مايك موليناري، المدير الإداري لـ"آي بي غروب" الاستثمارية في أستراليا، إن خفض التكاليف وزيادة الإنتاج والتعامل مع الجغرافيا السياسية، أصبحت عوامل حاسمة في قطاع المعادن الحيوية. وأوضح أن التكنولوجيا التي يمكن أن تساعد على معالجة هذه القضايا، في وضع جيد لتحقيق النجاح، وخصوصاً في سوق الليثيوم، حيث من المتوقع أن يتجاوز الطلب العرض.
وباتت الغالبية العظمى من الطاقة الإنتاجية من الليثيوم موجودة في الصين، وهو أمر بات يشكل أزمة، ويقلل من تدفق تلك الموارد إلى الحكومات التي لا تتوافق مع الصين، وفقاً لما قاله موليناري.