تشهد دول الخليج العربي تحولاً كبيراً في مجال الطاقة، مع توجهها نحو تنويع مصادر الطاقة والاعتماد على المتجددة منها، في إطار تحقيق التنمية المستدامة وتقليل الاعتماد على النفط، وهو ما يخلق فرصاً جديدة، لا سيما لجهة استقطاب الكفاءات والقوى العاملة الخارجية، إذ تتطلب تلك المشروعات كوادر بشرية ذات كفاءات مميزة في مجالات التكنولوجيا والهندسة والطاقة النظيفة.
أشارت ورقة بحثية صادرة عن «مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية» (كابسارك) ومقره في الرياض، إلى أن العمالة المهاجرة أو الوافدة تلعب دوراً حيوياً في تعزيز المرونة الاقتصادية لدول الخليج خلال فترات ارتفاع أسعار الطاقة.
وأوضحت الدراسة أن العمالة الأجنبية تسهم في تخفيف الآثار السلبية لظاهرة «المرض الهولندي» (Dutch Disease)، وهي ظاهرة اقتصادية تحدث عندما تؤدي الطفرات المفاجئة في عائدات الموارد الطبيعية، مثل النفط والغاز، إلى تراجع القطاعات غير النفطية نتيجة تحوّل الموارد الاقتصادية كالاستثمارات والعمالة نحو قطاع الموارد الطبيعية الأكثر ربحية.
كما بيّنت الورقة أن تدفق العمالة المهاجرة يزيد حجم القوى العاملة؛ ما يساعد على دعم نمو القطاعات غير النفطية ويقلل خطر انكماشها خلال فترات الطفرات في العائدات النفطية.
كشفت الدراسة أن التحسن الدائم بنسبة 10% في شروط تجارة الطاقة، وهو ما يعادل تقريباً ارتفاعاً بنسبة 27% في أسعار النفط والغاز خلال فترة محددة، عندما تشكل صادرات هذه الموارد نحو 40% من الناتج المحلي الإجمالي، يؤدي إلى زيادة في عدد السكان المهاجرين إلى دول الخليج بمقدار 460 ألف شخص خلال 5 سنوات، و690 ألف شخص على مدى 10 سنوات.
هذه الزيادة في الهجرة بحسب الدراسة تسهم في تحقيق مكاسب اقتصادية ملموسة، حيث يؤدي تدفق 58 ألف مهاجر إضافي في عام واحد (ما يعادل مهاجراً واحداً لكل 1,000 نسمة) إلى زيادة نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بمقدار 72 دولاراً خلال 5 سنوات، ليصل يصل إلى 91 دولاراً على مدى 10 سنوات.
تمضي دول مجلس التعاون بخطى ثابتة نحو تحقيق تحول شامل في قطاع الطاقة، مستفيدةً من الإمكانات الكبيرة التي يوفرها قطاع الطاقة الخضراء. وفي هذا الإطار، كشفت الدراسة أن قطاع الكهرباء في المملكة العربية السعودية يعتمد حالياً بشكل كبير على الوقود الأحفوري، غير أن المملكة تستهدف بحلول عام 2030 توليد نصف احتياجاتها من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة، بينما يغطي النصف الآخر من الغاز الطبيعي.
كما تعمل السعودية على تعديل تدريجي لأسعار الطاقة لتتماشى مع الأسعار العالمية، حيث بدأت هذه الخطوات في عام 2016، واستمرت وصولاً إلى أحدث تعديل في عام 2024.
من جانبها، تسعى دولة الإمارات إلى تحقيق قفزة كبيرة في قطاع الطاقة المتجددة، مستهدفة مضاعفة قدراتها بحيث تشكل المصادر النظيفة نحو 38% من إجمالي مزيج الطاقة بحلول عام 2035.
أفادت الدراسة بأن الاقتصادات الخليجية مرّت بتحولات كبيرة في صناعة الوقود الأحفوري، وذلك بالتزامن مع ارتفاع الطلب العالمي على النفط من 21 مليون برميل يومياً في عام 1960 إلى ما يقرب من خمسة أضعاف هذا المعدل على مدى السنوات الستين التالية.
ومن المتوقع أن يلعب كبار مصدري النفط والغاز دوراً حاسماً في تحقيق التحول العالمي في مجال الطاقة المنخفضة الكربون، وذلك نظراً للمخاوف المتزايدة من تداعيات تغير المناخ.
في المقابل، يستحوذ الوقود الأحفوري على نسبة 80% من مزيج الطاقة عالمياً، حسبما أفادت بيانات سابقة صادرة عن وكالة الطاقة الدولية خلال العام الماضي.
