تؤثر التوجهات الديموغرافية في دولة الإمارات بشكل كبير على ديناميكيات سوق العقارات، وتعكس العلاقة التبادلية بين خصائص السكان والطلب على العقارات، وتشكل الفئة العمرية ما بين 25 و54 عاماً التي تمثل نحو 69% من السكان، القوة الدافعة الرئيسة للطلب على العقارات السكنية والتجارية. وفي دبي يترجم هذا التركيب السكاني إلى سوق سكنية نشطة، فيما يتجلى ذلك في الارتفاع المتسارع للإيجارات السكنية خلال عام 2024، وقد ارتفعت الإيجارات السكنية المتوسطة في دبي خلال مارس الماضي بنسبة 21.2% على أساس سنوي، متجاوزة النمو السنوي البالغ 20.4% المسجل في الشهر السابق، وخلال تلك الفترة شهدت إيجارات الشقق ارتفاعاً بنسبة 22.1%، بينما زادت إيجارات الفلل بنسبة 14.5%.
على الرغم من القوة الملحوظة في الطلب على العقارات في دبي، بيد أن المعروض لا يزال محدوداً، فقد جرى تسليم 6526 وحدة سكنية في دبي خلال الربع الأول من 2024، في حين ارتفع عدد سكان دبي بنحو 25,700 نسمة خلال الفترة ذاتها، ونتيجة لهذا التفاوت بين العرض والطلب المرتفع، يُتوقع استمرار اتجاه ارتفاع الإيجارات السكنية في دبي.
بالتزامن مع الطفرة في العقارات السكنية، تشهد سوق المكاتب في دبي نمواً قوياً في معدلات الإشغال، ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى التركيبة السكانية الشابة، إذ ارتفع معدل الإشغال إلى 91.3% في الربع الأول من 2024 مقارنة بنسبة 90.1% في الفترة ذاتها من العام السابق، ويرجع هذا الارتفاع إلى تدفق الشركات الصغيرة والمتوسطة وازدهار قطاع الخدمات المالية، مدعوماً بتزايد عدد صناديق التحوط وشركات إدارة الأصول. ويسلط هذا المستوى المرتفع من الإشغال الضوء على الطلب المتزايد على مساحات المكاتب العصرية والمرنة التي تلبي احتياجات القوى العاملة الوافدة بشكل أساسي، وذلك على الرغم من محدودية المعروض الجديد. وتؤكد النسبة العالية للذكور في السكان البالغة 68.58%، الذين يشكلون جزءاً كبيراً من القوى العاملة في القطاعات التي تعتمد على المكاتب والمساحات التجارية، على العلاقة الوثيقة بين التركيبة السكانية ونمو سوق المكاتب.
تُعد التركيبة السكانية لدولة الإمارات، التي تتميز بنسبة كبيرة من الوافدين وتبلغ 88.50%، محركاً رئيسياً لسوق العقارات التجارية، هذا التركيب الديموغرافي الفريد يُسهم بشكل مباشر في ارتفاع الطلب المستمر على المساحات التجارية.
تُظهر مراكز التسوق الرئيسية في دبي، مثل "دبي مول" و"مول الإمارات"، أرقاماً قياسية في عدد الزوار والمبيعات، ما يعكس القوة الشرائية للسكان والسياح على حد سواء، وقد حظي "دبي مول" بلقب أكثر الوجهات زيارة عالمياً في العام 2023، حيث استقبل أكثر من 103 ملايين زائر، مسجلاً زيادة تفوق 19% مقارنة بالعام الذي سبق.
كما تُعد السياحة الركيزة الأساسية لازدهار قطاع العقارات التجارية في دبي، وإضافة إلى ذلك، يعكس إجمالي الناتج المحلي للفرد في الإمارات، والبالغ نحو 96,850 دولار في عام 2024، الحاجة إلى مساحات تجارية فاخرة تلبي توقعات العملاء المتميزين. وتتشارك دول الخليج الأخرى هذا النمو الاقتصادي القوي، إذ تبلغ هذه القيمة 70,330 دولار في السعودية، و112,280 دولار في قطر، و52,270 دولار في الكويت، و62,670 دولار في البحرين.
تستقطب دولة الإمارات، بفضل موقعها الجغرافي الإستراتيجي وقوتها الاقتصادية، الأفراد من الدول المجاورة، الأمر الذي يدعم نمو سوق العقارات التجارية، ويزيد من الطلب على المساحات التجارية عالية الجودة.
يتأثر قطاع الضيافة الإماراتي بالنمو المطرد بفضل التركيبة السكانية المتميزة للبلاد، ومركزها الريادي كوجهة عالمية للأعمال والسياحة. وقد أسهم هذا القطاع الحيوي في الاقتصاد الوطني بنحو 60 مليار دولار في إجمالي الناتج المحلي الذي بلغ 504 مليارات دولار في 2023، مسجلاً نحو 11.9%، وتستهدف إستراتيجية القطاع تحقيق إيرادات تبلغ 64 مليار دولار في 2024، ما يعادل 12.14% من إجمالي الناتج المحلي، كما تخطط الإمارات لتعزيز مساهمة القطاع لتصل إلى 123 مليار دولار بحلول عام 2031، بالتزامن مع استقبال 40 مليون زائر فندقي.
تجسّد دبي نموذجاً بارزاً لهذا النمو، إذ استقبلت 5.18 مليون زائر دولي خلال الربع الأول من 2024، متجاوزة بذلك عدد سكانها الحالي بمعدل 1.43 مرة، ويعزز هذا الإقبال الكبير، مدعوماً بكثافة العمالة الوافدة التي تستضيف الأقارب والأصدقاء، الطلب المستمر على الفنادق والإقامات قصيرة الأجل. ويعكس ارتفاع معدلات الإشغال في القطاع، التكامل بين الشباب الذين يتمتعون بحراك اجتماعي واقتصادي، والأهداف التنموية للإمارات.
باختصار، تسهم العوامل الديموغرافية بشكل مباشر في نمو وتطور سوق العقارات في الإمارات، إذ يؤدي ارتفاع عدد السكان وخصوصاً من فئة الشباب إلى زيادة الطلب على السكن بينما يدعم تنوع المجتمع من المغتربين ازدهار قطاعي المكاتب والعقارات التجارية.