يشعر المصدرون الزراعيون في جميع أنحاء العالم بهذا الشعور، إذ يمكنهم إما الازدهار أو الانهيار بسبب عادات الصين التي قد تكون غير قابلة للتنبؤ أحياناً في ما يتعلق بالطلب.
بالنسبة لاستخداماتها، من المتوقع أن تصل مخزونات الصين من الذرة والقمح في موسم 2024-2025 إلى أدنى مستوياتها منذ نحو عشر سنوات، رغم أن هذا لا يشير بالضرورة إلى الفرصة التي قد يتوقعها الموردون العالميون للحبوب.
وخفضت وزارة الزراعة الأميركية، يوم الثلاثاء الماضي، تقديراتها للواردات الصينية من الحبوب لعام 2024-2025، وهو ما لم يكن مفاجئاً بالنظر إلى التورط الأقل للصين في السوق مؤخراً.
وتقدر الوكالة الآن واردات الصين من الذرة والقمح لعام 2024-2025 بحوالي 10 ملايين و8 ملايين طن متري على التوالي، وهو انخفاض يقارب ربع التقديرات التي كانت قد قدمتها في يناير. هذه الكميات ستكون أقل بنسبة 57% و32% على التوالي مقارنة بمتوسطات السنوات الأربع الماضية.
ورغم أن الكميات المتوقعة من الحبوب إلى الصين ستظل كبيرة تاريخياً، إلا أن بعض المصدرين العالميين للحبوب قد يحتاجون إلى التخلي عن ذكريات الماضي والتركيز على «الواقع الجديد».
طوال سنوات العشرينيات من القرن الحالي، كانت الصين تستورد كميات محدودة من الذرة والقمح، بمعدل يزيد قليلاً عن 3 ملايين طن من كل منهما سنوياً، أي ما يعادل حوالي 2% من إجمالي الواردات العالمية السنوية، وهي كميات كانت في الأساس ضئيلة مقارنة باستهلاك الصين الكلي من الحبوب.
خلال تلك الفترة، كانت الصين أيضاً تقوم بتكوين مخزونات ضخمة من الحبوب باسم الأمن الغذائي، ما زاد بسرعة من حصتها في المخزونات العالمية من الحبوب المخزنة داخل البلاد.
لكن الصين شهدت زيادة مفاجئة في واردات الحبوب في 2020، حيث وصلت حصتها من محصول الذرة لعام 2020-2021 إلى 29.5 مليون طن، أي أكثر من خمسة أضعاف الرقم القياسي الذي تم الوصول إليه قبل 2020، وقد كان الجزء الأكبر من هذه الكميات يأتي من الولايات المتحدة، ليصبح من السهل على الصين أن تصبح أكبر مستورد للذرة.
وأشارت بيانات وزارة الزراعة الأميركية إلى أن المخزونات الصينية من الذرة كانت كبيرة، وأن احتياجات الصين من الواردات لن تكون كارثية، في وقت كانت فيه المحاصيل المحلية من الذرة والقمح تقترب من مستويات قياسية.
ومع ذلك، كانت هناك شائعات موثوقة في منتصف 2020 تفيد بأن مخزونات الذرة الصينية قد بدأت في التراجع بسرعة، وأن جزءاً كبيراً من هذه الكميات قد يتعرض للتلف في المخازن.
ساهمت الطلبات الصينية في ارتفاع صادرات الذرة الأميركية إلى مستويات استثنائية في 2020-2021 و2021-2022، رغم العرض المحدود للذرة في الولايات المتحدة. لكن البرازيل بدأت في سحب جزء كبير من هذه الأنشطة اعتباراً من 2023، حيث سمحت الصين أخيراً بانتقال واردات الذرة من البرازيل.
وانخفضت صادرات الذرة الأميركية إلى الصين في 2022-2023 بنسبة تقارب 50% مقارنة بالعام السابق، وواصلت التراجع في 2023-2024 بنسبة 60%، وقد بدأت البرازيل في الشعور بتأثير تراجع الطلب الصيني، حيث تم توجيه 6% فقط من صادراتها من الذرة في عام 2024 إلى الصين مقارنة بـ29% في 2023.
أما بالنسبة لواردات الصين من القمح، فقد كانت التغيرات أقل وضوحاً، لكنها لا تزال ملحوظة. في 2023-2024، وصلت واردات الصين إلى مستوى قياسي بلغ 13.6 مليون طن، وهو أعلى مستوى منذ 32 عاماً، وتعد أستراليا واحدة من الموردين الرئيسين للقمح إلى الصين، على الرغم من أن الولايات المتحدة قد أرسلت 1.9 مليون طن من القمح إليها في 2024.
وكانت الصين أكبر مستورد للقمح في العالم في 2022-2023 و2023-2024، لكن من المتوقع أن تتراجع إلى المرتبة الرابعة في 2024-2025.
سجلت الصين مستويات قياسية في إنتاج الذرة والقمح في 2024-2025. ونتيجة لذلك، فإن نسبة المخزونات إلى الاستخدام ستبلغ مستويات يعتبرها أي بلد آخر ثقيلة للغاية، حيث ستصل إلى 65% للذرة و86% للقمح.
ومع ذلك، فإن هذه النسب هي الأدنى منذ 11 و9 سنوات على التوالي، ما قد يشير إلى احتمالية عودة الصين إلى التجارة العالمية في الحبوب. بالمقارنة، لا يتفق بعض المحللين حول ما إذا كانت نسبة المخزونات إلى الاستخدام في الولايات المتحدة للذرة، التي تبلغ 10%، تشكل إشارة صعودية. لكن من المتوقع أن يتباطأ النمو الاقتصادي في الصين هذا العام والعام المقبل، وهو ما لا يعد مؤشراً إيجابياً عموماً على زيادة الواردات الزراعية. الأسبوع الماضي، قامت الصين بتأجيل استيراد 600,000 طن من القمح، معظمها من أستراليا، ما يبرز تراجعها كمستورد رئيس، كما أنها توقعت تصدير كمية ضئيلة من الذرة الأميركية في 2024-2025، وهو أدنى حجم في هذه الفترة من العام منذ ثماني سنوات.
وقد ارتفعت العقود الآجلة للذرة في الصين بنسبة حوالي 13% مقارنة بأدنى مستوياتها التي سجلتها منذ شهرين. كما ارتفعت العقود الآجلة للذرة في شيكاغو بالنسبة نفسها تقريباً، ما يشير إلى بعض التنسيق بين الأسواق.
لكن المصدرين العالميين للحبوب، خاصة الولايات المتحدة والبرازيل، قد يحتاجون إلى التكيف مع أسواق ما قبل 2020 في الوقت الراهن، مع ضمان استمرار التجارة مع عملائهم الرئيسين.