ترى الدراسة أن الاستثمار المفرط في تعزيز قدرات المشروعات القائمة، مع نقص الاستثمار في مشروعات الوقود الأحفوري أو عدم تطوير البنية التحتية اللازمة، يمكن أن يعرقل الجهود الرامية لتحقيق تحول طاقي مستدام.
وأشارت إلى أن هذه السياسات قد تسهم في زيادة التقلبات في أسواق الطاقة العالمية؛ ما يخلق تحديات إضافية للاستقرار الاقتصادي.
كما لفتت الدراسات إلى أن صدمات العرض التي قد تواجه الاقتصاد العالمي، تؤثر بشكل كبير في أمن الطاقة في البلدان المستوردة؛ ما يعقد الجهود الهادفة إلى تحقيق انتقال سلس للطاقة.
وفي هذا السياق، شددت على أهمية الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي في الدول المعتمدة على الموارد النفطية لضمان استمرارية إمدادات الطاقة بطريقة آمنة وموثوقة.
كما أضافت، أن التقلبات في أسواق الطاقة العالمية تؤثر أيضاً في اقتصادات الدول المصدرة للموارد؛ ما يفتح المجال لظهور ما يُعرف بـ«المرض الهولندي» (Dutch Disease)، وهي ظاهرة اقتصادية تصاحب الطفرات الكبيرة في قطاع الموارد الطبيعية. وتتميز هذه الظاهرة بانخفاض مساهمة القطاعات الأخرى، مثل: الزراعة والتصنيع، مع ارتفاع قيمة العملة الوطنية؛ ما يؤدي إلى فقدان القدرة التنافسية وإضعاف النمو الاقتصادي.
يذكر أن دراسة هذه الظاهرة جرت من خلال أمثلة متعددة توضح آثارها في الاقتصادات التي تعتمد بشكل كبير على الموارد الطبيعية، وخصوصاً النفط. وتشمل التأثيرات السلبية لهذه الظاهرة عدم الاستقرار الاقتصادي، وضعف القاعدة الصناعية، وارتفاع قيمة العملة؛ ما يعيق نمو القطاعات غير النفطية، ويحد من التنوع الاقتصادي.
وبهدف مواجهة هذه الآثار السلبية، تُطرح الهجرة كأحد الحلول الممكنة، حيث يمكن أن تسهم في الحد من أعراض «المرض الهولندي» من خلال تعزيز القوة العاملة في القطاعات المتنوعة ودعم النمو الاقتصادي المستدام.
تتميز دول مجلس التعاون الخليجي بالاعتماد الملحوظ على الهجرة الدولية، لا سيما أن نسبة كبيرة من قوتها العاملة من العمال الأجانب، وتعد المنطقة ثاني أكبر وجهة للمهاجرين الدوليين، وتمثل أكبر مصدر لتحويلات المهاجرين في جميع أنحاء العالم.
ويتوقع النموذج النظري الذي اتبعته الدراسة أن الهجرة يمكن أن تساعد على التخفيف من حدة المرض الهولندي من خلال زيادة إجمالي القوى العاملة لتنفيذ المزيد من المشروعات.
تؤثر خطط التحول الطاقي وتنويع الاقتصادات على الدول بطريقتين، إحداهما إيجابية والأخرى سلبية. فمن ناحية يعمل التنويع على زيادة حصة الناتج المحلي الإجمالي من القطاعات الأخرى غير النفط والغاز؛ ما يقلل تعرض الاقتصاد لتقلبات سوق الطاقة العالمية.
وعلى الجانب السلبي، يمكن للسياسات الرامية إلى توسيع نطاق مصادر الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة أن تؤثر في أسواق الطاقة المحلية، خصوصاً أن دول الخليج تسعى أيضاً إلى إصلاحات لتحرير أسعار الطاقة المحلية، مثل: زيادة أسعار البنزين والديزل والكهرباء المحلية.
وترى الدراسة أن مواءمة هذه الأسعار تدريجياً مع المعايير الدولية تؤدي إلى إزاحة النفط والغاز من الاستهلاك المحلي، وإعادة توجيههما للتصدير إلى السوق الدولية.
وتؤدي زيادة صادرات النفط، إلى ارتفاع حصته من الناتج المحلي الإجمالي، ويجعل تدفقات الإيرادات والأداء الاقتصادي الإجمالي أكثر عرضة لتقلبات سوق الطاقة العالمية. وهذا بدوره يؤدي إلى علاوة مخاطر أعلى وموارد مالية أقل استقراراً.