ارتفعت حدة بيع الأسهم الأميركية خلال جلسة تداولات أمس الجمعة مع ارتفاع مخاوف المستثمرين من تباطؤ وتيرة خفض أسعار الفائدة الأميركية، والذي جاء مدعوماً ببيانات اقتصادية تصب في هذا الاتجاه، وتحسباً لموجة تصحيح قد تبدأ مبكراً تحسباً لسياسات ترامب الاقتصادية.
وتراجع المؤشر ستاندرد آند بورز 500 بواقع 78.65 نقطة، أو 1.32%، إلى 5870.52 نقطة، بينما خسر المؤشر ناسداك المجمع 429.11 نقطة، أو 2.25%، إلى 18678.54 نقطة. انخفض كذلك المؤشر داو جونز الصناعي 306.30 نقطة، أو 0.70%، إلى 43444.56 نقطة.
وجاءت هذه التراجعات الحادة للجلسة الثانية على التوالي عقب تصريحات رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) جيروم باول أنه لا حاجة إلى الإسراع في خفض أسعار الفائدة، ما دفع عوائد السندات للارتفاع، وضغط على الأسهم شديدة التأثر بسعر الفائدة.
هذه التصريحات تم تعزيزها ببيانات اقتصادية صادرة الجمعة، وأظهرت ارتفاع مبيعات التجزئة الأمريكية أكثر قليلا من المتوقع في أكتوبر. كما انتعشت أسعار الواردات وأظهرت البيانات الصادرة يومي الأربعاء والخميس استمرار التضخم.
وبعد الارتفاعات القياسية التي سجلتها مؤشرات وول ستريت عقب نتائج الانتخابات الأميركية وفوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب فيها، بات يخشى الآن من موجة تصحيح قاسية بعد بدء تلاشي نشوة الانتصار، وتدشين عصر الحروب التجارية مع تسلم ترامب زمام الأمور في يناير 2025.
نتائج الانتخابات أحدثت ردة فعل حادة في الأسواق العالمية، حيث ارتفعت الأسهم الأميركية بشكل كبير، وكانت الشركات الصغيرة هي الأفضل أداءً في السوق. يعود ذلك إلى أن الشركات الأميركية الأصغر تعتمد غالباً على السوق المحلي، وستستفيد بشكل أكبر من الإصلاحات الضريبية الجديدة لترامب، بينما قفزت أسعار أسهم البنوك والخدمات المالية بشكل قياسي أيضاً بسبب موقف ترامب المناهض للتنظيمات المالية، فربما لن تكتفي إدارة ترامب بخفض الضرائب على الشركات، بل ستسعى أيضاً إلى إلغاء بعض اللوائح التنظيمية التي وُضعت بعد الأزمة المالية العالمية واللوائح الأخرى المخطط لها على البنوك. وهو ما من شأن تحرير المزيد من رأس مال البنوك وزيادة ربحيتها، على الرغم من أنه سيرفع أيضاً من مستويات المخاطرة لديها.
أضف إلى ذلك القفزة الكبيرة التي حققتها أسهم شركات التكنولوجيا. ولكن كل هذه الارتفاعات المدعومة بالنشوة والتوقعات المستقبلية قد تنتهي في وقت قريب مع العودة إلى الاستثمار بناء على الأساسيات. كثير من الشركات باتت مكررات ربحيتها عالية جداً، وغير مجدية استثمارياً.
لكن ما يثير مخاوف المستثمرين، ويدفعهم إلى التخلص من الأسهم هو تحرك ترامب سريعاً لفرض الرسوم الجمركية، التي تسبب التضخم وتضر بالنمو، والامتناع عن خفض الضرائب على الشركات خوفاً من تفاقم العجز في الميزانية، وارتفاع أسعار الفائدة بشكل حاد، ما يؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد وجمود أسواق الائتمان.
يقول رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول «إنه لا داعي أن يتعجل البنك المركزي في خفض أسعار الفائدة، معللاً ذلك بأن الاقتصاد ينمو بوتيرة ثابتة وسوق العمل قوي، إضافة إلى استقرار التضخم عند مستويات أعلى من الهدف البالغ 2%».
وأكد باول أنه يمكن للأعضاء قضاء وقتهم واتخاذ قرارات مدروسة بشأن مسار السياسة النقدية في المستقبل، إضافة إلى أن التضخم سيواصل انخفاضه نحو هدف 2%، وفي بعض الأحيان، قد يكون هذا المسار وعراً ومتقلباً.
كما أشار إلى التزام البنك بإنهاء مهمة كبح التضخم المرتفع، لافتاً إلى أن القوة الاقتصادية تمنح الفيدرالي القدرة على التعامل مع قراراته بعناية، وأن سوق العمل قوي، والتضخم يسير على طريق مستدام إلى هدف الفيدرالي.
على صعيد متصل، ضغطت أيضاً بيانات صدرت اليوم على مؤشرات الأسهم في وول ستريت، فقد ارتفعت مبيعات التجزئة في الولايات المتحدة أكثر قليلاً من المتوقع في أكتوبر. وأفاد مكتب الإحصاء التابع لوزارة التجارة اليوم الجمعة بأن مبيعات التجزئة صعدت 0.4% الشهر الماضي بعد ارتفاعها 0.8% في سبتمبر.
وساعد الإنفاق الاستهلاكي القوي الاقتصاد، الحفاظ على وتيرة نموه القوية في الربع الأخير. ويستند الاستهلاك لحدٍّ بعيد إلى انخفاض معدلات تسريح العمال، مع دعم إضافي من الميزانيات القوية للأسر بفضل انتعاش سوق الأسهم وارتفاع أسعار المساكن، كما تظل مدخرات الأسر مرتفعة.