ماذا لو كان «الذكاء الاصطناعي التوليدي»، رغم المليارات التي أُنفقت لتطوير نماذج لغته، مجرد فقاعة؟ مع تراجع أسهم شركات القطاع، تحقق مجلة «ذا إيكونوميست» فيما إذا كان هذا التراجع مجرد مرحلة عابرة.
تمر شركات التكنولوجيا الناشئة في وادي السيليكون بأوقات صعبة، حيث يزداد قلق المستثمرين من أن الذكاء الاصطناعي لن يحقق الأرباح الهائلة التي كانوا يتوقعونها. فبعد أن وصلت أسهم الشركات الغربية الرائدة في ثورة «الذكاء الاصطناعي» إلى أعلى مستوياتها في يوليو، انخفضت بنسبة 10% في أغسطس. وبدأ العديد من المراقبين يتساءلون عن حدود «النماذج اللغوية الكبيرة» التي تدعم خدمات مثل «شات جي بي تي».
بحلول عام 2030، من المتوقع أن ترتفع متطلبات الطاقة لمراكز البيانات بنسبة 160%، وفقاً لتقرير «غولدمان ساكس»، وهذا الارتفاع مدفوع بشكل رئيسي بتطور «الذكاء الاصطناعي». فعلى سبيل المثال، يتطلب تنفيذ طلب واحد عبر «شات جي بي تي» ما يقارب عشرة أضعاف الطاقة التي تتطلبها عملية البحث في «غوغل».
ومع تزايد استخدام الملايين لـلذكاء الاصطناعي التوليدي في مختلف المجالات، من البحث على الإنترنت إلى إنشاء مقاطع فيديو موسيقية، أصبح من الضروري تقليل البصمة البيئية لهذه التكنولوجيا. وفقاً لسبعة خبراء وقعوا مقالاً في مجلة «نيتشر» في 21 أغسطس، فإن هذا الارتفاع يشكل خطراً على المناخ. ويشير الخبراء إلى أن تأثير استهلاك الطاقة على انبعاثات الكربون يعتمد أيضاً على موقع تشغيل الأنظمة ومصادر الطاقة المتاحة.
ورغم أن عمالقة التكنولوجيا استثمروا عشرات المليارات من الدولارات في تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي، فإن البيانات الأخيرة من مكتب الإحصاء الأميركي تشير إلى أن 5.1% فقط من الشركات الأميركية تستخدم الذكاء الاصطناعي لإنتاج السلع والخدمات، وهي نسبة أقل مقارنة ببداية العام.
يشير الخبراء إلى «دورة التباهي»، وهو مفهوم يشير إلى أن التقنيات الجديدة تمر بفترات من الحماس المفرط يليها تراجع في الاهتمام، قبل أن تنتعش مجددًا بعد بناء البنية التحتية اللازمة.
أحد الأمثلة التاريخية على هذه الدورة هو طفرة السكك الحديدية في القرن التاسع عشر في بريطانيا. في تلك الفترة، استثمر الجميع، من العلماء مثل تشارلز داروين إلى الفلاسفة مثل جون ستيوارت ميل، في أسهم شركات السكك الحديدية، مما أدى إلى فقاعة مالية انتهت بانهيار السوق. لكن الفائدة كانت في الأموال التي تم جمعها، والتي ساعدت على بناء شبكة سكك حديدية غيرت الاقتصاد البريطاني بشكل جذري.
كانت أوروبا أول من أصدر قانوناً لتنظيم الذكاء الاصطناعي، ودخل هذا القانون حيز التنفيذ في الأول من أغسطس الماضي. ورغم أن البعض يعتبر أن أوروبا اتجهت للتنظيم عوضاً عن أن تكون رائدة في تطوير النماذج اللغوية الكبيرة، إلا أن التشريعات المتعلقة بـالذكاء الاصطناعي تشهد تزايداً في أماكن أخرى. ففي الولايات المتحدة، يناقش الكونغرس أكثر من 120 مشروع قانون لتنظيم هذه التكنولوجيا.
بالنظر إلى المستقبل، يتوقع بعض الخبراء أن الذكاء الاصطناعي سيتبع نفس النمط الذي شهدته العديد من التقنيات الأخرى، حيث سيشهد استثمارات ضخمة، ثم فترة من التراجع، قبل أن يتم تعلم كيفية استخدامه بكفاءة، مما سيؤدي في النهاية إلى اعتماده بشكل واسع. ورغم أن هذا النمط ليس دائماً قاعدة حتمية، فإن الذكاء الاصطناعي لا يزال قادراً على إحداث ثورة في العالم.