أصبح الذكاء الاصطناعي قادراً، في كثير من المجالات، على أداء مهام كانت تُعد حتى وقتٍ قريب حكراً على الإنسان. هذا التقدم المذهل يطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل الوظائف البشرية، وحدود الدور الذي يمكن أن يلعبه الإنسان في ظل وجود أنظمة ذكية تتعلم وتتفوق باستمرار.
ولوقت طويل كان يعتقد أن وظائف مثل الطب والتعليم والمهن البدنية قد يكون من الصعب استبدال البشر فيها بالذكاء الاصطناعي لكن قد يكون لشركات التكنولوجيا الرأي الآخر.
بيل غيتس مؤسس شركة مايكروسوفت، يرى أن النقص الطويل الأمد في الأطباء والمعلمين قد ينتهي قريبًا لأن الذكاء الاصطناعي سوف يملأ الفجوة.
وقال في حلقة من بودكاست (People by WTF) يوم الجمعة: «إن الذكاء الاصطناعي سيأتي ويوفر الذكاء الطبي، ولن يكون هناك نقص».
وقال غيتس، الذي ركز لفترة طويلة على الصحة العامة، إن دولا مثل الهند وبعض الدول الإفريقية لا تزال تواجه نقصا في المتخصصين الطبيين.
تواجه الولايات المتحدة أيضًا هذه المشكلة. فقد توقع تقرير صادر عن جمعية كليات الطب الأميركية العام الماضي أن تواجه الولايات المتحدة نقصًا في الأطباء يصل إلى 86 ألف طبيب متخصص وطبيب رعاية أولية بحلول عام 2036.
وقال مايكل ديل، مدير دراسات القوى العاملة في المنظمة: «تحتاج البلاد إلى مئات الآلاف من الأطباء لتوفير قدر متساوٍ من الرعاية للجميع، بما في ذلك الأقليات، وأولئك الذين لا يتمتعون بالتأمين الطبي، والأشخاص الذين يعيشون في المناطق الريفية»، وفق ما نقلت صحيفة «بيزنس إنسايدر».
ويتناقص أيضًا عدد الأطباء المتخصصين في رعاية كبار السن، حتى مع تزايد أعمار السكان. وصرح أخصائيون طبيون لصحيفة «بيزنس إنسايدر» في مارس الماضي بأن تدفق المرضى كبار السن قد يؤدي إلى أزمة في جودة الرعاية.
وتخفيف الإرهاق في هذا القطاع، جمعت شركات ناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي تُركز على الرعاية الصحية مليارات الدولارات من خلال الترويج لنفسها على أنها الحل الأمثل.
وتؤكد شركات ناشئة مثل «سوكي»، و«زيفير» للذكاء الاصطناعي، و«تينر»، قدرتها على تخفيف أعباء العمل من خلال أتمتة المهام المتكررة مثل الفوترة وتدوين الملاحظات، وتحسين دقة التشخيص، وتحديد المرضى الذين يحتاجون إلى علاجات جديدة.
وتشير تقديرات شركة ماكينزي الاستشارية إلى أن الذكاء الاصطناعي التوليدي قد يعزز الإنتاجية في مجال الرعاية الصحية والأدوية بما يصل إلى 370 مليار دولار.
في الولايات المتحدة، ووفقًا للبيانات الفيدرالية الصادرة عام 2023، أفادت 86% من المدارس الحكومية من مرحلة رياض الأطفال حتى الصف الثاني عشر بصعوبات في توظيف المعلمين للعام الدراسي 2023/2024.
وأفادت حوالي 45% من المدارس الحكومية بنقص في الكوادر.
في المملكة المتحدة، أفادت مجلة «بزنس إنتلجنس» العام الماضي أن مدرسة ثانوية في لندن تستبدل بعض المعلمين بأدوات ذكاء اصطناعي مثل «تشات جي بي تي» لمساعدة الطلاب على الاستعداد للامتحانات.
وشمل البرنامج التجريبي في كلية ديفيد جيم 20 طالبًا يستخدمون أدوات الذكاء الاصطناعي لمدة عام في مواد أساسية مثل اللغة الإنجليزية والرياضيات والأحياء وعلوم الحاسوب.
وعلى الرغم من المخاوف بشأن استخدام الطلاب للذكاء الاصطناعي للغش، فقد أبلغ المعلمون مجلة «بزنس إنتلجنس» العام الماضي أنهم متفائلون بشأن قدرة الذكاء الاصطناعي التوليدي على توفير الوقت للمعلمين وتحسين التعلم - خاصة مع تزايد صعوبة توفير الموظفين للفصول الدراسية.
أكدت الدراسات أن حوالي 40% من الوظائف العالمية مهددة بأن يحل الذكاء الاصطناعي محل البشر فيها، وهذا ليس بجديد. فتاريخيًا، لطالما أثرت الأتمتة وتكنولوجيا المعلومات على المهام الروتينية، ولكن ما يُميّز الذكاء الاصطناعي هو قدرته على التأثير في الوظائف التي تتطلب مهارات عالية.
لم يكن غيتس يتحدث عن المعلمين والأطباء فحسب، بل قال أيضًا إن الذكاء الاصطناعي قادم لعمال المصانع، وطواقم البناء، وعمال نظافة الفنادق، وأي شخص يقوم بعمل يتطلب مهارة بدنية ووقتًا.
وتُراهن شركات التكنولوجيا العملاقة، مثل إنفيديا، بقوة على الروبوتات البشرية المصممة لأداء مهام يدوية، من جمع الأغراض في المستودعات إلى تنظيف الأرضيات.
وتهدف هذه الروبوتات إلى خفض تكاليف العمالة وتعزيز الكفاءة.
وأشار غيتس إلى أن العالم يتجه نحو مستقبل قد ينخفض فيه العمل بشكل كبير - أو على الأقل يبدو مختلفًا تمامًا عن الآن.
وقال: «يمكنك التقاعد مبكرًا، والعمل لأسابيع عمل أقصر».
في عام 1930، توقع الخبير الاقتصادي جون ماينارد كينز أن التقدم التكنولوجي قد يؤدي في نهاية المطاف إلى تقليص أسبوع العمل إلى 15 ساعة فقط.
وبعد مرور ما يقرب من قرن من الزمان، وعلى الرغم من القفزات الكبرى في الإنتاجية، لا يزال معظم الناس يعملون حوالي 40 ساعة أسبوعيا.